ما معنى قوله تعالى ” فتبينوا “
ما معنى قوله تعالى ” فتبينوا ” ؟ وردت كلمة فتبينوا في آيتين من القرآن الكريم، إذ نزلت في كل منهما لغاية معينة وبمعنى مختلف، حيث أراد سبحانه وتعالى إيصال رسالة ليدعوا بها الناس إلى التبيّن في طريق النور.
المعنى من سورة النساء الآية 94.
المعنى من سوره الحجرات الآية 6.
سورة النساء الآية 94
بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} صدق الله العظيم
يذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية الكريمة السابقة نزلت في رجل اسمه مرداس بن نهيك من بني مرة بن عوف من أهل فدك، وكان المسلم الوحيد بينهم، وذات يوم سمعوا بسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم، وكان عليها رجل يقال له غالب بن فضالة الليثي، فهرب الجميع ما عدا مرداس بن نهيك، لأنه على دين الإسلام.
عندما وصلت السرية رأى الخيل وخاف أن يكونوا من غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد إليه، فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبّرون، فلما سمع التكبير عرف أنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكبّر ونزل وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم ، فتغشاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه!
ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما حدث، فوجِد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجداً شديداً، فقال “قتلتموه إرادة ما معه؟” ثم قرأ الآية السابقة من سورة النساء على أسامة بن زيد، فقال:
يا رسول الله استغفر لي، فقال فكيف بلا إله إلا الله؟ ورددها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وقال أسامة: فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيدها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلّا يومئذ، ثمَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث مرات، وقال: “اعتق رقبة “.
وفي حديث آخر روى أبو ظبيان عن أسامة رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله إنما قال خوفاً من السلاح، قال: “أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفاً أم لا” وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم، قالوا: ما سلّم عليكم إلّا ليتعوذ منكم، فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والقصة السابقة تبيّن أن معنى الآية يحثُّ على التمييز جيداً بين المؤمن والكافر أثناء الجهاد في سبيل الله تعالى، كما أن السلم والسلام واحد، وهذا يعني أنه لا يجوز القول لمن ألقى السلام عليكم بأنه ليس مؤمناً، وحقيقةً فإن الناس يبحثون عن غنيمة ومنافع الدنيا دون أن يعلموا أن عند الله غنائم كثيرة لمن اتقى قتل نفس مؤمنة، وسبحانه خبير بكل فعل أو عمل.
سوره الحجرات الآية 6
بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} صدق الله العظيم
تحمل الآية السابقة نداء من الله تعالى من خلال كلمة “فتبينوا” إلى قوم مؤمنين حتى لا يتسرعوا في تصديق الأنباء والأخبار الكاذبة التي قد ينقلها بعض الفاسقين من الناس، والتي قد تتسبب في القتل والقتال إن تمّ تصديقها وهي باطلة وليس فيها أساس من الصحة، ممّا يؤدي إلى الندامة والحسرة عند التأكد من الوقوع في خطأ تصديق أقوال كاذبة قيلت على لسان شخص فاسق. [1]
فيمن نزل قوله تعالى إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
نزلت الآية الكريمة “إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” في الوليد بن عقبة بن أبي معيط في الوقت الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إلى بني المصطلق من أجل الصدقات، فعاد إليه بنبأ كاذب عنهم، والحديث التالي على لسان الإمام أحمد يروي قصة نزولها بالتفصيل.
حيث قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن سابق، حدثنا عيسى بن دينار، حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إليَّ يا رسول الله رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة،
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراده الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه رسول الله ولم يأته، وظنَّ الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة.
وليس من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخَلف، ولا أرى حبس رسوله إلّا من سخطة، فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف، فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي،
