ما فتئ أعداء الملة يصوبون سهام الكراهية و العداوة لنبيّ الملحمة صلى الله عليه و سلم ، و هي عداوة قديمة متجددة ، و كان بعضا من فصولها الأحداث الأخيرة بفرنسا و التي أظهرت عداوتها بطرق متعددة تصريحاً و إساءة و إعادة لعرض الرسوم المسيئة و اعتداء على المسلمين و مساجدهم في بعض مدنها .
و إن من أعظم واجبات الديانة الدفاع عن الرسول عليه السلام بكافة و سائل المدافعة الممكنة و بذل الوسع في ذلك ، و من الوسائل المهمة :
المدافعة بالإجراءات القانونية و القضائية ضد كل منتهك لما يتصل بمقدسات المسلمين و التي تأتي في رأس الاهتمامات باعتبار أنها أساس الردع المدني الذى يواجَه به المعتدي و المتطاول على أيٍّ من المسلّمات و القطعيات لدى الأمة الإسلامية أو النيل من المقدسات ، و يتبع ذلك النيل من الرسول عليه الصلاة و السلام و أصحابه و أمهات المؤمنين ؛ و كلها تمثل عناصر رئيسة لتوجيه أصابع الإتهام و إنزال العقوبات القضائية سواءً كانت إدارية أو مدنية أو جنائية أو حديّة أو غيرها ، خاصة و أن القانون و مؤسساته غدا لها وضعاً مميزا في حياتنا المعاصرة .
* أهداف المدافعة والمواجهة القانونية :
و تتعدد أهداف تلك المواجهة سناً للقوانين المُجَرِّمة لانتهاك القطعيات الشرعية و التهجم على رسول رب البرية ، و حملة الوحي ، و ناشري ألوية الشريعة الإسلامية قديماً و حديثاً ، و مراقبة و رصد تلك الانتهاكات ، و إيجاد آليات المدافعة الحقوقية دولياً و إقليمياً و محلياً ، و إبراز المنع القَبْلِي ، و تحريك التفاعل القانوني بإحداث تفعيل إعلامي موازي لجذب الرأي العام لذلك ليشكّل ضغطاً سياسياً و شعبياً و قانونياً و الوقوف القانوني بجانب الأقليات في دول العالم ، و الدفاع عن العلماء والدعاة ، و الإعلاميين ، و الكُتَّاب المدافعين و غيرها من الأهداف و المقاصد المُحَقِّقَة للمنشود .
* المرجعية القانونية للمواجهة :
جدير بالقول أن أي إدانة أو منع لابد أن يستند على نص قانوني أو تشريع حتى لا يقوم كل إنسان بالتجريم و العقاب بمفرده لأنه أمر ينفرد به المُشَرِّع ، و عليه فلابد من إبراز المرجعيات الشرعية و القانونية للمواجهة ؛ ففي مجال المرجعية الشرعية فقد بين الفقهاء و العلماء حكم و عقوبة من يتجرأ على سب الله و رسوله صلى الله عليه و سلم - و العياذ بالله تعالى - و التي تصل إلى حد القتل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " الصارم المسلول على شاتم الرسول" :
( إن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه و سلم كفر ظاهر ؛ و عقوبة من سب النبي من مسلم أو كافر القتل ، هذا مذهب عامة أهل العلم ، قال ابن المنذر : " أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سبّ النبي صلى الله عليه و سلم القتل ، و ممن قاله مالك و الليث و أحمد و إسحاق و هو مذهب الشافعي " ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ) الأحزاب : ٥٧ ) .
* المرجعية القانونية :
إن معظم القوانين و العهود الدولية و الإقليمية و الدساتير و القوانين الوطنية تعنى بحماية الأديان و المقدسات و تكريمها و صيانتها ،
فقد جاء في ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الذى اعتمد و عرض للتوقيع و التصديق في ديسمبر ١٩٦٦م :
( إن الدول الأطراف في هذا العهد ، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم و من حقوق متساوية و ثابتة يشكل وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية و العدل و السلام في العالم كما نصت المادة الثامنة عشر على أن ... :
٣ / لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون و التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين و حرياتهم الأساسية ) .
و نصت المادة التاسعة عشر على :
( أن لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة ، و لكل إنسان حق في حرية التعبير ، و يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها ) .
و في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في ١٠ كانون الأول / ديسمبر ١٩٤٨م فقد نصت المادة التاسعة عشر على أن :
( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي و التعبير ، و يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، و في التماس الأنباء و الأفكار و تلقيها و نقلها إلى الآخرين بأية وسيلة و دونما اعتبار للحدود ) .
و كل المواثيق الإقليمية و الوطنية تدعو و ترعى الحرية الفردية و احترام الأديان و مقدساتها ، و وضعت القوانين و الأنظمة التى تحاكم و تعاقب المنتهكين لتلك الحرمات .
و في أوربا فإن معظم الدول تضع سياجاً للمقدسات و تعاقب المخالفين بعقوبات متنوعة و حتى فرنسا و تعتبر إساءة الأديان فيها جنحة و تعاقب بالحبس من يرتكب فعل التصريح بخطاب الكراهية ، و مع ذلك ظهرت العنصرية في مواقفها انحيازاً لليهودية في مقابل غيرهم ، و دولة ألمانيا تعتبر من أفضل دول أوربا في تجريم تلك الاعتداءات .
* آليات المواجهة :
و حتى تكتمل المواجهة و تؤتي أكلها لابد من ايجاد آليات و وسائل لتحقيق ذلك ؛ من بينها :
١ - تشكيل هيئة قانونية و حقوقية عالمية للمطالبة القوية بمواثيق دولية و اتفاقيات تعزز احترام و توقير المقدسات ، و تمنع من أي انتهاكات تزدري الأديان و تسئ للرسل الكرام ، و تقوم الهيئة بالمدافعة و الضغط و التأثير ، و نحن في أمس الحاجة لمثل هذه الآلية باعتبار أنها تعضد و تقوي من سبل المواجهة للتعدي و الانتهاك لمقدسات الأمة و تقويها و تملأ فراغاً في جبهة مهمة .
كما أنها تمثل عنصراً لحماية العلماء ، و منظمات أهل الأسلام ، و وسائط الإعلام و غيرها من التخوف من الملاحقة القضائية ، بل و تعطيهم قوة في الدفاع عن عقائد أهل الاسلام و الرد على انتهاكات أعداء الملة ، كما أنها تيسر التحرك الدولي للدول أو المنظمات و الهيئات الدولية و رفع مشروعات القوانين و أشكال المعاهدات الدولية و ترافعاً في المحاكم و ظهوراً في الميديا و الإعلام ، و مقابلة الشخصيات المؤثرة و غيرها .
٢ - أهمية إقامة دعاوى قضائية أمام القضاء ضد المنتهكين حتى و لو كانوا رؤساء دول ، كما يمكن إقامة دعاوى أمام محاكم دولية كالمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بموجب الملحق ١٤ الميثاق الأوربي و الذي يشمل : الطبيعيين ، و المنظمات الدولية غير الحكومية ، و مجموعات الأفراد ضد دولة طرف في الميثاق .
و حسناً فعلت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قضائها بتاريخ ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨م بأن الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه و سلم لا يمكن إدراجها ضمن حرية التعبير عن الرأي و هو حُكْمٌ أصاب كبد الحقيقة .
فالمهم هو التحرك لتحقيق مكاسب قضائية للأمة في هذا الصدد و ترتيب أثار ايجابية على المنتهكين سواءً كانوا أفراداً أو منصات إعلامية أو مجموعات و مؤسسات فنية أو إعلامية ، و مما يشجع تأييد المحكمة الإدارية العليا بمصر لإيقاف قناة اليوتيوب لمدة شهر و حجب جميع المواقع و الروابط الإلكترونية التي تعرض الفيلم المسئ للرسول الكريم في ٢٠١٨م مما يشجع من نظائره في الدول الإسلامية الأخرى .
٣ - إنشاء منظمات طوعية دولية و وطنية ذات طابع حقوقي للدفع إنسانياً و إعلاميا و حقوقياً و إسناداً و ضغطاً و تأثراً جماهيرياً و أثراً سياسياً و دعماً مالياً لسبل المواجهة و المدافعة عن نبي الأمة و مقدسات المسلمين .
٤ - أهمية المنع الإداري القَبْلِي سعياً لتفعيل القوانين و الأنظمة الإدارية منعاً أو الغاءاً لكافة أشكال الانتهاكات للمقدسات مما يتطلب نشاطاً و مزاحمة برلمانية و سياسية و حقوقية و طوعية في الدول التي تحصل فيها تلك الانتهاكات و غيرها .
٥ - التحرك الإسلامي دولاً و منظمات و نقابات قانونية و حقوقية و إعلامية للمطالبة بسن قوانين تحرم الإعتداء على القرآن الكريم و الرسول عليه السلام و الضغط قانونياً و اقتصاديا و إعلامياً في هذا الاتجاه ،
و هذه فرنسا اهتز اقتصادها بحملة محدودة في عدد من الاسواق فكيف إذا تحركت أمة الملياري مسلم ؟! .
٦ - تفعيل الرصد الإعلامي القانوني إذ أنه من الوسائل المهمة لرصد الانتهاكات القانونية عبر الواقع الإفتراضي و الحقيقي و تأهيلهم مهنياً و مالياً و دعمهم قانونياً و لوجستياً ، و الرصد معين لإحدى المنتهكين : كُتَّاب ؛ ممثلين ، رسامين و غيرهم و مقاضاتهم .
و بعد :
فهذه قصاصات قصدتُ منها بيان بعض وجوه المدافعة عن رسولنا صلى الله عليه و سلم قياماً بواجبنا عليه لننال شرف الإنتساب إليه و الدفاع عنه إذ أنه من لوازم الإيمان .