01-13-2020
|
01-13-2020
|
#2
|


مالك بن نبي
خالد سعد النجار
نبذة عن حياته:
وُلد مالك بن نبي في مدينة قسنطينة في الجزائر عام (1905م)، ونشأ في أسرة فقيرة؛ لأن جده لأبيه هاجر إلى طرابُلس الغرب احتجاجاً على الاستعمار الفرنسي وحمل معه كل أملاك العائلة، هذا الميلاد جعله يتصل بالماضي عن طريق من بقي حياً من شهوده. [4]
انتقل والده إلى (تبسة) فعاش فيها طفولته وكانت هذه المدينة الصغيرة بعيدة نوعاً ما عن (الحضور الفرنسي) وذلك لاحتكاكها بالقبائل المجاورة؛ فحفظها الطابع البدوي عن الاختلاط مع الفرنسيين، وفي (تبسة) كان يدرس في الصباح العربية والقرآن ثم يذهب في الساعة الثامنة إلى المدرسة الحكومية الفرنسية، وفي المرحلة التكميلية كان يتابع دروس العربية والدين، وكانت المدرسة الفرنسية تشجعه على المطالعة عن طريق إعارة الكتب.
تعرَّف على تلاميذ ابن باديس من الشباب، وشعر أنه - وإياهم - على خط فكري واحد، وكان يقرأ (الشهاب) و (المنتقد) قبلها ولكنه لم يتصل بالشيخ ابن باديس ولا تتلمذ عليه، وفي (تبسة) حيث تعيش أسرته لم يتتلمذ أو يؤيد تأييداً قوياً الشيخ العربي التبسي، وكأن هناك حاجزاً نفسياً بينه وبين المشايخ، ويعترف بعد ربع قرن: (حينما تفحصت شعوري حول هذا الموضوع تبين لي أن السبب يكمن في مجموعة من الأحكام الاجتماعية المسبقة، وفي تنشئة غير كافية في الروح
الإسلامي) [5].
ويتابع الحديث عن الأسباب الاجتماعية: (فأحكامي المسبقة ربما أورثتنيها طفولتي في عائلة فقيرة في قسنطينة، زرعت لاشعورياً في نفسي نوعاً من الغيرة والحسد حيال العائلات الكبيرة التي كان الشيخ العربي ينتمي إلى واحدة منها)[6]. وكنت أعتقد أنني أقرب إلى الإسلام بالبقاء قريباً من البدوي أكثر من البلدي الرجل الذي يحيط به وسط متحضر، وكان الشيخ العقبي يبدو في ناظري
بدوياً، بينما يبدو الشيخ ابن باديس بلدياً،
فقد تبين لنا أسباب جفائه لزعماء جمعية العلماء وهو شاب، أما عندما نضج فكرياً فسيكون له موقف مبني على أسس عنده سنتكلم عنها إن شاء الله.
بعد الانتهاء من الثانوية عمل متطوعاً في محكمة (تبسة) وهناك تعرف من خلال تجوال أعضاء المحكمة في الريف - على رجل الفطرة الذي يستضيف أعضاء المحكمة رغم أنهم حكموا عليه بالضرائب والغرامات، ثم عمل موظفاً في
محكمة (أفلو) التي تقع جنوب وهران في غرب الجزائر، وهناك أيضاً تعرف على الكرم العربي والفطرة الصادقة: (فالناس في المدن لا يستطيعون فهم هذه العقلية أو ذاك النبل في عروق البدوي). [7]
وتعرف على فضائل الشعب الجزائري قبل أن يفسده الاستعمار، ثم انتقل للعمل في محكمة (شاتودان) ولم يطق معاملة موظفيها؛ فاستقال وتوجه إلى فرنسا وذلك عام (1930م) في محاولة للانتساب إلى معهد الدراسات الشرقية، ولكن طلبه رُفض؛ لأن الدخول لهذا المعهد - كما يقول هو -لا يخضع لمقياس علمي وإنما لمقياس سياسي. انتسب إلى مدرسة اللاسلكي ودرس الكهرباء والميكانيكا، وهذه الدراسة أعطته بُعداً آخر يقول عنها: (فتح لي عالم جديد يخضع فيه كل شيء إلى المقياس الدقيق للكم والكيف، ويتسم فيه الفرد-أول ما يتسم-بمَيزات الضبط والملاحظة).
ولكن دخوله مع العمل الطلابي المغربى وتعرفه على صديقه (حمودة بن الساعي) بدأ يغير من اتجاهه العلمي إلى التعمق في الدراسات الاجتماعية.
تخرج مهندساً كهربائياً عام (1935م) وبدأ رحلة شاقة في البحث عن عمل في البلاد العربية وغيرها، وكانت الأبواب توصد في وجهه دائماً وسبب ذلك في رأيه هو أنه أراد تمزيق شبكة الاستعمار ولم يدرِ أن سمك القرلق(الاستعمار) كان له بالمرصاد.
زار الجزائر في هذه الفترة، ولاحظ وقوع الناس في حُمى الانتخابات والدجل السياسي بعد المؤتمر الجزائري.
عاد إلى فرنسا في مطلع الحرب العالمية الثانية مودعاً الجزائر بهذه العبارة: (يا أرضاً عقوقاً! تطعمين الأجنبي وتتركين أبناءك للجوع، إنني لن أعود إليك إن لم تصبحي حرة!)، وبقي في فرنسا حتى عام (1956م) أصدر فيها باللغة الفرنسية: (الظاهرة القرآنية)، (شروط النهضة)، (وجهة العالم الإسلامي)، (الفكرة الإفريقية الآسيوية).
زار مصر عام (1956م) وبقي فيها حتى عام (1963م)، وكان له في مصر تلاميذ وأصدقاء، وزار خلالها سورية ولبنان ألقى فيها المحاضرات حول موضوع (مشكلات الحضارة)، وفي القاهرة أصدر: (حديث في البناء الجديد)، (مشكلة الثقافة)، في مهب المعركة، (تأملات في المجتمع العربي).
عاد إلى الجزائر عام (1963م) حيث عُين مديراً عاماً للتعليم العالي وأصدر في الجزائر: (آفاق جزائرية)، (يوميات شاهد للقرن)، (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي)، (المسلم في عالم الاقتصاد).
استقال من منصبه عام (1967م) وتفرغ للعمل الفكري.
توفي في (31/10/1973م) في الجزائر - رحمه الله - وغفر له -.
شخصيته:
يجتمع في مالك بن نبي خطان رافقاه طوال حياته، فهو شخصية عاطفية، خيالية أحياناً، يفكر بأحلام الفلاسفة ويهيم بالتجريد. يقول عن نفسه: (أنا شديد التأثر بالحدث، وأتلقى صدمته بكل مجامعي وبانفعالية تستطيع أن تنتزع مني دموع الحزن حين يثير الحدث الحبور من حيث المبدأ)، وقد بكى عندما اندحر الجيش الفرنسى أمام ألمانيا عام (1940م) مع أنه يكره الاستعمار الفرنسى، ويعلق هو على هذا التصرف: (رأيت في ذاتي عنصراً آخر كشف كل التعقيد في ضمير مسلم) ولم يوضح ما هو هذا العنصر الآخر ولكن يبدو لي أنه عدم التوازن بين القيم الأخلاقية وأيها يصلح لتطبيقه على الحدث، وعندما سمع حديث والدته وذكرياتها عن الحج لم يستطع حبس دموعه فكان يتظاهر بالعطش ليخرج إلى الشرفة فيطلق العنان للدمع.
هذه العاطفة أنتجت له شخصية حالمة أحياناً، فعندما يسمع ويقرأ عن شاعر مثل (طاغور) تتفتح أمامه الأحلام عن الشرق وأن الإنقاذ ربما يأتي من روحانية الهند كما يسميها، وعندما يسمع بأنباء الخلاف بين الملك عبد العزيز آل سعود وإمام اليمن يكتب رسالة إلى سفارة اليابان يدعو حكومتها للتدخل باسم التضامن الآسيوي لمساعدة ابن سعود حتى لا تتمزق الجزيرة العربية، وطبعاً لم يستجب (الميكادو) لطلبه!
وفي الجانب الآخر نجد شخصية مالك الناقد المحلل الذي يمتلك القدرة الفائقة على النفاذ لأعماق المشكلة وبيان أسبابها، من خلال النظرة العلمية الصارمة، ومن خلال اطلاع واسع على الثقافة الغربية وكيف تنشأ الحضارات مع معرفة بواقع المجتمعات الإسلامية من خلال معرفته الشخصية بالمجتمع الجزائري، وهو في مقارناته وتحليلاته يشبه سلفه المغربي المؤرخ ابن خلدون، حيث تلتقط الذاكرة كل جزئية وكل حادثة ثم يبدأ التحليل والمقارنة ثم يخرج بالنتائج التي يرتضيها، يقول عن سكان (أفلو) عندما عمل عندهم كمساعد في المحكمة:
“فملكية الإنسان لأرض ما تخلق في نفسه غرائز اجتماعية قد سلم منها الراعي، ففي دعوى أمام القضاء في (تبسة) يستطيع كل فريق أن يقدم عشرة شهود زور بالمجان، وشهود كل واحد من الطرفين سيحلفان أنهما يقولان الحقيقة، أما في (أفلو) فقد لاحظت الرجل يرفض غالباً أن يحلف ولو كان ذلك لدعم حقه الواضح”.
وعندما أراد القيام بعمل علمي مشترك مع صديقه (ابن الساعي) فشلت المحاولة؛ فعلق قائلاً: “ولم أكن أعلم أن العمل الجماعي بما يفرض من تبعات إنما هو من المقومات التي فقدها المجتمع الإسلامي ثم لم يسترجعها بعد خصوصاً بين مثقفيه”.
هذان الخطان استمرا في حياة ابن نبي، فالعاطفة التي تجمح إلى الخيال أحياناً جعلته يعقد في الخمسينات آمالاً كباراً على “مؤتمر باندونغ”وظن أنه سيحل مشكلة العالم الثالث، ومن رفات (غاندي) سينطلق يوماً انتصار اللاعنف ونشيد السلم العالمى[8]. كما استمر النقد التحليلى للمجتمع الإسلامي ومواطن الضعف فيه فتكلم عن الذين يظنون أن الإصلاح يبدأ من (علم الكلام) كالشيخ محمد عبده، يقول: “إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه”.
ويكتشف مالك جرثومة المرض، فالذين تركوا الطواف حول القبور وأخذ البركات من الدرويش لم يستطيعوا الاستمرار فتحولوا إلى الطواف حول وثن جديد وهو وثن الأحزاب السياسية والانتخابات [9]، ولأن العمائم أسلمت القيادة إلى (المطربشين)؛ لأن العلماء لم يكونوا على جانب من الخبرة بوسائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري حتى يفطنوا إلى هذا الانحراف (الغوغائية السياسية).
العوامل المؤثرة في ثقافته:
1 - وُلد مالك بن نبي في عصر سمع فيه من جدته لأمه قصص الاحتلال الفرنسي للجزائر، وعاش مأساة بلد يخطط الاستعمار لشل فاعليته، ومن ثم لتحويله إلى فريسة سهلة الالتهام، عاشها مالك يوماً بيوم في المدرسة الفرنسية حيث لا يسمح (لابن البلد) إكمال الدراسة الثانوية التي تؤهله للدراسات الجامعية، وعاشها في تحول المجتمع عن فطرته وكيف ساد الصعاليك بمعونة الإدارة الفرنسية، وكيف أصبحت العائلات العريقة فقيرة، ذليلة بسبب الاستيلاء على أراضيها، وكان اليهود هم الواسطة لانتقال الملكية من أبناء البلاد إلى أبناء المستعمر؛ فاليهودي دائماً كان يقرض بفائدة 60%، وعندما درس في فرنسا وعاش مع الجالية الجزائرية رأى الاستعمار من زواياه المختلفة، وشعر بخبث الأساليب التي يقوم بها لتمزيق العالم الإسلامي.
2 - القراءات الغزيرة المتنوعة، فقد بدأ بالقراءة منذ أن كان صغيراً في الابتدائية، وقرأ كتب علم النفس والاجتماع وهو لا يزال في المرحلة الثانوية، وكان يقرأ كل الصحف التي تصل إلى قسنطينة أو تبسة، ولا شك أن هذا الاطلاع الواسع على الثقافة الغربية هو في جانب منه على حساب الثقافة الإسلامية وكان له أثر عليه أيضاً، فكثرة قراءاته لأعمال الفلاسفة جعلته يعتبر عصر الفارابي عند المسلمين هو عصر خلق الأفكار مع أن الفارابى وأمثاله لم يقدموا شيئاً يذكر للحضارة الإسلامية، وكانت نغمة (الإنسانية) و (العالمية) سائدة عند الفلاسفة الغربيين، ونجد مالك يكررها فيتكلم عن حضارة اليوم التي تسير نحو الشمول والعالمية [10] ويستعمل أحياناً عباراتهم التي هي نتيجة انفصام عندهم بين الدين والعلم مثل قوله: (إن الطبيعة توجد النوع... ) [11] أو وهبته الطبيعة.
3 - ثقافته الإسلامية: يعترف مالك بأن الذي كان يرده عن الغلو في هذا الاتجاه (القراءات الكثيرة للفكر الغربي) هو ما كان يتلقاه من دروس في التوحيد والفقه، وقراءاته للكتب التي تأتي من المشرق العربي مثل: (الإفلاس المعنوي للسياسة الغربية في الشرق) لأحمد رضا، و(رسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده، و(طبائع الاستبداد) للكواكبي، والمجلات الإسلامية الجزائرية مثل (الشهاب) التي يصدرها الشيخ ابن باديس، ولا شك أن ثقافته الشرعية ضعيفة ولكن عنده اطلاع على التاريخ الإسلامي وقدرة على فهم الآيات والأحاديث التي تتعلق بسنة التغيير الاجتماعى وبسبب عمق تفكيره وتحرُّقه على العالم الإسلامي كان يرى أن بذرة عودة الوعي للأمة الإسلامية هي في حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي يعتبرها امتداداً لما قام به ابن تيمية في التجديد، ولنفس السبب أيد جمعية العلماء في الجزائر وكان يعقد الأمل عليهم في الاصلاح وإن اختلف معهم بعدئذ، ولبُعده عن المشرق ولضعف ثقافته الشرعية كان يمجّد جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده ويرى أن الأول هو مصلح الشرق؛ فثقافته الإسلامية خليط من آراء مدرسة الأفغاني ومحمد عبده ومن فهمه لآيات القرآن وسنن التغيير، وأنه لابد من الرجوع إلى طريقة القرآن والسنة في رفع الناس إلى مستوى الروح كما يعبر هو، والحقيقة أنه يجمع أشياء متناقضة وإن بدت منسجمة بالنسبة له.
4 - ومن المؤثرات الواضحة في شخصيته ما عاناه من الفقر الشديد في طفولته، وحياة النَّصَب والتعب التي عاشها في شبابه بحثاً عن العمل، سواء في الجزائر أو فرنسا، فقد عمل بعد تخرجه من الثانوية في مصنع للأسمنت في مدينة (ليون) بفرنسا، فكان يحمل الأكياس على ظهره، ومرة باع بعض ملابسه حتى يوفر وجبة غداء، وبعد تخرجه من الهندسة طرق أبواب العمل في الدول العربية والإسلامية ولكن دون جدوى.
هذه الأوضاع النفسية جعلته يكره - وهو صغير - الدور المترفة التي كانت تفضح أمام ناظريه بؤس أقاربه، وأحكامه المسبقة كانت بسبب العيش في عائلة فقيرة زرعت لاشعورياً في نفسه من الغيرة والحسد حيال العائلات الكبيرة، وكان يعجبه مطالعة صحيفة (الإقدام) التي يصدرها الأمير خالد الجزائري والتي كانت تركز على موضوع الفلاح الجزائري وبؤسه.
هذا ما يفسر لنا ميله للدول التي بدأت بتطبيق الاشتراكية كالجمهورية العربية المتحدة والجزائر بعد استقلالها وبتأثير من هذه الدول كان يظن أن الاتحاد السوفييتي ليس عنده مُناخ استعماري وهو صديق للشعوب!
مشكلة الحضارة:
ينطلق فكر ابن نبي من سؤال لا يزال يلح على المسلمين منذ أن صدموا بالحضارة الغربية وهى تطرق الأبواب وتدخل من كل المنافذ، وكان السؤال: ما هي أسباب تقهقر المسلمين؟ وما هي شروط النهضة ليستعيد المسلمون دورهم وفاعليتهم المفقودة وليكونوا شهداء على الناس؟. وكانت الإجابة عن هذا السؤال هي محور كتابات وأقوال الذين تصدوا لحركة الإصلاح والنهوض بالأمة على اختلافهم في القرب أو البعد عن الصواب. بل إن كثيراً منهم كانوا (لا يعالجون المرض بقدر ما يعالجون أعراضه)[12]، وأما الإجابة المتبادرة: (لابد من العودة للدين) فهي وإن كانت صحيحة بلا شك ولكنها بحاجة إلى تفاصيل، فعندما ندخل في عمق الموضوع ونبدأ بالعمل سنجد أن هذا المسلم المقتنع بهذا الجواب يحمل بين جنتبيه أمراضاً اجتماعية وفكرية ونفسية تعيقه عن فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً، ليتحول هذا الفهم إلى فعالية للتغيير، وهذه الأمراض كانت نتيجة تراكم عصور من الابتعاد عن العلم النافع والعمل المثمر، فالأمة الإسلامية (كالفارس الذي أفلت الركاب من قدميه ولم يسترده بعد، فهو يحاول أن يستعيد توازنه) [13]
كيف نصوغ عقل هذا المسلم مرة أخرى حتى يعود إلى فعاليته؟ من هنا ينطلق ابن نبي ليقول: (إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارية، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، ما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها)[14].
فالمسلم الآن لا يعيش حالة “حضارة” وإنما هو من بقايا حضارة وهي الحضارة الإسلامية طبعاً، ولابد من إدخاله مرة ثانية في دورتها، فالإنسان السابق على الحضارة (العربي قبل البعثة مثلاً) هو مثل جُزَيء الماء قبل وصوله إلى خزان ينتج الكهرباء، فهذا الجزيء منطو على طاقة مذخورة، قابل لتأدية عمل نافع، ولكن هذا الجزيء يفقد طاقته بعد أن استنفذها في إنتاج الكهرباء، وإذا أردنا أن نعيد له قوته علينا أن نرفعه مرة ثانية إلى مكان عال، أو أن يتبخر ثم يتكثف ليعود جزءاً من طاقة مائية تقع قبل خزان معين) [15].
ورفع المسلم إلى هذا المكان السامق لا يتم إلا بشحنة إيمانية عالية وأخلاق كأخلاق الصحابة، ولا يتم هذا إلا (بتوتر روحي) حسب تعبير مالك.
ماذا يقصد بالحضارة؟
(هي: مجموع الشروط الأخلاقية والمادية، التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده - في كل طور من أطواره -وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية) [16]
أو: (هي: إنتاج فكرة حية تطبع على مجتمع الدفعة التي تجعله يدخل التاريخ) [17].
(هي ليست كل شكل من أشكال التنظيم للحياة البشرية في أي مجتمع كان، ولكنها شكل نوعي خاص بالمجتمعات النامية واستعداد هذه المجتمعات لأداء وظيفة معينة) [18]، وهي جوهر الوجود للمجتمع، وعكسها هو: الهمجية والعودة إلى البدائية المترحلة [19]، فالعرب انتقلوا بالإسلام إلى حضارة، والشعوب الأخرى انتقلت بعقيدة من العقائد إلى حضارة، فهي قدرٌ محتوم لمجتمع يتحرك لبناء نفسه ولأهداف معينة.
أما العوامل التي تشكل الحضارة؛ فقد صاغها على شكل المعادلة التالية:
ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت.
ولكن هذه المعادلة لابد لها من مُركّب أو مفاعل، وهذا المركب هو (الدين) سواء كان ديناً حقاً كالإسلام، أو بقايا دين أو عقيدة تبلغ عند أصحابها مبلغ الدين في الحماسة لها والتضحية في سبيلها.
(لكي نقيم حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات، وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها) [20]. فالحضارة لا تستورد ولا تفصل لكل أمة على مقاسها، وهي التي تلد منتجاتها وليس العكس.
من هذه التعاريف يتبين لنا أن: ابن نبي له تعريفه الخاص للحضارة، فهي شكل راق من الحياة الأخلاقية والمادية، وهناك حضارة إسلامية، حضارة غربية... إلخ.
وحسب تعريفه هذا: فإن الصين الحديثة أقلعت باتجاه حضارة، فقد اجتمع لها الحماس للفكر واستخدام التراب والوقت، وقبْلها اليابان وروسيا... ورغم أهمية هذه المعادلة بالنسبة للعالم الإسلامي الذي لم يقلع بعد. ورغم نقد أبن نبي للحضارة الغربية المادية وجشعها، فإن رائحة المادية تفوح من هذه التعاريف، فروسيا أقامت نهضتها الصناعية بعد أن قتلت وشردت الملايين، وقُل مثل ذلك في الصين، فهل المهم هو استغلال الوقت والتراب ولو على حساب الإنسانية؟! وأما العنصر الأخلاقي أو الروحي (Ethes) أو ما أسماه (الفكرة الدينية) التي يكون أصلها من السماء، فقد استوحاها من (كسرلنج) الذي يقول: (وكان أعظم ارتكاز حضارة أوربا على روحها الدينية).
ويعرف الروح الدينية: (ولست أعني بالروح ذلك الشيء الدال على منطق أو عقل أو مبادئ مجردة، وإنما هو بصفة عامة: ذلك الشعور القوي في الإنسان، والذي تصدر عنه مخترعاته وتصوراته وتبليغه لرسالته، وقدرته الخفية على إدراك الأشياء)[21].
فهذا المفكر يعتبر أن (الروح المسيحية) و(مبدأها الخلقي) هما القاعدتان اللتان شيدت عليهما أوربا سيادتها التاريخية، وجاء مالك وأخذ عنه هذه الفكرة ووضعها قاعدة عامة لكل الحضارات، وأخذ عنه أيضاً وعن (شبنجلر) تقسيمه لدورة الحضارة إلى المراحل الثلاث: روحية، وعقلية، وغرائزية، وإن كان ابن خلدون قبلهم قد قال بمثل هذا ولكنه تكلم على الدول ولم يتكلم عن الحضارات، ومقولة: (أنه لا توجد حضارة إلا وللدين أثر فيها) صحيحة من حيث الجملة، وقد قال بها ابن تيمية أيضاً [22]، ولكن يبقى الإشكال هو: وضع الإسلام موضع المساواة مع أي فكرة دينية واعتباره شعلة أخلاقية تصلح لتركيب المعادلة، هنا موضع الخطورة والنقص، فالمفكر (كسرلنج) عندما يتكلم عن النصرانية يتكلم عنها كجزء من الأجزاء المكونة للحضارة الغربية، ولكن الإسلام دين شامل وليس مبدأ أخلاقياً فحسب، وقاعدته الأساسية هي التوحيد الذي ينبني عليه الأخلاق والآداب والتشريعات.. وما يعتبر فناً رائعاً عند من يكتب عن الحضارات يعتبر حراماً في الإسلام.
والواقع أن ابن نبي غير واضح في هذه المسألة، فنراه واعياً لمسألة الشمولية عندما يعتبر العصر الراشدي هو النموذج دائماً وتعاطفه وتأييده للحركات الإسلامية، مثل: حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحركة جمعية العلماء في الجزائر، وربما يكون ضعفه في العلوم الشرعية هو الذي جعله يقع في أخطاء توحي بعدم الشمولية، وخاصة في موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية.
ومع ذلك فإن طرحه لمشكلة الحضارة بمعناها الواسع هو من الأهمية بمكان، ولذلك سنمضي معه في وقفته الطويلة عند هذا الموضوع.
إن ارتفاع المسلم إلى مستوى “حضارة”(فيتعلم كيف يعيش في جماعة، ويدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية) [23]، ويتعلم كيف يكون لبنة في (البنيان المرصوص)، هذا الارتفاع لابد منه وهو المطلوب الآن، بينما نرى في الواقع أن المسلم الذي لا ينقصه الإخلاص لا يستطيع مجابهة مشاكله وكيف يحلها، لأنه تعلم وأخذ شهادات مدرسية ولكنه لم يتثقف، ولم يتشرب من بيئته في المنزل والمدرسة كيف يكون فعّالاً، وكيف يقوم بأعمال مشتركة مع الآخرين، والإسلام عندما رفع العرب إلى مستوى (حضارة) عدّل من طباعهم حتى تكون وسطاً، ووضعهم بين حدّي الوعد والوعيد، وعدل من غرائز الإنسان ولم يكبتها (حرّم الزنا وشجع الزواج)؟، وهكذا دخل العربي وغير العربي في حضارة الإسلام، وأصبحت شخصية المسلم شخصية سوية ليس فيها عُقد نفسية أو اجتماعية، وعندما عُزل خالد بن الوليد رضي الله عنه- عن قيادة الجيوش في الشام لم يُحدث عزله أي مشكلة، ولو حصلت هذه الحادثة بعد بضعة عقود من السنين لزلزلت الأرض.
والمسلم الذي هو (خارج من حضارة) -كما يعبر مالك بن نبي- يتصرف بأنانية مفرطة، قد تضخمت عنده (الأنا)؛ فلا يرى إلا نفسه ولا يهتم إلا بمصلحته الخاصة، ولا يستطيع أن يقوم بعمل تعاوني مع غيره، وإذا ذهبت إلى منزل هذا المسلم (الطيب) ستجد آثار تضييع المال ودون قصد منه في كثير من الأحيان، فأولاده يحطمون كل شيء، وبقايا الطعام تتناثر فوق السجاد الفاخر، والأم الجاهلة تنظر إليهم وكأن شيئاً لم يكن، ولأنه لم يرتب أموره الاقتصادية تذهب أمواله إلى أصحاب المصانع في الغرب والشرق لتكون عوناً لهم على المسلمين، مع أنه يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن (إضاعة المال). وعندما أراد بلد كأندونيسيا النهوض باقتصاده استدعى الخبير المشهور (شاخت)، ولكن خطط هذا الخبير لم تنجح في أندونيسيا ونجحت في ألمانيا الغربية، والسبب هو: أن الشعب الأندونيسي لم يرق بعد إلى مستوى (حضارة).
وعندما يتم استيراد الأجهزة الحديثة من أفضل ما أنتجته التقنية الغربية لا يستفاد منها كثيراً في بلادنا، لأنه لا يوجد جو اجتماعي ثقافي يحيط بها ويحفظها، فالنظم الاستبدادية جعلت العقول العلمية تهاجر إلى الغرب.
هذا ما يقصده مالك بن نبي عندما يبدأ ويعيد في موضوع الحضارة، وأن المسلم لا يعيش ولا يتنفس الثقافة الملائمة له، وإنما يحمل أمراض بيئته المتخلفة وهو لا يشعر، ونحن نوافقه من هذا الجانب، ولذلك سنبدأ بعرض بعض المعوقات التي يراها مانعة من دخول المسلم في (بادرة حضارة) وتعرقل مساعيه للانطلاق والنهوض.
يتبع
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-13-2020
|
#3
|


القابلية للاستعمار
عندما يستعرض مالك بن نبي التاريخ الإسلامي يقسمه إلى فترات ثلاث:
1- الفترة الروحية التي دخل المسلمون فيها إلى حضارة إسلامية: وتبدأ ببداية البعثة النبوية وتنتهي عند معركة صفين، وتتميز هذه الفترة (بأروع صور الزهد والتقشف التي كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلها الأعلى، كما تتميز بالتضحية من قبل الصحابة مثل: أبي بكر وعثمان وعمر.. ) [24].
وفي هذه الفترة خضعت كل النوازع للإيمان، وغابت كل الأنانيات والعصبيات، واندفع المسلم بكل طاقاته وإمكاناته، وكانت شبكة العلاقات الاجتماعية على أقوى ما يتصوره إنسان، وبلغة علم النفس: فإن الفرد يكون في أحسن ظروفه ويعيش التوازن الدقيق بين: الروح والعقل، أو بين: الروح والمادة
2- الفترة العقلية: وتمثل أوج ازدهارها المدنية الإسلامية كالفترة الأموية والعباسية الأولى، وفيها تدون العلوم وتتأسس المدينة ويستبحر العمران- كما يعبر ابن خلدون.
(بيد أن العقل لا يملك سيطرة الروح على الغرائز، فتشرع في التمرد بالتدريج) [25]، وتضعف قليلاً شبكة العلاقات الاجتماعية ولكن المجتمع يستمر قوياً بالاندفاع الأول؛ حتى يصل لمرحلة تنتهي فيها قوة الاندفاع كمحرك استنفذ آخر قطرة من وقوده، وتنتهي هذه الفترة بانتهاء عصر دولة الموحدين في المغرب.
3 - مرحلة الغرائز التي تستمر حتى بداية هذا القرن: حيث يحاول العالم الإسلامي النهوض، وفي هذه الفترة تتغلب الغرائز الفردية والتفكك الاجتماعي، ويعيش المسلم على هامش التاريخ، والمجتمع مكوَّن من أفراد لا ينقصهم التدين في كثير من الأحيان ولكنه تدين فردي، فهو يحاول إنقاذ نفسه في الآخرة، ولكن لم يعد يملك التماسك الاجتماعي وتسخير ما خلق الله له لبناء حضارة، فهم أفراد من بقايا حضارة يحملون بين جنوبهم ما يسميه مالك بن نبي (القابلية للاستعمار)، فالمجتمعات الإسلامية المعاصرة لم تُستعمر إلا لوجود هذه القابلية لديها، وقد يتعرض بلد من البلدان للاحتلال والغزو ولكنه يقاوم، أما الاستعمار فهو صفات نفسية في المستَعمِر والمستعمَر، فهناك فرق بين الاستعمار والاحتلال، وقد استعمرت بريطانيا بلداً كبيراً كالهند ولكن إقليماً صغيراً كأيرلندا الشمالية استعصى عليها، وإن بلداً كاليمن لم يدخله الاستعمار ولكنه مصاب بنفس أمراض العالم الإسلامي.
وقبل أن نمضي مع مالك بن نبي في تحليله للفترة الثالثة، لابد من إبداء تحفظ على هذا التقسيم الحاد للتاريخ الإسلامي الذي يبدو فيه أقرب إلى عقلية المهندس [26] منه إلى عقلية المؤرخ، فتركيزه على صِفِّين جعل حكمه قاسياً على الفترة التي أعقبتها، بل وقع في أخطاء تاريخية وشرعية، والضعف العلمي الذي غلب على الأمة الإسلامية إنما هو بعد القرن التاسع وليس بعد الموحدين مباشرة.
وقد عبر ابن خلدون عن هذه الحالة بنبرة الأسى والحزن: (وكأني بالمشرق قد نزل به ما قد نزل بالمغرب ولكن على مقدار ونسبة عمران، وكأنما لسان السكون ينادي في العالم بالنوم والخمول فأجاب) [27]، ومجيء دولة قوية كالدولة العثمانية لم يغير من الناحية الحضارية شيئاً، حتى إذا جاء القرن الثاني عشر الهجري كانت الأمة الإسلامية في غاية الضعف والتمزق.
(وأصبحت دوافع الحياة فاترة، يعبر عنها قول أحدهم عندما يسأل عن مهمة حياته: “نأكل القوت وننتظر الموت”) [28].
إن الأمراض الاجتماعية والنفسية التي يركز عليها مالك بن نبي ربما تظهر لبادي الرأي أنها صغيرة وليست هي مشكلة المسلمين الرئيسية، والجواب على ذلك: أننا حتى لو اعتبرناها صغيرة ولكنها مهمة جداً لأنها كحبات الرمل التي تستطيع إيقاف آلة ضخمة.
الشلل الأخلاقي:
إن أخطر مرض أصاب المسلمين هو الانفصام بين النموذج القرآني والتطبيق العملي، فقد انعدمت الدوافع الآلية التي حركت الرعيل الأول من الصحابة [29].
ويلخِّصها قول الفرزدق الشاعر للحسين بن علي رضي الله عنه- واصفاً أهل العراق: (قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية)، وبدأ ضمير المسلم يتهرب من الحقائق المنزلة (وحركة الخوارج والمعتزلة مثال على ذلك) [30]، ولكن هذا المرض ازداد فشواً في مجتمع (ما بعد الموحدين)، فأصبح المسلم نتيجة لغروره لا يحاسب نفسه، ولا يعترف بأخطائه، وأصبحت المعادلة: (بما أن الإسلام دين كامل وبما أنه مسلم، فالنتيجة أنه كامل، وبذلك اختلت أي حركة عنده لزيادة الجهد والتقدم)[31].
ونتيجة لهذا الخلل ضعفت الروابط الاجتماعية: (فعالم الأشخاص لا يتألف ضمن منهج تربوي، يهتم بالأخلاق) [32]، وهذا التآلف مهم جداً، قال - تعالى -: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63]، ومبدأ المؤاخاة الذي قام بين المهاجرين والأنصار أصبح من الخطابات السعيدة، والأخوَّة الإسلامية أصبحت كلاماً للزينة وشعور تحجر في نطاق الأدبيات [33]، وهذا الضعف يقصد به المجتمع ككل ولا يقصد به كل فرد، فلا يزال في الأمة (كأفراد) خير كثير، ولا يزال الناس في الريف أقرب للفطرة.
عدم الفعالية:
وكان من نتائج هذا الانفصام الأخلاقي: أن المسلم يحمل أفكاراً صحيحة ولكنه لا يستطيع تطبيقها في دنيا الواقع، كفريسة تعرضت للشلل حتى يسهل ابتلاعها، لأن البيئة التي تحيط به وتغذيه بثقافتها أصبح مثلها الأعلى هو الزهد الأعجمي والصوفية أصحاب المرقعات، ولا يتمثلون بعمر بن الخطاب أو بعبد الله بن المبارك أو الإمام مالك، (والمسلم في هذه الحالة إنما يغالط نفسه، فيهرب إلى هذه التعلات الصوفية الكاذبة) [34]، وفي المقابل: نجد عند الغربيين أفكاراً قد لا تثبت أمام النقد الموجه لها ولكنهم استخدموها إلى أقصى ما يستطيعون، مثل: فكرة (التقدم)، والمسلم يحمل القرآن ولكنه لا يستفيد منه كثيراً في التخطيط لنهضة قادمة، فعقلية ما بعد الموحدين تشله عن الإبداع، هناك خلل في طريقة تفكيره، فعندما اكتشف ابن النفيس الدورة الدموية لم يستفد منها المجتمع الإسلامي لأنه لم يكن على المستوى الثقافي الذي يحيط هذا الاختراع بالرعاية، والمشكلة: (أن مجتمع ما بعد التحضر يسير إلى الخلف بعد أن انحرف عن طريق حضارته وانقطعت صلته بها) [35].
أمثلة على هذا الخلل:
1- ذهان السهولة (مرض السهولة): يميل المسلم في تقويمه للأشياء إما للغلو فيها أو للحط من قيمتها، ويتمثل هذا في نوعين من الأمراض: فإما أن الأمور سهلة جداً ولا تحتاج إلى تعب وكد فكر، والحل بسيط، وإما أن الأمور مستحيلة، وأبرز مثال على مرض (السهولة): قضية فلسطين، فقد قيل: إن إخراج اليهود سيتحقق بعد أشهر، ولو نفخنا عليهم نفخة واحدة لطاروا، ولكنهم في الحقيقة لم يطيروا، (وهناك من يظن أنه بخطبة رنانة تحل مشاكل المسلمين، وبعضهم يكره أن تدعوه إلى تفكير عميق في موضوع ما من الموضوعات لأنه يؤثر السهولة ويكتفي بتفسير سطحي، وعندما تخطط السياسة طبقاً لمبدأ السهولة فإنها سوف تجتذب إلى تيارها كثيراً من الناس ذوي النوايا الطيبة، الذين يقدرون الأشياء بناء على سهولات الحاضر لا على صعوبات المستقبل) [36] وأيسر طريق لأصحاب السياسات الانتهازية أن يستخدموا كلمات مثل: الاستعمار والإمبريالية والوطنية؛ للتغرير بالشعوب، هذه الكلمات التي (تليق جداً لتشحيم المنحدر حتى يكون الانزلاق عليه نحو السهولة ميسوراً جداً) [37].
2 - ذهان الاستحالة: وقد يحدث العكس، فيرى المسلم أن الأمور مستحيلة ويقف أمامها عاجزاً، وهي في الحقيقة غير مستحيلة ولكن ربما يضخمها عمداً حتى لا يتعب نفسه في الحل، أو أنه يشعر بضآلة نفسه وصغر همته فيحكم عليها بالاستحالة، وقد مرت فترة كانت بعض الشعوب تنظر إلى صعوبة إخراج المستعمر من بلادها [38].
وقد تجد اليوم بعض المسلمين الذين ينتظرون (معجزة الرجل الوحيد) كأن يأتي صلاح الدين آخر ليوحد المسلمين من جديد، ويعتقدون استحالة أية محاولة لاستئناف حياة إسلامية.
3- طغيان الأشياء: عندما يكون مجتمع ما في حالة نهوض يجب أن يتحقق الانسجام والتوازن بين هذه العوالم (الأشياء والأشخاص والأفكار)، ولكن الحقيقة أن النزعة (الكمية) هي المسيطرة، (فلا يسأل المؤلف عن الموضوع الذي تناوله في بحثه، وإنما يسأل عن عدد صفحات الكتاب، وقد يقع المؤلف نفسه في هذه النزعة فيفتخر بأنه أخرج كتاباً من كذا صفحة) [39].
وعندما تريد إحدى المصالح الحكومية تجهيز مقرها: تزوده بعدد خيالي من المكاتب، بحيث يتعذر توفير المكان اللازم لها، والموظف الكبير يجب أن يكون في غرفته أربعة تلفونات وخمس أجهزة تكييف، ومشكلة التنمية تعالج بزيادة الضرائب التي تشل جميع أوجه النشاط الفردي، وفي هذه الأجواء يظن الفرد أن (التكديس) هو الحضارة، فيشتري منتجات الغرب بكميات أكثر مما يحتاج له، (وإذا كان مجتمع ما قبل التحضر فقيراً في عالم الأشياء، فإن مجتمع ما بعد التحضر مكتظ بالأشياء ولكنها خالية من الحياة)[40].
طغيان عالم الأشخاص:
عندما يتعلق الناس بالأشخاص أكثر من تعلقهم بالمبدأ أو الفكرة فإنهم يرون أن إنقاذهم من الحالة التي هم عليها بـ (البطل القادم) الذي ينتظرونه دون أن يقوموا بجهد يذكر.
فالخلاص لا يتم بتجمع أناس على مبدأ يدافعون عنه، ويتفانون فيه، ويتقنون فن التعاون؛ بل بالرجل الذي يجمعهم ويوحدهم، وقد يطول انتظارهم وهم يمنون أنفسهم بالأماني، وهكذا نسمع الخطباء لا يفتأون يذكرون (أين صلاح الدين) أو (قم يا صلاح الدين)، فهم يريدون (صلاحاً) آخر ينقذهم، ولاشك إن (إجلال رجل القدر) مثل إجلال (الشيء الوحيد) مرض منتشر في أرجاء العالم الإسلامي، وهو أحياناً السبب في إفلاس فادح لسياسات عديدة [41] وقد لا يكون هناك رجل القدر ولكن (رجل النحس) الذي نلقى عليه كل ضعفنا وفشلنا، وبدلاً من أن نتدبر الأحداث، ونبحث بطريقة أعمق عن الأسباب الحقيقية لفشلنا يمكن بكل سهولة أن نلصق التهمة بـ (رجل النحس).
فعندما وقع انفصال سورية عن مصر عام (1961م) قالوا: إن السبب هو رجل النحس (حيدر الكزبري) ولكن من الواضح أن الانقلاب كان لابد واقعا في وجود الكزبري أو في غيابه، فجيم عوامل التشجيع على هذا الانفصال كانت متوفرة، سواء من الأخطاء التي وقعت أو من عدم توفر فكرة مضادة للانفصال[42].
وقد تتجسد الأفكار بأشخاص ليسوا أهلا لحملها فتحسب كل أخطائهم وانحرافاتهم على المجتمع الإسلامي أو على الإسلام، وقد تتجسد بأشخاص يحملونها ولكن إذا ماتوا انتهت هذه الأفكار بموتهم، أو فتر حماس الأتباع، لقد مارس العالم الإسلامي، دور البطولة في كفاحه ضد الاستعمار عندما بزغ في سمائه أبطال مثل عبد الكريم الخطابي، وعمر المختار، وعز الدين القسام.. ولكن مشكلة المسلمين الأساسية لم تحل (لأن من طبيعة هذا الدور أنه لا يلتفت إلى حل المشاكل التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد) [43] ولا يعني هذا إنكار دور هؤلاء الأبطال، أو التقليل من شأنهم، ولكنها العودة إلى الأصل وهو إنشاء تيار إسلامي قوي يتعلق بالمبدأ ويقوم بالجهد الجماعي، ولذلك جاءت الآية القرآنية حاسمة في هذا الموضوع، إن الواجب على المسلمين قيادة الدعوة وحمل الرسالة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران: 144].
يركز مالك بن نبي في أكثر كتبه على هذا المرض، ويطالب المسلمين، والشباب بشكل خاص، بأن يتحول للارتباط بالمنهج لا بشخص معين، لأن هذا الشخص مثل الرأس الذي يقود عربات القطار، فإذا انحرف انحرف القطار كله، وهذا الذي يثيره الأستاذ مالك صحيح بشكل عام ولكنه بالغ في تهميش دور الأشخاص مع أنهم هم الذين يحملون الفكرة ويجسدونها عملياً حتى يقتنع الناس بها، وكلامه فيه شيء من التجريد والمثالية، وهذا الإسلام، وهو حق صريح، إذا لم يحمله أشخاص يتمثلونه ويثرونه بين الناس فلا ينتشر إلا قليلاً.
طغيان الأفكار:
إذا كان هناك طغيان في عالم الأشياء وعالم الأشخاص، فقد يصل الأمر إلى طغيان في عالم الأفكار، فعندما يكون المجتمع في حالة مضطربة، فلا هو بداية دخول الحضارة، ولا هو خارج تماماً عن الحضارة، في هذه الحالة قد يفقد المتعلم تكيفه مع الوسط الاجتماعي، أو لا يستطيع أن يقوم بعمل مثمر يرضي ضميره، عندئذ يلجأ إلى البحث في الأفكار المجردة النظرية التي لا تأخذ طريقها إلى التطبيق، وبدل أن يتكلم عن معاناة الناس ومشاكلهم والتخطيط لمجتمع أفضل فهو يتكلم عن الماضي الذي ليس له صلة بالحاضر، أو يفتعل معارك وهمية ليكون هو أحد أبطالها، وتدفع المطابع كل يوم عشرات الكتب التي لا تمس الواقع المعاش بل هي هروب مفتعل من الواقع، وقد تطغى الأمور النظرية على مدرس في الجامعة فيتحدث عن تركيب الأدوية وعن النباتات ويجهد نفسه في وصف بعض النباتات بدلاً من أن يمد يده من النافذة ويقطف واحدة منها ليقدمها إلى الطلبة حية نابضة، ولكنه مع الأسف يبحث عنها في الكتاب، فهو كل شئ بالنسبة له [44].
وقد يبلغ الخلل في عالم الأفكار، إلى درجة أن يعرقل المبادرات والجهود، وهو ما يسميه مالك بن نبي “الأفكار الميتة” (فالبديهيات في التاريخ، كثيراً ما قامت بدور سلبي كعوامل تعطيل مثل بديهية: الأرض مسطحة، فإنها حالت دون اكتشاف أمريكا قروناً طويلة) [45]، والبوصلة التي ساعدت كولومبس على اكتشاف أمريكا هي من اختراع المسلمين!، وقد كان من حكم الطب القديم أن الحرارة مثلاً دواؤها الرطوبة ولا بأس بهذه الحكمة ما لم تكن قيداً يقيد الفكر فلو استسلم الطب لحكمة كهذه مع صلاحيتها في بعض الظروف لما وجد (باستور) طريقاً لاكتشاف العلاج النافع لداء (الكلب) مثلاً [46].
ولا شك أن هناك كثيراً من الأفكار خذلت أصحابها لأنها لا تحمل أصولاً صحيحة، فكم أهدر من الوقت في جدل ومناقشات، وكم سودت من صفحات مبنية على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وكم عاش المسلمون متأثرين بأفكار الصوفية التي تدعو إلى البطالة والزهد غير المشروع حيث كان مثلهم الأعلى (المجاذيب).
الحق والواجب:
يميل الفرد بطبيعته إلى نيل حقه، وقد ينفر من القيام بواجبه، والأمة التي تصاب بمرض (السهولة) وعاشت قروناً من التخلف، فإن من أهون الأشياء عليها التي لا تكلفها كثيراً هو المطالبة بالحقوق، ونسيان الواجبات، فهي تشبه الكائن (الأميبى) المتبطل، حتى إذا رأى فريسة هينة أبرز إليها ما يشبه اليد ليقنصها، ثم يهضمها في هدوء وبقى هذا ا الكائن يأكل من حاجاته المتواضعة حتى إذا جاء الاستعمار لم يدع له شيئاً فتحرك ضميره (أي معدته) فمد يده إلى فريسة وهمية أطلق عليها لفظة (الحق) [47].
وكان هذا منشأ سياسة الدجل التي مارسها من يتقن هذه الأدوار، وللمطالبة بالحقوق إغراء شديد فهي كالسم لا يجذب الذباب ويجتذب الانتفاعيين، بينما كلمة الواجب لا تجتذب غير (النافعين) [48]، وعندما يستغلها الزعماء المهرجون لتجميع الغوغاء من الشعب ويلعبون بمفتاح (الحقوق) فسيكون من الصعب أن يستخدموا مفتاح الواجبات وتتحول الأمة إلى استجداء حقوقها من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والرأي العام العالمي ولكن ما من مجيب، لأن هذه الأصنام ما نصبت إلا لتخدير الشعوب وتعليمها لغة الاستجداء.
وعلى الصعيد السياسي فإن كلمة الواجب توحد وتؤلف بينما كلمة الحق تفرق وتمزق، وهكذا ما خرجت دولة من دول العالم الثالث من ربقة الاستعمار إلا وتناحرت أحزابها على المطالبة بحق اقتسام الغنيمة، بدلاً من أن يتكلموا عن الواجبات، وهذا ما حصل في الجزائر، واليمن الجنوبي، ونيجريا، والكونغو … [49]
ومن الأمثلة التي ترويها ذاكرة الأستاذ مالك بن نبي حول هذا الموضوع: (شاهدت خلال بعض المواقف السياسية في الجزائر جيلاً من السياسيين يقفون من قضية مهمة بالنسبة للشعب الجزائري وهي قضية الأمية، يقفون منها موقفاً جديراً بالملاحظة، فقد كتب هؤلاء السياسيون المقالات الطويلة لشرح هذا المرض الاجتماعي الخطير، موضحين نتائجه المنكرة في حياة الفرد، وهم في هذا كله يهاجمون الاستعمار في خطب ملتهبة بالحماس متقدة بالوطنية، وهكذا يستمرون في خطبهم ومقالاتهم حتى تتقطع أنفاسهم عن الكلام، وتمر الأعوام تلو الأعوام والمشكلة لا تجد في مجهوداتهم حلها، ذلك أنهم لم يدخلوا إلى المشكلة من طريق حلها، لقد أصدرت الحكومة الفرنسية عام (1940م) قوانين استثنائية قاسية حول تنظيم التعليم في مختلف مراحله بالنسبة للطائفة اليهودية (مسايرة لألمانية الهتلرية) وشعرت الطائفة بأن أطفالها قد أصبحوا مهددين بالأمية غير أنها لم تكتب مقالة واحدة تستنكر هذا الإجراء، ولم يلق واحد منها محاضرة عن هذا الأمر، وإنما اجتمعت النخبة فيها ودرست المشكلة لكي تحدد موقفها منها، وحددت موقفها بأن يتطوع كل ذي علم بقدر ما عنده من العلم، وهكذا أصبح كل بيت من بيوت المتعلمين مدرسة في ساعات معينة، ولا نستطيع أن نبرر هذا بتفوق اليهود المادي أو العلمي لأننا لا نستطيع أن نفترض أن الدكتور أو الصيدلي أو المحامى اليهودي أغزر علماً من زميله الجزائري، فالاختلاف هو في الموقف الاجتماعي إزاء مشكلة معينة) [50].
مثال آخر يتذكره ابن نبي وهو يحلل هذه المشكلة: (وبدلا من أن تكون البلاد (الجزائر) ورشة للعمل المثمر والقيام بالواجبات فإنها أصبحت منذ سنة (1936م)، سوقاً للانتخابات، وصارت كل منضدة في المقاهي منبرا تلقى منه الخطب الانتخابية، وهكذا تحول الشعب إلى جماعة من المستمعين يصفقون لكل خطيب، أو قطيع انتخابي يقاد إلى صناديق الاقتراع، وفى هذا اختلاس أي اختلاس للعقول التي أشرفت على قطف ثمار نهضتها) [51].
وهذا المرض لا يزال مسيطراً على العقول، فكثيراً ما نسمع في قرية من القرى أو حي من الأحياء المطالبة بحقهم في فتح طريق أو تنظيف شارع أو فتح مدرسة، وكان بوسعهم أن يتعاونوا لإنجاز مثل هذا العمل.
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس القيام بالواجب عندما أعطى الذي جاء يطلب صدقة حبلا وفأسا وأمره أن يحتطب ولا يتكفف أيدي الناس [52].
العقلية الذرية:
يقصد بهذا المصطلح أن بعض الناس (ينظر إلى الأحداث والوقائع مجزأة منفصلة فردية، كأنما في مجموعها لا تكون حلقة من التاريخ وإنما كوماً من الأحداث) [53].
وهذه العقلية موجودة في أوساط المسلمين بسبب بعدهم عن (الفعل الحضاري) وبسبب التكوين الاجتماعي الذي ورثناه، ومن مظاهرها (أن جهودنا في كل مجال لا تتسمم بالجهد المتواصل ولكن بالمحاولات المتتابعة، فما أن يبدأ نشاط ما حتى يذهب فجأة كأنه وثبة برغوث أو كأنه مركب على صورة الخط المنقط الذي يمر من نقطة إلى أخرى دون أن يصور شيئاً، ولنعتبر على سبيل المثال كم منذ نهاية الحرب ظهرت مجلة في بلادنا ثم اختفت بنفس السرعة) [54].
ومن مظاهر هذه العقلية (العجز عن أن نعقد صلات بين الأفكار وعن أن نعطي لمناقشة مشكلة ما حركة متصلة مطردة لا يحجل فيها الفكر من نقطة إلى نقطة، بل يطرد دائماً من مقدمة إلى نتيجة) [55] (وإذا كان من الممكن تجزئة المشكلة لتجزئة حلولها “فكل الطرق تؤدي إلى روما” ولكن الطريق عبر المنهج هو أطول الطرق بلا شك، إن طريق الحضارة لا يمكن خطه بإقامة مدرسة هنا ومصنع هناك وسدٍّ هنالك، أو بوضع سلة معدنية في جانب هذا الشارع حيث لا أحد يفكر في إلقاء المهملات) [56].
ولو أننا تعودنا الربط والتعميم وتتبع الجزئيات من الكليات لما استغربنا تشابه المشكلات الخارجية التي يواجهها العالم الإسلامي، فالعالم الذي نواجهه (الاستعمار) لا تأتى فيه الأشياء عفواً وإنما كنتائج لخطط محكمة، فعندما تفشل بعثة علمية في بلاد الغرب أو أحد أفراد هذه البعثة نفاجأ: كيف حصل هذا؟ [57].
ولو تتبعنا بعض الظواهر المحيرة في العالم الإسلامي لوجدنا أن المحرك لها واحد، ولكن عقلية تجزئ الأشياء تجعلنا لا نشعر بالقاسم المشترك فيما بينها.
إن هذا النزوع نحو تجزئة مشكلة الحياة إلى ذرة ذرة، وهذا العجز عن التعميم ليس من خواص الفكر المسلم كما يحاول أن يؤكده المستشرق الإنكليزي “جب” (بل هو طراز للعقل الإنساني بعامة عندما يقصر عن بلوغ درجة معينة من النضج، وإن التراث الثقافي الخطير الذي خلفته الحضارة الإسلامية يظل شاهدا على ما كان يتصف به الفكر الإسلامي في عصوره الذهبية بالإحساس “بالقانون” وهو يستلزم القدرة على التركيب، وأصول الفقه الإسلامي أكبر دليل على ذلك) [58].
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-13-2020
|
#4
|
â—ڈ
شكرا ع الطرح المميز فعلا
عاشت الايادي
ويعطيك العافيه وبانتظار جديدك
كنت هنا
â—ڈ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-13-2020
|
#5
|
بارك الله فيك على الطرح القيم
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن
سمأأأأأرا
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-13-2020
|
#6
|
كل التحية وكل التقدير
على موضوعك
الاكثر من رائع
ربنا يبارك فى حضرتك يارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتور علــى
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
 |
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
الموضوع |
كاتب الموضوع |
المنتدى |
مشاركات |
آخر مشاركة |
مالك بن زعر
|
Şøķåŕą |
⁂ التّـراث والشّخصيِات التاريخيـة ⁂ |
30 |
11-11-2024 08:14 PM |
أم أنس بن مالك
|
بنت الشام |
۩ قِصص القُرآن الكرِيم ۩ |
22 |
09-15-2024 01:21 PM |
مالك بن طوق
|
عازف الليل مونامور |
⁂ التّـراث والشّخصيِات التاريخيـة ⁂ |
20 |
07-17-2022 08:14 AM |
جزء بن مالك
|
شيخة رواية |
۩ الرّسُول والصَّحابة الكِرام ۩ |
14 |
01-16-2022 09:54 AM |
الساعة الآن 09:09 AM
| | | | | |