شبَّ عمرو عن الطوق و دنياه كل دنياه نخلة ٌ يأكل من رطبها ،
و عينُ ماءٍ في أصلِ تلك النخلة ،
و ناقةٌ يشربُ من لبنها ، و صخرةٌ يَقيلُ في ظلها و يلعب .
ثم حدثته نفسُه أن يكونَ صاحبَ إبلٍ و نخلٍ ،
فيركب ناقته و ينطلق على وجهه يودع الكثيبَ بعد الكثيب ،
و يستقبل القفرَ بعد القفر ، و تُسْلِمُه الصحراءُ للصحراء . . . . .
و بعد عشْر سنين
رُفِعَتْ له من بعيد نخلةٌ باسقةٌ فإذا هي نخلته التي هجرها
و إذا الغربان قد استوطنتها ،
و عينُ الماءِ طُمِرت أو كادت . فحطَّ الرحل عن ناقته الحسير ، سقاها و شرب .
ثم شده أمرٌ ما إلى تلك الصخرة ملعب الصبا ،
فإذا قبران في ظلها كُتِبَ على أحدهما
" حنى ظهره الدهرُ و قتله الشوقُ " ،
و كُتِبَ على ثانيهما
" عَمِيَتْ من الحزن على ولدها و زوجها ،
و قد رأت أن ابنها عاد فقتلها الفرحُ " .
فعكف ليلته على قبر أبيه يبكي ،
ثم عكف على قبر أمه يبكي .
و في سحر الليلة الثالثة
سمع من جانب القبر صوتاً ضعيفاً حانياً يقول له :
" يا حبة قلبي ، لا تقتلني مرتين " .