قصة رحمة الله بأصحاب الغار
ما أثر التوسّل بالعمل الصالح في كشف الكروب؟ وردت قصة أصحاب الغار في الصحيحين، فقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حدّث أصحابه بهذه القصة، وهي أنّ ثلاثة أشخاص كانوا يمشون فأمطرت عليهم السماء فاضطروا للجوء إلى غار (الغار هو الثقب في جبل)، وبعد دخولهم إليه تدحرجت صخرة وسدّت فم الغار وحبستهم داخله، فراحوا يفكرون بحل يمكّنهم من الخروج، فأشار بعضهم إلى بعض بالتوسّل إلى الله تعالى ببعض أعمالهم الصالحة التي فعلوها ابتغاءً لوجه الله تعالى، لعلّه يُفرّج عنهم بسبب هذه الأعمال.[١] فدعا الأول ربّه وتوسّل إليه بأنّه كان لديه والدان شيخان كبيران ولديه زوجة وأولاد صغار، ويعمل في رعي الغنم، وكان حين يعود بالغنم إلى مكان مبيتها يحلبها ويأتي بالحليب لأهله وأولاده، فيبدأ بسقي والديه قبل أطفاله، ولكنّه تأخر ذات مرة بالعودة، فلمّا جاء بإناء الحليب وجد والديه قد ناما، وظل أولاده مستيقظين ينتظرون أن يسقيهم، ولكنّه كره أن يوقظ والديه ويزعجهما من نومهما، ولم يرغب أيضًا بأن يسقي أولاده قبل أهله.[١] فظلّ على هذه الحال حتّى طلع الفجر، والأطفال يصيحون من الجوع ويطلبون الحليب، وبعد ذكره لعمله هذا دعا الله تعالى أن يُفرّج عنهم فرجة يرون منها السماء، إن كان يعمل أنّ عمله هذا كانت ابتغاءً لوجهه، فاستجاب الله تعالى دعاءه وانزاحت الصخرة قليلًا ورأوا السماء.[١] وذكر الآخر عملََا صالحًا قام به؛ وهو أنّه كانت لديه ابنة عم وكان يحبّها كثيرًا ويرغب بها، وقد طلب منها أن يُواقعها بغير زواج فأبت ذلك حتّى يُعطيها مئة دينار، فجمع المال بجهدٍ وتعب وأتاها به، فلمّا جلس منها مكان ما يجلس الرجل من المرأة للوقاع، فقالت له: "يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه"، والخاتم كناية عن البكارة، أي لا تفعل هذا بزنا وإنّما بزواج، فقام عنها، وبعد أن ذكر عمله هذا توسّل إلى ربّه بأنّه لو كان فعل ذلك ابتغاءً لوجه الله الكريم فليفرّج عنهم، فانزاحت الصخرة أكثر وتوسّعت الفرجة.[١] وقال الثالث إنّه استأجر عاملًا، وكان الأجر كمية معينة من الأرز، فلمّا أتّم الأجير العمل طلب الأجر وعندما دفعه إليه صاحب العمل لم يعجبه وتركه وذهب، فقام الرجل بزراعة ذاك الأرز وأنتج خيرًا كثيرًا وجمع منه بقرًا ورعاها، ثمّ عاد العامل وطلب أجره وناشده بتقوى الله وعدم الظلم، فقال له اذهب إلى تلك البقر وخذها فإنّها لك، فظنّ العامل أنّه يقول ذلك استهزاءً به، فأكّد له أنّ هذا هو الصدق وأنّ البقر له، فأخذها ومضى، وتوسّل الرجل إلى ربّه بعمله الصالح هذا أنّ يُفرّج عنهم ما بقي، فاستُجيب له، وهذا من رحمة الله بعباده وبركة العمل الصالح.[١]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|