منزلة الحديث المرفوع من حيث قائله
منزلة الحديث المرفوع من حيث قائله يأتي الحديث المرفوع في المرتبة الثّانية من حيث نسبته إلى من قال به، ويحتلّ الحديث القدسيّ المرتبة الأولى؛ لأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رفع نسبته إلى الله تعالى، وبعد الحديث المرفوع يأتي الحديث الموقوف الذي أُسنِد إلى الصحابيّ قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفه، واشترط الحاكم -رحمه الله- في الحديث الموقوف أن يخلو من الإرسال والإعضال، وبعد الموقوف في المرتبة يأتي الحديث المقطوع الذي نُسب إلى التابعيّ، ويُطلق عليه الأثر.[٥] أقسام الحديث المرفوع إنّ للحديث المرفوع عدّة أحوال عند علماء الحديث نشأت تبعاً لتعريفه، حيث ينقسم إلى قسمين: المرفوع صراحةً، والمرفوع حُكماً،[٦] وبيان ذلك فيما يأتي: الحديث المرفوع صراحةً ينقسم الحديث المرفوع صراحةً إلى عدّة أقسام كالآتي:[٤] القول المرفوع صراحةً: كالقول الذي رفعه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ حيث قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى).[٧] الفعل المرفوع صراحةً: مثل إخبار عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في التّطوع: (ما كان يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِه على إحدى عشْرةَ ركعةً).[٨] التقرير المرفوع صراحةً: من الأمثلة عليهح أنّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أصابته جنابة وهو في غزوة ذات السلاسل، وكان في ليلةٍ باردةٍ شديدة البرد؛ فلم يغتسل، وإنّما توضأَ وتيمّم وصلّى بالنّاس، ولمّا رجع بمن معه إلى المدينة سأل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (إنّي خشيتُ على نفسِي وتأوَّلت قولَ اللهِ سبحانَه: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكم رَحِيماً فتبسَّم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ولم يقلْ له شيئاً، ولم يأمرْه بالإعادةِ).[٩] الحال المرفوع صراحةً: حيث تصف الرّواية حالاً من أحوال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد دخل أعرابيّ مرّة إلى مسجد رسول الله، فقال: (أيكم محمد؟) قالوا: (هذا الرجلُ الأبيضُ المُتَّكِىءُ).[١٠] الصفة الخَلْقِية المرفوعة صراحةً: حيث تُنسب الرّواية المرفوعة صفة من خِلْقَة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومثال ذلك: قول البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أحسنَ الناسِ وجهاً، وأحسنهم خَلقاً، ليسَ بالطَّويلِ البائِنِ، ولا بالقَصير).[١١] الصّفة الخُلُقية المرفوعة صراحةً: حيث تًنقل صفة من أخلاق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ومثال ذلك في الحديث المرفوع: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي).[١٢] الحديث المرفوع حُكْماً الحديث المرفوع حُكماً هو حديث موقوف على الصحابيّ؛ ولكنّ جاءت القرينة لتدلّ على أنّ أصل نسبته إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وينقسم إلى خمسة أنواع:[٤] ما سكت عنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أفعال الصّحابة الكرام بغير حضرته، مثل: مسألة العزل في الجماع، حيث قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كنَّا نعزلُ على عهدِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- والقرآنُ ينزلُ).[١٣] ما جاء عن الصحابيّ بصيغة تحملُ أمراً أو نهياً بالفعل المبنيّ للمجهول، مثل القول: إنّا أُمرنا بكذا، أو كنّا نُهينا عن كذا، فالاحتمال الرّاجح عند العلماء أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو الآمر أو النّاهي، ومثاله في الأمر قول عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: (أُمرْنا أن نكِّلمَ النَّاسَ على قدرِ عقولِهم)،[١٤] ومثال النّهي قول أمّ عطيّة رضي الله عنها: (نُهِينا عن اتباعِ الجنائزِ، ولم يُعْزَمْ علينا).[١٥] ما قاله الصحابيّ في أمرٍ لا مجال للاجتهاد فيه، ومثاله: قول حذيفة رضي الله عنه: (يا معشرَ القُرّاءِ استقِيموا، فقد سُبِقتُم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً، لقد ضللتُم ضلالاً بعيداً)،[١٦] ويشترط علماء الحديث أن يكون الصحابيّ غير معروف بالرواية عن أهل الكتاب؛ حتى لا تختلط الرواية بما يُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ما أخبر التّابعيّ عن الصحابيّ أنّه رفعه للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أو بلّغ به، أو يصف الرّواية بالرّفع، ومثاله: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ، كاد يقتُلُه العطشُ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ، فنزَعَت مُوقَها، فسَقَتْه فغُفِر لها به).[١٧]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|