زهد الوصيّ (عليه السّلام)
لمّا نزلت الآية الشّريفة: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [283] . وفيها توبيخ للكفّار لمّا فضّلوا التّمتّع بالطّيبات واللّذات، آثر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) الزّهد والتّقشّف واجتناب التّرفّه والنّعمة.
يقول عمر بن الخطّاب استأذنت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخلت عليه في مشربة أمّ إبراهيم وأنَّه لمضطجع على خصفة وأنَّ بعضه على التّراب وتحت رأسه وسادة محشوّة ليفًا فسلّمت عليه، ثمّ جلست فقلت: يا رسول الله أنت نبيّ الله وصفوته وخيرته من خلقه وكسرى وقيصر على سرر الذّهب وفرش الدّيباج والحرير، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أولئك قوم عجّلت طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع وإنّما أخّرت لنا طيّباتنا.
وقال عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصّلوات في بعض خطبه: والله لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذها، فقلت: أعزب عنّي فعند الصّباح يحمد القوم السّرى.
وروى محمّد بن قيس عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) أنَّه قال: والله إن كان عليّ (عليه السّلام) ليأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد وإن كان يشتري القميصَيْن فيخيِّر غلامه خيرهما ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين، ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم النّاس على خبز البرّ واللّحم وينصرف إلى منزله فيأكل خبز الشّعير والزّيت والخلّ، وما ورد عليه أمران كلاهما لله (عزّ وجلّ) فيه رضى إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ولقد اعتق ألف مملوك من كدّ يمينه تربت منه يداه وعرق فيه وجهه وما أطاق عمله أحد من النّاس بعده وإن كان ليصلّي في اليوم واللّيلة ألف ركعة وإن كان أقرب النّاس شبهًا به عليّ بن الحسين (عليه السّلام) ما أطاق عمله أحد من النّاس بعده، ثمّ أنَّه قد اشتهر في الرّواية أنَّه (عليه السّلام) لمّا دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده، قال له العلاء: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد لبس العباءة وتخلّى من الدّنيا فقال (عليه السّلام): علَيَّ به، فلمّا جاء به، قال: يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك وولدك أترى الله أحلّ لك الطّيّبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك، قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك، قال: ويحك إنّي لست كأنت إنَّ الله تعالى فرض على أئمّة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس كي لا يتبيّغ بالفقير فقره [284] .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|