يرى الدكتور علوى أمين خليل،
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر،
أن حدث الهجرة النبوية الشريفة
من مكة إلى المدينة المنورة،
من الأحداث العظيمة فى تاريخ أمتنا
الإسلامية، ويؤكد هذا أن أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -
اتخذه بداية للتقويم الإسلامى،
على الرغم من وجود أحداث
مهمة أخرى.
روى الطبرى فى «تاريخه»
عن ميمون بن مهران قال:
رُفع إلى عمر - رضى الله عنه -
صك محله فى شعبان، فقال:
أى شعبان؛ الذى هو آت، أم الذى نحن فيه؟
ثم قال لأصحاب رسول الله،
صلى الله عليه وسلم:
«ضعوا للناس شيئًا يعرفونه»،
فقال بعضهم: «اكتبوا على تأريخ الروم»،
فقيل: «إنهم يكتبون من عهد ذى القرنين؛
فهذا يطول»، وقال بعضهم:
«اكتبوا على تأريخ الفرس
فقيل: «إن الفرس كلما قام
ملك طرح ما كان قبله»،
فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم
أقام رسول الله،
صلى الله عليه وآله وسلم،
بالمدينة، فوجدوه عشر سنين،
فكُتب التأريخ من هجرته،
صلى الله عليه وسلم.
ويوضح د. علوى
أن الهجرة النبوية كانت دليلا
واضحا على الاستمساك بنصر دين الله،
ونشر الدعوة الإسلامية،
مهما يكلف ذلك من تضحيات،
إذ ترك المهاجرون أهليهم وأموالهم،
وكل ما يملكون فى سبيل
إعلاء كلمة الله تعالى،
وقد سجل القرآن الكريم ذلك،
فقال تعالى:
«لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»،
(الحشر: 8).
ويشير إلى أن الهجرة النبوية،
تمنح الأجيال المتعاقبة دروسا
وعبرا فى حب الوطن والدفاع عنه،
والتضحية من أجل بنائه،
وتحقق تقدمه ونهوضه،
ونستشرف ذلك من فعل النبى،
عليه الصلاة والسلام،
حينما خرج من مكة متجها
إلى المدينة المنورة،
إذ قال كلمات يسجلها التاريخ
بأحرف من نور فى حب الوطن،
مخاطبا مكة:
«والله إنك لأحب أرض الله إلى،
وأحب أرض الله إلى الله،
ولولا أن أهلك أخرجونى
منك قهرًا ما خرجت»،
وفى رواية:
«اللهم إنك تعلم أنهم أخرجونى
من أحب البلاد إلى،
فأسكنى أحب البلاد إليك»،
وبالفعل استجاب الله لدعاء نبيه،
عليه الصلاة والسلام،
وصارت المدينة حرما،
وبها دُفن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم،
وأصبحت الصلاة بمسجده
ذات ثواب عظيم.
ويوضح الدكتور عطية مصطفى،
أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية
بجامعة الأزهر،
أن من أهم دروس الهجرة النبوية:
حسن التدبير، والإعداد،
والتخطيط الجيد المدروس
والتوكل على الله، فلا شك فى
أن هذه العوامل من مقومات
النجاح والتقدم. والقارئ
لأحداث الهجرة، يجد أن النبى،
صلى الله عليه وسلم،
قد اتخذ جميع التدابير
والأسباب لنجاحها.
فقد اختار الصاحب الصادق الصدوق،
أبا بكر الصديق - رضى الله عنه -
ليكون له رفيقا فى رحلته،
إذ أعد العدة والراحلة والزاد..
ودليل الصحراء عبدالله بن أريقط،
(ووقتها كان مشركا)،
حتى يسلك بهما الطرق الآمنة المؤدية
إلى المدينة، كما تم توزيع الأدوار
على الصحابة الكرام،
كل فى موقعه،
مثل على بن أبى طالب الذى
نام فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم
ليلة الهجرة، كما كلفه برد
الأمانات التى كانت بحوزته
إلى أصحابها،
وقام عامر بن فهيرة،
وعبدالله بن أبى بكر،
وأخته أسماء، بالأدوار
التى طُلبت منهم على أكل وجه.
ويطالب د. عطية بضرورة
إعادة قراءة أحداث الهجرة النبوية،
قراءة عصرية متجددة للاستفادة بها
فى غرس قيم ومعانى الصبر
والتضحية والفداء
وحب الوطن والانتماء له والدفاع عنه،
فى نفوس النشء والصغار،
وتعليمهم أن نصر الله تعالى
يكون لمن اتخذ الأسباب،
وأعد العدة، وأحسن الظن
والتوكل عليه سبحانه؛
إذ قال تعالى:
«إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَا
رِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا».
(التوبة: 40).
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علـى حسـن