يتحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن موقف شريعة الإسلام من الطلاق،
وأوَّل ما يَلفت أنظار الباحث فى أمر الطلاق هو أن الإسلام لم يشرعه للمسلمين كشرع جديد لم يكن للناس عهد به من قبل، وهو فى ذلك يشبه موضوع تعدد الزوجات، بحيث يصح القول بأن أيا من فوضى «التعدُّد» وفوضى «الطَّلاق» ليس تشريعًا إسلاميًّا جديدًا على الناس، بل العكسُ هو الصحيح تمامًا، وقد مرَّ بنا أن التعدُّد بين الزوجات فى الجاهلية قبل الإسلام لم يكن له سقف يتوقف عنده، وأن الإسلام هو الذى حدَّد هذه الفوضى عند أربع فقط، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بموضوع الطلاق، الذى وقف منه الإسلام نفس الموقف من تعدُّد الزوجات.. فقد ظهر الإسلام وللرجل كامل الحق فى أنْ يُطلِّق زوجته أى عدد شاء من الطلقات، ويراجعها فى عِدَّتها فتعود إلى عصمته متى شاء، وقد ترتَّب على هذه الحرية الهوجاء فى التطليق والإمساك لحوقُ أضرار بالغة بالمرأة جعلت منها أسيرة كَرٍّ وفرٍّ، وجزرٍ ومدٍّ، لعصمة هؤلاء الرجال ونزعاتهم اللاإنسانيَّة.. وقد جاء الإسلام والمرأة على هذا الحال، وأصاب المرأة المسلمة فى بداية الإسلام ما أصاب مثيلاتها الجاهليات من هذا العبث المستقر والمبرر فى أعراف الجاهلية..
وهنا يروى المفسِّرون أن رجلًا هدَّد زوجته فى عهد النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بأنه لن يأويها إليه، ولن يدعها تحل لزوجٍ غيره، ولما استفسرت منه الزوجة عن هذا الأسلوب الوحشى فى سحق المرأة قال لها: أطلقك، فإذا أوشكتْ عِدَّتك على الانتهاء راجعتك، فرفعت الزوجة أمرها إلى النبى صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنزل الله تعالى قوله: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ, فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ, وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»، وأوقف هذا العبث، إلى الأبد، وجعل للزوج الحق فى أن يطلق الزوجة مرة ويردها فى العِدَّة، وثانية ويردها فى العِدَّة أيضًا: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى, تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ».
ويوضح شيخ الأزهر، فى برنامجه التليفزيونى، حديث الإمام الطيب، حكم الطَّلاق فى الإسلام، فقال إنَّ اختلاف العلماء فيه أمر معلوم، إلَّا أنَّ الرأى الذى تدعمه الأحاديث النبوية والقيم الإنسانية الاخلاقيَّة التى، وقُلنا بشأنها: إنَّها الظهير الثابت وراء كل تشريع – هو الرأى القائل إن الأصل فى الطلاق هو: الحظر، بمعنى: الحُرْمَة، أي: حُرْمَة الإقدام على تطليق الزوجة، اللهمَّ إلَّا لأسبابٍ تحول بين تحقيق الهدف أو الغاية من العيش فى إطار هذا الرباط المقدَّس.
وعند الإمام أحمد: «يحرم الطلاق ويباح عند الحاجة».
ويقول ابن تيمية: «الأصل فى الطلاق الحظر، وإنَّما أُبيح منه قدر الحاجة»، ولا يذهبن بنا الظن فى تفسير «الحاجة» التى يُباح معها الطَّلاق أنها الرغبة فى التغيير، أو الوقوع فى الغرام بأُخرى، أو غير ذلك مِمَّا يرجع إلى حظوظ النفس ورغباتها وشهواتها، أو مِمَّا يرجع إلى مَكيدةٍ للزوجةِ أو لأسرتها؛ فكل هذه حاجات هابطة وغير مُعتبرة فى ميزان شريعة الإسلام، ولا تصلح أن تكون من العوارض التى يتغيَّر معها حكم الطلاق من الحظر والحُرْمَة إلى الإباحة.. وأنَّ الحاجة التى يعتبرها الفقهاء، ويتغير معها حكمُ الطلاق هى الحاجة الشرعيَّة وليست الشخصيَّة، ويستدل الفقهاء على ذلك بالحديث الشريف: ««تَزَوَّجوا، ولَا تُطَلِّقُوا، فإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الذوَّاقينَ، ولا الذوَّاقاتِ» أي: عبيد المتعة الحِسِّيَّة والشَّهَوَات الغريزيَّة.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضـان كريــم
الدكتور علــــى