01-31-2022
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-31-2022
|
#2
|


الوقف في تراث الآل والأصحاب (2)
الوقف في حياة الآل والأصحاب رضوان الله عليهم
عيسى القدومي
هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.
حرص آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته -رضي الله عنهم- على الوقف الإسلامي، وسارعوا إلى حبس الدور والآبار والبساتين ووقفها، اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته، وامتثالاً لتوجيهه وإرشاده، ورغبة في الثواب العظيم من الله -تعالى.
حضور سُنَّةِ الوقف في حياة الآل والأصحاب
ويُستدلُّ على حضورِ سُنَّةِ الوقف في حياتهم -رضي الله عنهم- في الدرجة الأولى بالفعل، فإنّهم -رضي الله عنهم- تواتر عن مجموعهم الوقف، حتى روي عن جابر - رضي الله عنه -أنّه قال: «... فما أعلمُ أحدًا كان له مالٌ من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله، صدقةً مؤبّدةً لا تُشترى أبدًا، ولا تُوهب ولا تورَث». ورُوي مثلُه عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: «ما أعلمُ أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلّا وقد وقف من ماله حبسًا، لا يُشترى ولا يُورَث ولا يُوهَب حتى يرث الله الأرض ومن عليها».
مشروعيّة الوقف
وقد رضي الإمام مالك -رحمه الله- بهذا التواتر الفعليّ حجةً في الردّ على من أنكر مشروعيّة الوقف، مثل شريح بن الحارث القاضي، فقد رُوي عنه أنّه قال: «جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بمنع الحبس»، وفي رواية عنه قال: «لا حبسَ عن فرائض الله»، ووقع في مضمونِ ذلك كلامٌ بين الإمام مالك -رحمه الله- والإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقد أخرج البيهقي -بسنده- عن الإمام الشافعي -رحمه الله- قال: اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير المؤمنين، فتكلّما في الوُقوف وما يحبسه الناس، فقال يعقوب: هذا باطل، قال شريح: جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بإطلاق الحبس. فقال مالك: إنّما جاء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، فأمّا الوقوف، فهذا وقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ حيث استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «احبِسْ أصلَها وسبِّلْ ثمرتَها»، وهذا وقْفُ الزبير، فأعجبَ الخليفةَ ذلك منه.
وقد نُقِلَت كلمةُ شريح هذه لمالك -رحمه الله- فيما يبدو أنّه مناسبةٌ أخرى، فقال: «تكلّم شريح ببلدِه، ولم يَرِدْ المدينةَ فيرى أحباسَ الصّحابة باقية، فينبغي للمرءِ ألّا يتكلّم إلّا فيما أحاطَ به خُبرًا».
الاجماع على مشروعية الوقف
فهي مسألة إجماع عمليّ، أكدها القرطبي بقوله: «المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة»، وبياناً لشيوع الوقف عند الصحابة -رضي الله عنهم-، قال الشافعيّ في القديم: «ولقد بلَغَنِي أنّ ثمانين نفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار، تصدَّقُوا بصدقاتٍ محرّماتٍ موقوفاتٍ»، كما ذكره ابن الرّفعة، «والشافعيُّ يسمّي الأوقاف: الصّدقات المحرّمة»، وقال ابن حزم: «وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس، لا يجهلها أحد».
تخير الصحابة أنفس ما يملكون للوقف
وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخيرون لأوقافهم أثمن وأنفس ما يملكون؛ لأنهم أرادوا أن يعمروا آخرتهم بما يحبون من نفائس أموالهم وكرائمها، وكانوا -رضي الله عنهم- إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله -سبحانه وتعالى-، وهذه الأوقاف خير دلالة على امتثال الصحابة لتوجيه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في وقف الأوقاف التي تنوعت أصولها، وتعددت مصارف ريعها، ليعم النفع للمجتمع المسلم، فدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصدقة الجارية لاقت آذاناً صاغية، من عباد الله المخلصين، ولاسيما الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين عاصروا التنـزيل، وفهموا أسراره، وعرفوا ما تستهدفه الشريعة. فبادروا مستجيبين لنداء الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فأوقفوا الأراضي والحدائق والأسلحة والدروع.
ثمَّ تتابعت الأوقاف، واستمرَّ القادرون على الوقف -على مدى التاريخ الإسلامي- بوقف أموالهم، واتَّسمت هذه الأوقاف بالضخامة والتنوع، حتى غدت هذه الأوقاف من مفاخر المسلمين، ولم يَدَعُوا جانباً من الجوانب الخيِّرة إلا أوقفوا فيه من أموالهم، حتى شملت أوقافهم الإنسان والحيوان، وبلغت ما لا يخطر فِعلُه على بالِ إنسان في شرقٍ ولا غربٍ.
أنواع الوقف عند الآل والأصحاب
ينقسمُ الوقف من حيث الموقوفُ عليه، أو (جهة الوقف) إلى قسمين رئيسين، هما: الوقف الخيري، والوقف الأهلي، وقد يستخدمُ بعضُهُم تقسيمًا ثلاثيًّا، فيقول: الوقف الخيري، والوقف الأهلي، والوقف المشترك.
1- الوقف الخيري
هو ما يُصرَف فيه الريعُ ابتداءً على جهةٍ من جهاتِ البِرّ، ولو كان ذلك لمدّةٍ معيّنةٍ، ثمّ يؤولُ بعدها إلى أشخاص معيّنين، وهذا النّوع هو الأصلُ في الوقف بالنسبةِ لسائر الأنواع، وهذا كالوقف على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، والمشافي والمدارس والمكتبات وسائر الخدمات المشابهة.
2- الوقف الأهلي (الذُّرِّي)
هو ما يكون الاستحقاقُ فيه أوّلَ الأمرِ على معيّنٍ، واحدًا أو أكثر... ثمّ من بعد هؤلاء المعيّنين على جهةِ برٍّ.
3- الوقف المشترَك
هو ما وُقف على جهة بِرٍّ، وعلى الذّرّيّة، وكان ذلك في وقْفٍ واحدٍ، فهو جمعٌ بين الصورتين السابقتين، وقد يكون نصيبُ كلٍّ من الذريّة وجهةِ البرٍّ محدّدًا، بنصف الرّيعِ لكلٍّ منهما مثلاً، وقد يُجعَلُ مقدارٌ محدودٌ للذرّيّة، ويُطلَقُ في الباقي على أنّه لجهةِ البِرِّ، وقد يكون العكس.
على أنّ هذه الاصطلاحات والتسميات لم تكن معروفةً فيما مضى، بل كان يُعبَّر عن الوقف بلفظ «الصدقة» كما دلّت عليه الآثار، فكان يقال: هذه صدقةُ فلان
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-31-2022
|
#3
|


الوقف في تراث الآل والأصحاب (3)
الوقف في حياة الآل والأصحاب رضوان الله عليهم
عيسى القدومي
هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.
أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم
النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس في بذل الخير والصدقة، وقد أفرد أهل العلم أبواباً خاصة في بيان صدقاته وإنفاقه في الخير؛ فكان - صلى الله عليه وسلم - سبَّاقًا إلى الصدقة، قال ابن القيم -رحمه الله-: «كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله -سبحانه وتعالى- ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة».
أول الواقفين في الإسلام
وقد حرص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يجعل جُلّ ما يملك وقفاً لله -تعالى-، فكان أول الواقفين في الإسلام، فقد بدأ بنفسه - صلى الله عليه وسلم -؛ فأول صدقة موقوفة في الإسلام كانت - على الراجح- أراضي مخيريق؛ فقد رجح كثير من أهل العلم أن أول صدقة جارية (وقف) في الإسلام هي صدقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد حرص - صلى الله عليه وسلم - أن يبدأ بنفسه.
أول صدقة موقوفة في الإسلام
قال الحافظ في الفتح: وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقفها النبي - صلى الله عليه وسلم »، وأورد ابن سعد في طبقاته عن محمد بن كعب القُرظي أنه قال: « كانت الحُبُسُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس سبعة حوائط بالمدينة: الأعوان، والصافية، والدلال، والميثب، وبرقة، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم، قال ابن كعب: وقد حبس المسلمون بعد على أولادهم وأولاد أولادهم»، وعن مالك بن أَوس بن الحدثان، قال: فِيمَا احتجَّ به عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «كانت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثُ صَفَايَا: بنُو النَّضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النَّضير فكانت حُبُسًا لنوَائبه، وأما فَدَكُ فكانت حُبُسًا لأبنَاءِ السَّبيلِ، وأَمَّا خيبر فجزّأَهَا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثة أجزَاءٍ: جُزأينِ بين المسلمين، وجُزءًا نَفقةً لأهله، فما فضَلَ عن نفقة أهله جعلهُ بين فُقراء المُهاجرين»، قال النووي -رحمه الله-: «الأرض التي كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وفدك فقد سبَّلها في حياته، ونجز الصدقة بها على المسلمين»، ومن وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خصّه لابن السبيل، فعن عمرو بن الحارث قال: «ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديناراً ولا درهما ولا عبداً ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضًا جعلها لابن السبيل صدقة».
اختصاص رسول الله في أرض الحجاز
قال الماوَرْدي: «... أرض الحجاز تنقسم لاختصاص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتحها قسمين:
- أحدهما: صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أخذها بحقَّيْهِ، فإنّ أحدَ حقَّيْهِ خُمُسُ الخُمُسِ من الفيء والغنائم.
- والحقّ الثاني: أربعة أخماس الفيء الذي أفاءه الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فما صار إليه بواحدٍ من هذين الحقَّيْن، فقد رضخَ منه لبعض أصحابه، وترك باقيه لنفقته وصِلَاتِه ومصالح المسلمين، حتى مات عنه - صلى الله عليه وسلم -، فاختلف الناس في حكمه بعد موته، فجعله قوم موروثًا عنه ومقسومًا على المواريث ملكًا، وجعلَه آخَرون للإمامِ القائمِ مقامَه في حمايةِ البَيْضَةِ وجهادِ العدوّ.
صدقات النبي - صلى الله عليه وسلم - الثمانية
والذي عليه جمهورُ الفقهاءِ أنّها صدقاتٌ محرَّمةُ الرّقاب، مخصوصةُ المنافعِ، مصروفةٌ في وجوه المصالح العامّة... فأمّا صدقاتُ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فهي محصورةٌ؛ لأنه قُبض عنها فتعيّنت، وهي ثمانية...» ثمّ عدّها، وهي:
1- أموالُ مخيريق، وهي سبعُ حوائط كما سبق.
2- أرضُه من أموالِ بني النّضير، وهي أوّل مالٍ أفاءَه الله عليه.
3- ثلاثة حُصون، من حصون خيبر الثمانية.
4- النّصف من فَدَك.
5- وقد بلغَت قيمة هذا النّصف ستّين ألف درهم بتقويمِ مالك بن التيّهان وسهْل بن أبي حَثْمَة وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، قال الماوردي: «فصار نصفُها من صَدَقاتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ونصفُها الآخَر لكافّة المسلمين، ومصرفُ النّصفَيْن الآن سَواء».
6- الثلث من أرض وادي القرى.
7- موضعُ سوقٍ بالمدينةِ يقالُ له (مهروذ).
ولهذا كان الإقبال والحرص الشديد من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وقف أنفس ما يملكون، فشجرة الأوقاف الخيرية تمتد جذورها إلى رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - القدوة لصحابته، وقد بادر بالوقف، وجعل مصارفه فيما يُصلح الدين والدنيا، وحينما كان يحث صحابته على فعل الخير فإنه كان يسبقهم بالفعل والعمل.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-31-2022
|
#4
|


الوقف في تراث الآل والأصحاب (4)
الوقف في حياة الآل والأصحاب رضوان الله عليهم
عيسى القدومي
هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.
أوقاف رجال آل بيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم
أوّلاً: وقف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه
لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أوقافٌ كثيرةٌ سردَها المؤرّخون وأصحابُ السِّيَر والتّواريخ وكتب البلدان، كما ذكروا أخباراً كثيرةً عن مآلاتها ووُلاتِها ومصارفها وما تعلّق بها من بعدِه من الحقوق والخُصومات والضياع والاسترجاع، وهي أخبارٌ تفيد بمجموعها القَطْعَ بأصول هذه الأوقاف، والتّحقُّق من صحّتها، وقد ذكر الإمام الحُمَيْدي (ت 219هـ) أنّه شَهِدَ في وقتِه اشتهارَ (يَنْبُع) بكونها وقفًا لعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه .
أخرج البيهقي -بسنده- إلى الحُميديّ، قال: «وتصدّق عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بأرضِه بيَنْبُعَ، فهي إلى اليوم».
وقد آلَت لعليّ - رضي الله عنه - أملاكٌ كثيرةٌ بينبُع، بعضُها، بل جزؤُها الأهمّ، أقطعَه إيّاها أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، ثمّ ضمّ إليها أشياء أخرى بالشراء والاستصلاح وإحياء المَوَات، فوقَفَ كثيراً منها على وجوه مختلفة وبشروط متنوّعة.
إكرام عمر - رضي الله عنه - آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم
عن جعفر بن محمّد عن أبيه: «أنّ عليّ بن أبي طالب قطع له عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- يَنْبُعَ، ثمّ اشترى عليّ بن أبى طالب - رضي الله عنه - إلى قطيعة عمر - رضي الله عنه - أشياء، فحفر فيها عينًا، فبينا هم يعملون فيها إذ تفجّر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتى عليٌّ وبُشّر بذلك، قال: بشّر الوارث. ثمّ تصدّق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل، القريب والبعيد، وفي السّلم وفي الحرب، ليوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، ليصرف اللّه تعالى بها وجهي عن النّار ويصرف النّار عن وجهي»، وفي هذه الرواية الثابتة بشاهدَيْ التاريخ والحسّ، دليلٌ على إكرام عمر - رضي الله عنه - آلَ بيت النبي -صلى الله عليه وسلم -، فإكرامُه عليًّا -وهو أهلٌ لكلّ كرامةٍ- بهذا الإقطاع يدلُّ على ذلك بوضوح.
وقد جاء مزيدٌ من التّفصيلِ لهذه الصدقةِ بيَنْبُعَ، وما ضُمَّ إليها، فقد أخرجَ عبد الرزّاق من طريق أيّوب السختياني، أنّه أخذَ كتابَ صدقةِ عليٍّ - رضي الله عنه - من عمرو بن دينار، وممّا ذُكر فيه موقوفًا مع يَنْبُعَ: ما يملكُه عليٌّ - رضي الله عنه - بـ (وادي القرى)، و(الأَذْنِبَة)، و(رعْد)، ووقَفَ مع هذه الأراضي ما لَه فيها من مماليك، واستثنى بعضَهُم ممّن كان قد أعتَقَ قبْلَ ذلك من العاملين فيها، قال أبو محمد ابن حزم: «إيقافه ينبع، وغيرها: أشهرُ من الشّمس»، وهذا يبرهنُ -كما أشرنا سابقاً- على أنّ هذه الأوقافَ مستغنيةٌ في أصلها عن الحاجةِ إلى صحّة السّند على رسم المحدّثين، فالشّهرة تغني عن ذلك.
الأماكن التفصيلية في أوقاف علي - رضي الله عنه
ومن الأماكن التي ذُكرَت تفصيلاً في أوقاف عليٍّ - رضي الله عنه - بيَنْبُعَ وما حولَها:
1-البُغَيْبِغَة، وعين أبي نِيْزَر، وقَفَهُمَا لسنتين من خلافته، على فقراء المدينة وابن السبيل وذوي الحاجة من ذوي القربى، وشَرَطَ أنّ الحسن أو الحسين إن احتاجا، فلهما أن يبيعا.
2-عين نولا، وهي التي يُقال إنّ عليًّا - رضي الله عنه - عَمِلَ فيها بيده.
3-عين الحدث، وعين البحير، وعين العصيبة، وكلُّها بيَنْبُع، ذكرها ابنُ شُبَّة.
وبعض المؤرّخين يقول بالجمع: البُغَيْبِغَات، وهي عيون ماء كثيرة، منها: خيف الآراك، وخيف ليلى، وخيف بسطاس.
وممّا ذُكرَ تفصيلاً في أوقافِ عليٍّ - رضي الله عنه - بوادي القرى ومدينة العلا: عين ناقة، وعين حسن، وعين سكر، وعين موات.
وممّا ذُكر تفصيلاً بخيبر وما حولها: له بِحَرَّة الرّجلاء قُرْبَ خيبر: وادي الأحمر، ووادي البيضاء، وخمسة آبارٍ أسماؤُها: (ذات كَمَّاتٍ، وذوات العُشَرَاءِ، وقُعَيْنٌ، ومُعَيْدٌ، ورَعْوَان).
وله بـ (فَدَك): وادي ترعة، ووادي الأسحن، والقُصيبة، وهو مالٌ بناحيةِ فدك.
قال ابن شبّة عن القُصيبة: «كان عبد الله بن حسن بن حسن عامل عليه بني عمير مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، على أنّه إذا بلغ ثمرُه ثلاثين صاعًا بالصّاعِ الاوّل فالصّدقة على الثلث، فإذا انقرض بنو عمير فمرجعه إلى الصدقة، فذلك اليوم على هذه الحال بأيدي وُلاة الصدقة».
وممّا ذُكر تفصيلاً بالمدينةِ وما حولَها: (الفقيرين، بالعالية، وبئر الملك، بقناة، والأَذْنِبَة في إِضَم، ودار عليّ، قرب بقيع الغرقد، والفقير، موضعٌ بالمدينة، وبئر قيس، والشجرة).
وصية علي - رضي الله عنه - بالاهتمام بوقفه
وأمّا وصيَّتُه بنظارتها وولايتها، فقال فيها -كما عند عبد الرزّاق-: «ثمّ يقوم على ذلك بنو عليٍّ بأمانةٍ وإصلاح، كإصلاحهم أموالَهم، يُزْرَعُ ويُصْلَحُ كإصلاحِهِم أموالَهم، ولا يُباع من أولادِ عليٍّ من هذه القُرى الأربعِ وَدِيَّةٌ واحدةٌ، حتى يَسُدَّ أرضَها غراسُها، قائمةً عمارتُها للمؤمنين أوّلهم وآخرِهم، فمن وَلِيَهَا من النّاسِ فأُذَكِّرُ اللهَ إلّا جَهِدَ ونصحَ وحفظ أمانتَه».
وقد تولّى أمرَها - رضي الله عنه - في حياته. قال الشافعيّ رحمه الله: «ولم يَزَلْ عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - يَلِي صدقتَه بيَنْبُعَ حتى لقي الله -عز وجل-، ولم تَزَلْ فاطمة -رضي الله عنها- تَلِي صدقَتَها حتى لقيت اللهَ -تبارك وتعالى-، أخبَرَنا بذلك أهلُ العلم من ولد فاطمة وعليّ وعمر ومواليهم»، ثمّ ولّاها من بعدِه أبناءَه الحسن والحسين كما سبق آنفًا، وقد رصد المؤرّخون توارُثَ ذرّيتهم ولايتها ونظارتَها بعد ذلك.
ثانياً: وقف العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله -رضي الله عنهما
قال ابن شبة: «قال أبو غسان: تصدق العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - بحل له كان بيَنْبُعَ على عين يقال لها: عين جساس على شراب زمزم، فذلك الحق يقال له: السقاية؛ لأنه تصدق به على زمزم، وهو الثمن من تلك العين، وهو اليوم بيد الخليفة يوكل به»، ثم قال: «وتصدق عبد الله بن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنهما- بمال بالصهوة، وهو موضع بين معن وبير حوزة على ليلة من المدينة، وتلك الصدقة بيد الخليفة يوكل بها».
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة:
|
|
01-31-2022
|
#5
|
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-31-2022
|
#6
|
-
بارك الله فيك
وجزاك عنا كل خير
دمتِ بخير.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 05:58 AM
| | | | | |