فوائد من مصنفات الخطيب البغدادي
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فمن العلماء المتقدمين الذين كان لهم نصيب وافر من التصنيف والتأليف: الخطيب البغدادي رحمه الله، وقد كانت مصنفاته في فنون متنوعة، يقول الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد": شملت مصنفاته الحديث وعلومه، والتاريخ وعلم الرجال، والفقه وأصوله، والرقائق والأدب، ويبلغ مجموع مصنفاته ستة وثمانين مصنفًا.
وفي تلك المصنفات الكثير من الفوائد، وقد يسَّر الله الكريم فقمت باختيار بعض منها، وكان الاختيار من الكتب التالية:
• الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
• الكفاية في علم الرواية.
• الرجلة في طلب الحديث.
• شرف أصحاب الحديث.
• اقتضاء العلم العمل.
• الفقه والمتفقه.
• تاريخ بغداد.
أسأل الله الكريم أن ينفعني، والجميع بما اخترت وجمعت.
تعظيم سنة الرسول علية الصلاة والسلام والتمسك بها والانقياد لها:
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما يقول عرية يريد؟ قال: يقول: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، قال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون نهى أبو بكر وعمر.
• قال مالك بن أنس: سمعت ابن شهاب يقول: سلموا للسنة ولا تعارضوها.
• قال الشافعي: لقد ضلَّ من ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول من بعده.
• عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، قال: الرد إلى الله إلى كتابه، والرد إلى الرسول إذا قبض إلى سنته.
• نظر سعيد بن المسيب إلى رجل صلى بعد النداء من صلاة الصبح، فأكثر الصلاة فحصبه، ثم قال: إذا لم يكن أحدكم يعلم، فليسأل: إنه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين فانصرف، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة؟ قال: بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنة؛ [الفقيه والمتفقه].
إنكار البدع:
قال الأوزاعي: إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سنة؛ [شرف أصحاب الحديث].
التمسك بآثار السلف:
• قال مالك: إن حقًّا على من طلب العلم أن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله؛ [الجامع لأحلاق الراوي وآداب السامع].
• قال الأوزاعي: عليك بآثار من السلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم؛ [شرف أصحاب الحديث].
خطورة العبادة بدون علم:
قال ضرار بن عمرو: إن قومًا تركوا العلم، ومجالسة أهل العلم، صلوا وصاموا، حتى بلي جلد أبدانهم على عمه، وخالفوا السنة فهلكوا، والذي لا إله غيره، ما عمل عامل قط على جهل، إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح؛ [الفقيه والمتفقه].
أهمية العلم:
قال أبو حنيفة: من ظن أنه يستغني عن العلم، فليبكِ على نفسه؛ [الفقيه والمتفقه].
شرف العلم وعلو منزلة أهله:
• قال بعض أهل العلم: إن فيما عاناه موسى من الدأب والسفر، وصبر عليه، ومن التواضع والخضوع للخضر، بعد معاناة قصده، مع محل موسى من الله، وموضعه من كرامته، وشرف نبوته، دلالة على ارتفاع قدر العلم، وعلو منزلة أهله، وحسن التواضع لمن يُلتمس منه ويؤخذ عنه؛ [الرحلة في طلب الحديث].
• قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة؛ [شرف أصحاب الحديث].
• قال القاسم بن خلاد: العلم مصباح العقل، وهو جلاء القلب من صدى الجهل، وهو أقنع جليس، وأسرُّ عشيق، وأفضل صاحب وقرين، وأربح تجارة، وأنفع مكسب وأفضل ما اقْتُنيَ في الدنيا، واستُظهر به للآخرة، واعتُصم به من الذنوب، وسكنت إليه القلوب، ويزيد في شرف الشريف، ورِفعة الوضيع، وقدر الوضيع، أُنس في الوحشة، وأمن عند الشدة، ودال على طاعة الله، وناهٍ عن معصيته، وقائد إلى رضوانه، ووسيلة إلى رحمته.
• قال عبدالله بن المعتز: الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: العلم يزيد الشريف شرفًا، ويُجلس المملوك على الأسِرَّة.
• قال ابن عيينة: أرفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء.
• قال أبو حنيفة: إن لم يكن أولياء الله في الدنيا والآخرة الفقهاء والعلماء، فليس لله ولي؛ [الفقيه والمتفقه].
الإخلاص في طلب العلم:
• إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه؛ [اقتضاء العلم العمل].
• قال عبدالعزيز بن أبي رزمة: من طلب هذا العلم لله تعالى، شرُف وسعِد في الدنيا والآخرة، ومن لم يطلبه لله خسر الدنيا والآخرة.
• يجب على طالب الحديث أن يُخلص نيته في طلبه، ويكون قصده بذلك وجه الله سبحانه ... وليتق المفاخرة والمباهاة به، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة، واتخاذ الاتباع، وعقد المجالس، فإن الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
طلب العلم على العلماء الثقات:
• قال الضحاك بن مزاحم: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم.
• قال الحسن بن صالح: كنا إذا أردنا أن نكتُب عن الرجل، سألنا عنه، حتى يقال لنا أتريدون أن تزوِّجوه؟ [الكفاية في علم الرواية].
• عن المغيرة عن إبراهيم قال: كانوا إذا أرادوا أن يأخذوا عن رجل نظروا في صلاته وإلى سمته وهيئته؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
• قال أبو العالية: كنتُ أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه، فأول ما افتقد منه صلاته، فإن أجدهُ يقيمها أقمتُ، وسمعتُ منه، وإن أجدهُ يضيعها رجعتُ، ولم أسمع منه، وقلتُ: هو لغير الصلاة أضيع؛ [الرحلة في طلب الحديث].
الحذر من الأخذ أو السماع من أهل البدع والأهواء:
• قال الثوري: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع.
• قال حماد بن سلمة: حدثني شيخ لهم - يعني الرافضة - تاب، قال: كنَّا إذا اجتمعنا واستحسنا شيئًا جعلناه حديثًا.
• قال مالك بن أنس: لا يؤخذ العلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
الحرص على طلب العلم في الحداثة وزمن الشبيبة:
التفقه في زمن الشبيبة واقبال العمر، والتمكن منه بقلة الاشتغال، وكمال الذهن، وراحة القريحة، يرسخ في القلب، ويثبت، ويتمكن ويستحكم، فيحصل الانتفاع به، والبركة، إذا صحبه من الله حسن التوفيق؛ [الفقيه والمتفقه].
بداية طلب العلم بحفظ القرآن الكريم:
• قال ابن مسلم: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينًا حدثًا، قال: يا غلام، قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم، قال: اقرأ: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]، وإن قال: لا، قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم.
• ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل، إذ كان أجلَّ العلوم، وأولاها بالسبق والتقديم ... فإذا رزقه الله تعالى حفظ كتابه، فليحذَر أن يشتغل عنه بالحديث أو غيره من العلوم اشتغالًا يؤدي إلى نسيانه؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
بعد حفظ القرآن الكريم يشرع طالب العلم في حفظ الأحاديث:
ثم الذي يتلو القرآن من العلوم أحاديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُننُه، فيجب على الناس طلبها إذ كانت أسَّ الشريعة وقاعدتها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
طلب العلم حتى الموت:
• قال الجصاص: قلتُ: لأحمد إلى ما يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت.
• قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر؛ [شرف أصحاب الحديث].
العمل بالعلم:
العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالِمًا من لم يكن بعلمه عاملًا.
فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرًا في العمل، ولكن اجمَع بينهما، وإن قلَّ نصيبك منهما ... والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة ... وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها.
• قال سهل بن عبدالله: العلم إحدى لذات الدنيا، فإذا عمل به صار للآخرة.
• قال أبو القاسم الجنيد: العلم يشير إلى استعماله، فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته.
• قال ابن المعتز: علم المؤمن في عمله، قال بشر الحارث: العلم حسنٌ لمن عمِل به، ومن لم يعمل ما أضرَّه.
• قال الفضيل: على الناس أن يتعلموا فإذا علموا، فعليهم العمل.
• قال ابن عيينة: العلم إن لم ينفعك ضرك، قلت [القائل الخطيب]: يعني إن لم ينفعه بأن عمل به، ضرَّهُ بكونه حُجة عليه؛ [اقتضاء العلم العمل].
• قال أحمد بن عطاء الروذباري: من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم؛ [تاريخ بغداد].
• قال سفيان: إن أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس، وإن لم أعمل بما أعلم فليس في الدنيا أحد أجهل مني.
• عن ابن شوذب، عن مطر، قال: خير العلم ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من علِمه، ثم عمِل به، ولا ينفع به من علِمه ثم ترَكه.
• قال قاسم بن إسماعيل بن علي: كنا بباب بشر بن الحارث، فخرج إلينا، فقلنا: يا أبا نصر حدثنا، فقال: أتؤدون زكاة الحديث؟ قال: قلت له يا أبا نصر، وللحديث زكاة؟ قال: نعم، إذا سمعتم الحديث، فما كان في ذلك من عمل أو صلاة أو تسبيح استعملتموه.
قال المرذوي: قال لي أحمد: ما كتبتُ حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به، حتى مرَّ بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارًا، فأعطيت الحجام دينارًا، حين احتجمت؛ [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع].
أهمية الأدب والخلق لطالب العلم:
• قال الليث بن سعد رحمه الله: أنتم إلى يسير الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم؛ [شرف أصحاب الحديث].
• الواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدبًا، وأشد الخلق تواضعًا، وأعظمهم نزاهة وتدينًا، وأقلهم طيشًا وغضبًا.
• قال الحجاج بن أرطاة: إن أحدكم إلى أدب حسن أحوج منه إلى خمسين حديثًا.
• قال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: قال لي أبي: يا بني، إيت الفقهاء والعلماء وتعلَّم منهم، وخُذ من أديبهم وأخلاقهم وهدْيهم.
• قال حبيب بن حُجر القيسي: كان يُقال: ما أحسن الإيمان يزيِّنه العلم، وما أحسن العلم يزيِّنه العمل، وما أحسن العمل يزيِّنه الرفق، وما أضيف شيءٌ إلى شيء مثل حِلم إلى علم.
• قال مالك: إن حقَّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية.
يتبع