وفي البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة للقاضي الفقيه أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى 520 هـ) كتاب المرتدين والمحاربين، مسألة: قال سحنون وأخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان قاعدا عند مالك فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال له مسألة، فسكت عنه، ثم عاد عليه، فرفع إليه مالك رأسه كالمجيب له، فقال له السائل يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه 5) كيف كان استواؤه؟ قال فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه، فقال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه.
قال محمد بن رشد رحمه الله: قد روي عن مالك أنه أجاب هذا بأن قال استواء منه غير مجهول والكيف منه غير معقول والسؤال عن هذا بدعة وأراك صاحب بدعة وأمر بإخراجه، وهذه الرواية تبين معنى قوله سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول لأن التكييف هو الذي لا يعقل، إذ لا يصح في صفات البارئ عز وجل لما يوجبه من التشبيه بخلقه تعالى عن ذلك، وأما الاستواء فهو معلوم غير مجهول كما قال لأن الله وصف به نفسه فقال في محكم كتابه (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه 5) (لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) (طه 6) وقال (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) (الفرقان 59) فوجب الإيمان بذلك…..) إلى ءاخر كلامه رحمه الله.