حزميات في إصلاح النفس (2)
حزميات في إصلاح النفس (2)
يقول ابن حزم يرحمه الله:
"إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهت في أخذ فكرتك باضمحلال جمع أحوال الدنيا – إلى أن الحقيقة إنما العمل للآخرة فقط لأن كل أمل ظهرت به فعقباه حزن إما بذهابه عنك أو ذهابك عنه، ولا بد من أحد السبيلين إلا العمل لله عز وجل فعقباه عل كل حال سرور في عاجل وآجل أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس وأنك معظم من الصديق والعدو وأما في الآجل فالجنة " ا.هـ
يضع رحمه الله قاعدة في التعامل مع الأحداث والأمور التي تمر بالمرء وهي التغافل وعدم التدقيق فإن التفصيل والتعقب لأي أمر مآله إلى الفساد، فإنه قل أن تستفصل وتدقق في أمر ما إلا وجدته له مفسدة أو عيبا، فالسلامة والسعادة تقتضي أن تتغافل ولا تتعقب في كل شاردة وواردة!.
ثم يذكر رحمه الله قاعدة في حقيقة الدنيا وحقيقة العمل للآخرة وهي كلمات مصداقها كلام النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: « من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ ». فالاشتغالُ بالآخرةِ دارِ القَرارِ سببُ السَّعادةِ والفوزِ بنَعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَنقُص من الرِّزق شَيئًا، والاشتِغالُ بالدُّنيا الفانيةِ يُورِثُ الهُمومَ ويُفرِّقُ الشَّملَ ولا يَزيدُ من الرِّزقِ شيئًا.
ولهذا كانت الدنيا وسيلة للآخرة ودار عمل لا دار لهو ولعب كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: « إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية »، فمتى اختل هذا التوازن وطغى الركون إليها تحقق ما ذكره يرحمه الله من الهم والحزن!.
ومن ثم متى ما تحقق العمل للآخرة تحقق وعد الله في عباده المتقين من زوال الهم والوقار والهيبة لدى الصديق والعدو في الدنيا وفي الآخرة دخول جنات النعيم، نسأل الله من فضله.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|