الغراب والثعلب
رَأَى الْغُرَابُ جُبْنَةً فِي دَارِ
لِبَعْضِ قَوْمٍ مِنْ ذَوِي الْيَسَارِ
فَسَلَّ مِنْهَا قِطْعَةً وَطَارَا
كَأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْإِمَارَهْ
وَحِينَمَا حَطَّ عَلَى إِحْدَى الشَّجَرْ
رَآهُ ثَعْلَبٌ فَأَحْدَقَ النَّظَرْ
فَلَمَحَ الْجُبْنَةَ فَاحْتَالَ عَلَى
خَطْفِهَا مِنْهُ مُظْهِرًا لَهُ الْوَلَا
قَالَ لَهُ يَا مُحْسِنَ الْغِنَاءِ
ومُخْجِلَ الطُّيُورِ وَالظِّبَاءِ
لِي سَنَةٌ أَطْلُبُ أَنْ أَرَاكَا
لِأَسْمَعَ الرَّائِقَ مِنْ غِنَاكَا
فَهَلْ تَجُودُ بِالْغِنَا يَا سَيِّدِي
فَتَرْوِيَ الْقَلْبَ بِطِيبِ الْمَوْرِدِ
•••
فَامْتَثَلَ الْغُرَابُ قَوْلَ الثَّعْلَبِ
وَرَاحَ يَشْدُو بِالْغِنَاءِ الْمُطْرِبِ
فَأَوْقَعَ الْجُبْنَةَ مِنْ مِنْقَارِهِ
غَنِيمَةً بَارِدَةً لِجَارِهِ
فَفَرِحَ الثَّعْلَبُ وَانْتَشَلَهَا
بِفَمِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَكَلَهَا
نَادَاهُ يَا غُرَابُ مَا ظَلَمْتُكَا
بِمِثْلِ مَا عَامَلْتَ قَدْ عَامَلْتُكَا
سَلَبْتَ إِنْسَانًا عَلَيْكَ مَا اعْتَدَى
وَمَا فَعَلْتَ الْآنَ تَلْقَاهُ غَدَا
وَالْمَالُ لَا يَخْرُجُ مِنْ كَفِّ الْفَتَى
إِلَّا مِنَ الْبَابِ الَّذِي مِنْهُ أَتَى
كتاب ذكريات
ابراهيم زيدان
|