القلب هو أرق أعضاء الجسم وأسرعها تأثرا بما يحيط به ويغشاه ، ومن رقته أن تؤثِّر فيه أدنى خاطرة وأقل هاجس ، وأثر القليل عليه كثير ، فالآفات إليه أسرع ، وهو إلى الانفلات أدنى ، ومن الانقلاب أقرب ، فإن قلب المرء وإن صفا زمنا ، وثبت على الإيمان فترة ، واستلذ بحلاوته حينا ، فإنه معرّض للانتكاسة ، وهذه هي طبيعة القلب
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنما سُمِّي القلب من تَقَلُّبِه ، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة يُقلِّبها الريح ظهرا لبطن » ، وإن القلب شديد التقلب سريع التحول ، ويضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا فيقول : « لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانًا » .
إن بقاء قلب المؤمن على الدرجة الرفيعة من الإيمان التي يجدها بعد أعظم العبادات قدرًا ، وعقب أكثر المواسم خيرا وفضلا ؛ أمر مستحيل ؛ لشدة انشغال القلب بالدنيا وملذاتها ، وما يعتريه فيها من أفراح وأتراح ، بل وتعرّضها لغزوات الشيطان المتلاحقة ، وتلاعب اليهود بالعورات ، وعزفهم على وتر الأهواء ، ومع ذلك أريد أن أطمئنك وأُخوِّفك في الوقت ذاته ما دام تقليب القلوب بيد الله وحده. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرِّفه حيث يشاء » ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك