الوقاية في ضوء الإسلام

في ظل الفجوة الكبيرة، والفتن، والابتلاءات الكثيرة والكبيرة في الوقت الحالي غفل بعضُ الناس عن الحقيقة المطلقة أن للكون ملكًا وربًّا يعلم أسراره، ويُيسِّر أموره، وهو سبحانه يعلم السر والعلانية، وقد أذن سبحانه أن تدور الدائرة بسرعة اليوم في الذروة، وربما غدًا في الهوة، وما أهوننا على ربِّ العباد إنْ خالفنا أوامره، وفعلنا نواهيه، وعصيناه علانيةً، ولم نتَّبع النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم!

وتمضي بنا الأيام وحالنا قد خيَّم عليه الحزنُ، حتى إننا لا نكاد ندرك أننا في نهار يوم له ليل هل يأتي أم لا؟ وأصبح الهمُّ والحزن والخوف الأكثرَ لدى أبناء الأُمَّة؛ ولكن كم من مِنَحٍ داخل طيَّات المحن، والأمل والتفاؤل في الله وبالله لن ينتهي، ونحن بحاجة لوقفات للتأمُّل والمراقبة والمحاسبة وسط تلك الهجمة الشرسة، ويجب علينا مراجعة النفس، وتقوى الله في السرِّ والعَلَن، ومراجعة أمورنا وأحوالنا وواقعنا، وخطوات المستقبل، والبعد عن سلبيات الماضي، فالألم أصبح شديدًا، ويجب علينا جعله جسرًا للفرج ببذل الجهد، وإصلاح ما كان قبل فوات الأوان، وانقلاب الزمان، وصدق تعالى إذ يقول: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 4]، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

ومن مبادئ الإسلام الخالدة، وهي دستور لكل المسلمين في سورة النساء: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((مَن باتَ فوقَ بيتٍ ليس حوله شيءٌ يرُدُّ رِجْلَه؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ، ومَن ركب البحرَ بعدما يَرْتَجُّ؛ فقد برئتْ منه الذِّمَّةُ))؛ رواه أحمد.

وفي رواية لأبي هريرة قال أيضًا: ((إذا قامَ أحدُكم عن فراشِهِ، ثمَّ رجعَ إليه؛ فَلْيَنْفُضْهُ بِصِنْفةِ إزارِهِ ثلاثةَ مراتٍ، فإنه لا يدري ما خَلَفه بعده))؛ رواه البخاري ومسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذه النارَ إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نمتُمْ فأطْفِئوها عنكم)).

وفي الآيات والأحاديث السابقة أمرٌ هامٌّ؛ وهو الحماية، والحماية هي الوقاية من الأمور المهمَّة في ميدان المحافظة على الصحة بوقاية المسلم من الأمراض وأسبابها، وقد تتسرَّب بعض الأمراض، وتظهر نتائجها الخطيرة في المستقبل، وقد تتسرَّب إلى المسلم بعض الجراثيم، وتظل في جسمه مدةً طويلةً دون أن يُصاب بمرض إذا كانت عنده مناعةٌ وبنيةٌ قويةٌ، وحتى إذا ما ضعف، وزالت المناعة كثُرت تلك الفيروسات، وأُصيب بأمراض مختلفة، ولأهمية الوقاية قال الأطباء: الوقايةُ خيرٌ من العلاج، وفي ضوء الفكر الإسلامي تكون النظافة من أهمِّ أسباب الوقاية من الأمراض؛ لأن أكثر الأمراض ناشئةٌ من القذارة، كما أنها من أسباب النمو الصحي، ونحن نعلم أن الاهتمام بالنظافة من الأمور المهمة في الإسلام، لدرجة أنه عدَّها من الإيمان، أو شطرًا من الإيمان، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ))، ولا نجد دينًا أو نظامًا يهتم بالنظافة لهذه الدرجة التي تصبح النظافة جزءًا من الإيمان بالله، وينال المسلمُ ثوابًا من الله بطُهْره ونظافته؛ إذ فعل ذلك لوجه الله تعالى، والإسلام يُلبِّي الحاجات الأساسية للإنسان، ويعمل على إسعاده، ويربط بينه وبين أقرانه، ويؤلف بين كلٍّ في وحدة متناسقة، كلُّ عوالم لها نواميسها المحكمة، والقوانين المنظمة لها، وهي إن اختلفت تلتقي في النهاية عند هدف أسمى هو بقاء الكون في حالته المثلى شاهدًا على قدرة الله الخالق، يتألف مع النفس البشرية، ويتوافق مع ميولها، ونزعاتها نحو الأصلح في الدنيا والآخرة، وفي الوضوء غسل اليدين نظافة وتعقيم من الأدران والفيروسات أثناء الأعمال الحياتية، والمضمضة وقاية وحماية من البكتيريا والفيروسات، وتنقي طريق الطعام من الجراثيم والصديد والمواد المسببة للأمراض، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في استخدام السواك تؤدي إلى الصحة والعافية، والاستنشاق يؤدي إلى نظافة الأنف، وتحسين التنفُّس، والخلو من البكتيريا والفيروسات الضارة الداخلة للرئتين، ويؤدي إلى جعل الأنف والفم رطبين دائمًا، وهو من أهم أسباب الوقاية من فيروس كورونا حسب منظمة الصحة العالمية، وغسل الوجه فيه تطهير للوجه والعينين، وينبِّه الأوعية الدموية، ويحفظ على الإنسان سَمْعَه وبَصَرَه، فضلًا عما يعترف به الطب من الصلة الوثيقة بين الأذن والأنف، وبين الأنف والحنجرة، وغسل الرجلين إلى الكعبين يُطهِّرهما من الملوِّثات والفيروسات، ويدفع الدم إليهما خصوصًا إذا كان مصحوبًا بعملية دَلْك.

والإسلام يُربِّي فينا ممارسة النظافة؛ بل ويجعلنا نعتاد عليها حتى تصبح أسلوب حياة، فعند الطعام ينبغي أن يبدأ بغسل اليدين قبل الأكل وبعده، وأن يأكل بنظام في أوقات معينة، وألا يأكل كثيرًا؛ لأن كثرة الأكل تضُرُّ بالصحة أيضًا؛ ولهذا قال تعالى هنا: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما مَلَأ آدَمِيٌّ وعاءً شَرًّا من بطنه، بحسب ابْنِ آدَم أُكْلات يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن كان لا محالة؛ فثُلثٌ لطعامه، وثُلثٌ لشرابه، وثُلثٌ لنَفَسِه))، وينبغي أن يبعد عن الأكلات والمشروبات الضارة بالصحة، سواء ما حرَّمها الإسلام بالنصِّ، أو ما أثبت الأطباء ضرره من الأطعمة والأشربة المستجدة؛ لأن الإسلام أحلَّ الطيبات، وحرَّم الخبائث الضارة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]،كذلك ينبغي أن يُنظِّم نومَه؛ وذلك بأن ينام مبكرًا، وأن ينام الساعات الضرورية؛ لأن النوم غذاء.

وجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الفضل في وضع نظام الحَجْر الصحي العلمي الآن في العصر الحديث، فقد قال صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا: ((إذا سَمِعْتُم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخُلُوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجُوا منها))؛ رواه الشيخان، وعندما علم الفاروق عمر عند سفره للشام بأن بها طاعونًا همَّ بالعودة، فقال له- أي: أبو عبيدة- أفِرارًا من قَدَر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، والآيات والأحاديث والآثار السابقة أكبر شاهد على أن الإسلام يُقرِّر مبدأ الوقاية، ويُلزِم المسلمين به، ويدعوهم للالتزام به؛ بل ويحثُّهم بقوة عليه؛ لأن ديننا لا يرضى لمسلم أن يُعرِّض نفسَه للضرر والتَّهْلُكة، ومن دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من البَرَصِ والجُنُون والجُذام، ومن سيِّئ الأسْقامِ))؛ الجامع الصغير، ويقال لك: إن النبي قال: ((لا عَدْوى))، ونرد أن الخبر مقصود به النهي على حد قوله تعالى: ﴿ فَلَا رَفَثَ ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: لا يرفث، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضَرَر))؛ أي: لا يضر بعضُكم بعضًا، والمقصود لا يتعرض بعضكم للعدوى من بعض، وهو يتناسب مع معاني الأحاديث، وهو ما رواه البخاري في باب الجذام: ((لا عَدْوى ولا طيرةَ ولا هامةَ ولا صَفَرَ، وفِرَّ من المجذوم فرارَكَ من الأسَد))، والمناسب خروج الحديث كله على النهي، وذلك بالفرار من المرض للوقاية، وعدم الإصابة بأي أذًى.

والإسلام دين مبني على الواقع، ولا يعيش في الخيال، فهو يراعي حال المريض والمعافى، فيطلب من المريض أن يلتمس العلاج والشفاء والدواء، ويسلك سُبُله، ويطلب من المعافى أن يقي نفسه بكل الطرق من المرض، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه جاءته الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: ((نَعَم، يا عبادَ اللهِ، تَداوَوا))؛ أخرجه الترمذي، ولما سأله بعض أصحابه عن الدواء: هل يَرُّدُّ قَدَرَ اللهِ؟ قال: ((هو مِن قَدَرِ اللهِ))؛ أخرجه الطبراني عن حكيم بن حزام، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزلَ اللهُ عز وجل داءً إلا أنزل له دواءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِله))؛ أخرجه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات.

ما سلف من أحاديث يشهد بأن الإسلام يحرص على صحة أبنائه سواء بالوقاية أو بالتداوي والعلاج، هذا ونختم بوصايا إسلامية للصحة والوقاية والعلاج:

• يصبح الإنسان مسئولًا عن تصرفاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((رُفع القَلَمُ عن ثلاث: عن المجنون حتى يعقِلَ، وعن المبتلى حتى يفيقَ، وعن الصبيٍّ حتى يحتلِمَ))؛ رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وأصبح شابًّا فقد كبر ودخل في عِداد الكبار؛ ولهذا فقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم البالغين.

• الالتزام بنظام التغذية الصحية من مبادئ التغذية الصحية، وينبغي أن يتناول الإنسان الأغذية التي تحتوي على البروتينات والفيتامينات، والنشويات والسكريات والدهنيات، كما ينبغي الاهتمام بطريقة الطهي في التغذية؛ لأن هناك طرقًا خاطئة في الطهي تؤدي إلى زوال الفيتامينات والبروتينات، وعدم قتل الجراثيم والفيروسات.

• تكوين الشعور بالمسئولية الصحية عن أنفسهم وغيرهم، في البيت والمدرسة والمجتمع؛ وذلك ببيان كيف أن الإنسان بإهماله المبادئ الصحية قد يكون سببًا لمرضه ولمرض غيره، وكيف أن بعض الأمراض تحصد الأفراد، وتهدم البيوت والأُسَر.

• يجب الاهتمام بالتغذية اللازمة.

• بيان الأضرار والأمراض الناتجة عن كل المحرمات التي حرَّمها الإسلام؛ مثل: أكل لحم الخنزير، ولحوم الحيوانات المتوحشة، ومثل: الخمور والمخدرات، ووطء المستحاضة والزنا، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

• بيان الأهمية الصحية للاغتسال بصفة عامة، والغسل بعد الجنابة بصفة خاصة، وكذلك أهمية الوضوء والاستنجاء، ونظافة الثياب، وتقليم الأظافر، ثم المبادئ الخاصة بالأكل؛ مثل: غسل اليدين قبل الأكل وبعده، ومضغ الطعام جيدًا، وبرودة الطعام، وعدم النفخ في الطعام، والاعتدال في المأكل والمشرب.

• تكوين الوعي بالمسئولية الدينية عن الصحة، وذلك بناءً على قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].

• وبالنسبة للصحة العامة، فإن الإسلام اعتبر المسلمين كالجسد الواحد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشْتَكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى))، وقال: ((لا يؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه))، ومن وسائل المحافظة على صحة الأفراد والجماعة التداوي، والإسراع إليه؛ ولهذا نجد الرسول يأمر بالتداوي، ويقول: ((تَداوَوا عبادَ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لم يَضَعْ داءً إلا ووضَعَ له دواءً، غير داءٍ واحدٍ الهَرَم))؛ ولهذا ينبغي الإسراع إلى الأطباء عندما يمرضون، أو عندما يشعرون بحالات مرضية؛ لأن الأمراض في بدايتها تكون سهلة العلاج بصفة عامة؛ ولكن عندما تكون مزمنة يصعب علاجُها، وإذا وصل الداء إلى درجة من التمكُّن قد لا يمكن علاجه؛ ولهذا فقد جعل الإسلام الحياة عنصرًا هامًّا في الإسلام، ومن يعيشها- حسب تلك التوجيهات النبوية- لا يُصاب بما يُصاب به أولئك الذين يهملونها، وصدق الله العظيم إذ قال: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]، ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، ذلك أن الإسلام أمر بكل سلوك حسن نافع، ونهى عن كل سلوك سيئ مُضِرٍّ، وشبَّه الرسول المؤمن بالنبتة الطرية، فكما أن مثل هذه النبتة تنحني إذا جاءت الرياح ولا تنكسر، وتستقيم إذا ذهبت، فكذلك المؤمن في المشكلات، وشبَّه الفاجر بشجرة الأرز التي لا نجد فيها استعدادًا للتحمُّل، ومن ثم تنكسر مرة واحدة أمام المشكلات، فقال: ((مَثَلُ المؤمنِ كالخامَةِ من الزَّرْعِ من حيث أتَتْها الريحُ كَفَأتْها، فإذا اعتدلت تَكَفَّأُ بالبَلاءِ، والفاجر كالأَرْزَةِ لا تزال حتى يكون انجِعافُها مرةً واحدةً))، وفي رواية أخرى: ((مَثَلُ المؤمنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يُصيبه البلاء، ومثل المنافق))، وفي رواية: ((مثل الكافر كمثل شجرة الأرز لا تهتزُّ حتى تَسْتَحْصِد))؛ البخاري؛ بل الإسلام عَدَّ الضعفاء من الظالمين، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].

• الوقاية من أسباب الأمراض بصفة عامة، وهذا يقتضي الابتعاد عن المرضى المصابين بالأمراض المعدية، وتجنُّب الأماكن الموبوءة، وأخيرًا تجنب القذارة؛ لأن أكثر الأمراض تأتي، أو تتولَّد عن القذارة؛ ولهذا ينصح الأطباء بالنظافة كما ينصح بذلك الإسلام، فقال الرسول: ((إنَّ اللهَ نظيفٌ يحبُّ النظافةَ، فنظِّفُوا أفْنِيتَكُم))، وكان ينصح بتغطية المطعم والمشرب، كما أمر بالابتعاد على الأماكن الموبوءة، والناس المصابين بالأمراض المعدية، فقال: ((وفِرَّ مِن المجْذُومِ فرارك من الأسَد))، وقال: ((إذا سَمِعْتُم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخُلُوها))، وقال: ((لا يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)).

• تحقيق الحاجات الأساسية من المأكل والمشرب؛ لأن كثيرًا من الأمراض تنتج عن نقص الأغذية، وقد نصح الإسلام أيضًا بتناول ما يحتاجون إليه من الأطعمة الطيبة، فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 172].

• عدم الإسراف في المأكل والمشرب؛ لأنه كما أن هناك أمراضًا يُصاب بها الإنسان نتيجة نقص الأغذية، فإن هناك أمراضًا أيضًا يُصاب به الإنسان نتيجة تناول الأغذية أكثر من حاجة الجسم؛ مثل: الجُلْطة الدموية، وتصلُّب الشرايين، والتُّخَمة، والسكتة القلبية، وارتفاع ضغط الدم، وما إلى ذلك؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].

• الاعتدال في الأعمال؛ لأن الإفراط في العمل يؤدي إلى الإرهاق، والإرهاق ينتج عنه أمراض جسيمة؛ ولهذا قال الرسول: ((إنَّالمُنْبَتَّ لا أرْضًا قَطَعَ ولا ظَهْرًا أبْقَى)).

إنَّ الصحة تكاد تكون أهَمَّ شيءٍ في حياة الإنسان، ذلك أنه بغيرها لا يستطيع تحقيق آماله فيها، فبغير الصحة لا يستطيع الإنسان أن يعمل، ولا يستطيع أن يؤدي حتى واجباته الدينية، ويحقق الفضيلة، ومن هنا قيل المثل المشهور: "الصِّحَّةُ تاجٌ على رؤوس الأصِحَّاء، لا يراه إلا المريضُ"؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خُذْ من صِحَّتِكَ لمرضِكَ، ومِن حياتِكَ لموتِكَ))؛ ولهذا أيضًا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الصحة قبل المرض، فقال: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ))، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من العَجْز، والكَسَل، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والهَرَمِ))، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((أخْشَى ما خشِيتُ على أُمَّتي كِبَرُ البَطْن، ومداومةُ النومِ والكَسَلُ))، وفي النهاية يجب أن نُظهر حاجاتنا لربِّ البريَّة جل في علاه، وفقرنا لغناه وسلطانه، ونسأله: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، وهو سبحانه غنيٌّ عمَّن سواه، وهو منتهى الحاجات والشكوى، ولا ننسى أمره سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وكم من بلية ومحنة رفعها الله بالدعاء، وكم من فضل ورحمة استجلبت بالدعاء، نحتاج إلى الدعاء بإخلاص وخشوع ويقين ليرفع الله عنَّا البلاء والوباء والعناء ببركة الدعاء، وحسن اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم.



آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

ا

جُزاكّ الله خُير الجزاء علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ

تقديري~

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

طــرح قيم بارك الله فيك واثابك الجنه
وجعله في ميزان حسناتك

-














أثابك الله الأجر
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
دمتِ بحفظ الرحمن.