من علاج الكذب: هجر الكاذبين وكثرة الذكر
هذا ما كان يفعله النبي الأمين صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطَّلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة، لم يزل مُعرضًا عنه حتى يحدث توبة"؛ (صحيح الجامع: 4675)، ورواه ابن حبان بلفظ: "ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة، فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبة".
قال أحدهم:
إذا ما المرء أخطاه ثلاثٌ
فبِعْه ولو بكف من رمادِ
سلامة صدره والصدق منهُ
وكتمان السرائر في الفؤادِ
• وقال آخر:
واختر صديقك واصطفيه تفاخرًا
إن القرين إلى المقارن يُنْسَبُ
ودعِ الكذوب ولا يكن لك صاحبًا
إن الكذوب لبئس خلاًّ يُصحَبُ
• فعلى المرء أن يصاحب الصادقين، ويبتعد عن الكاذبين؛ لأن الطباع سرَّاقة، والصاحب ساحب، فكم من شقي كانت شقاوته بسبب جليس سيئ جالسه! وكم من شخص قد أسعده الله وأورثه أعالي الجنان بسبب مجالسته للصالحين!
• وصدق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال كما في "سنن أبي داود والترمذي":
(المرءُ على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل).
• يقول سفيان بن عُيَيْنَة رحمه الله: "انظروا إلى فرعون معه هامان، وانظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم شر منه، وانظروا إلى سليمان بن عبدالملك صحبه رجاء بن حيوة، فقوَّمَه وسدَّدَه".
• فلا شك أن الجلساء والأصدقاء يؤثر بعضهم على بعض، وهذا ما يؤكده النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك[1] ونافخ الكير[2]، فحامل المسك إما أن يحذيك[3]، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة).
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في "فتح الباري" (4/ 324): "وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذَّى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة مَن يُنتفَعُ بمجالسته في الدين والدنيا".
• وقال السعدي رحمه الله: مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم بهذين المثالين مبيِّنًا أن الجليس الصالح خير لك في جميع أحوالك، كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك، فأنت تجلس معه قرير النفس برائحة المسك، فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذفر، فإنه إما يعلِّمُك ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها.
فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه، والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضًا إلى الخير أو ضده.
• وصدق عدي بن زيد حيث قال:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحِبْ خيارهم
ولا تصحَبِ الأردى فتَردى مع الردي
كثرة الذكر:
فقد جاء في حديث أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي).
فالإنسان إذا أكثر من ذكر الله، فإنه أبعد ما يكون عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش، وغيرها من آفات اللسان، لكن إذا غفل عن ذكر الله، قسا قلبه، وإذا قسا قلبه فلا تجد إلا كل قبيح من أقوال وأفعال.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|