إذا كان التواضع معناه إظهار الضعة من شريف المنزلة عالى المقام كريم المحتد، فإنه أيضًا ــ التواضع ــ من أفضل الأخلاق وأسماها، وقد بلغ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنًا عظيمًا لم يلحقه أحد من الأولين ولم يصل إليه أحد من المتأخرين. قال الله تعالى فى سورة القصص: «تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا فى الأرض».
ومن شواهد التواضع عنده صلى الله عليه وسلم، أنه خير بين أن يكون نبيًا ملكا، أو نبيًا عبدًا فاختار أن يكون نبيًا عبدًا، وقد أخبر صلوات الله وسلامه عليه أن الله سبحانه وتعالى كافأه على اختياره العبودية بأن يكون سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، فاختياره العبودية على الملوكية أكبر مظهر من التواضع المحمدى.
وعن أبى أمامة رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوكئًا على عصا فقمنا له، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا، وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد». وكان صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويجالس الفقراء، ويلبى دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه حيث انتهى به المجلس.، وكان يقول لأصحابه: «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم عليه السلام، وإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله». وكان صلى الله عليه وسلم فى بيته فى خدمة أهل بيته، يفلى ثوبه ويحلب شاته ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويقم البيت ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق. وكان صلوات الله وسلامه عليه يكرر دائمًا : »إنى لست ملكًا وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
إن كل مظهر من ذلك يدل بمفرده على كماله صلى الله عليه وسلم وأنه القدوة الحسنة وأنه مضرب الُمثل فى ذلك. لكم خالص تحياتى وتقديرى و رمضان كريـــم الدكتور علــى