Şøķåŕą
03-29-2022, 07:43 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟
تفسير سورة التغابن كاملة
الآية 1: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ أي يُنزِّه اللهَ تعالى ويُقَدّسه - ويَنفي عنه كل ما لا يليق بجلاله وعظمته - جميعُ الكائنات التي في السماوات والأرض، (إذ مَعنى كلمة (سبحان الله) أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به)، (حتى الكفار، فإنهم - وإنْ لم يُسَبّحوا اللهَ بلسانهم - فإنهم يُسَبّحونه بحالهم، إذ يَشهدون بفِطرتهم أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر، ويَسجدون له بخضوعهم لأحكامه الجارية عليهم - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وسعادةٍ وشقاء - ولا يستطيعون رَدَّها), ﴿ لَهُ الْمُلْكُ ﴾ أي له سبحانه التصرف المُطلَق في كل شيء, ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾ أي له الثناء الحَسَن الجميل﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء.
الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أيها الناس، ﴿ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ﴾ يعني: فبَعضكم جاحدٌ لألوهيته (إذ يَعبد معه غيره مِن سائر خَلقه)، وبعضكم مؤمنٌ باستحقاقه وحده للعبادة (فيَعبده وحده - على النحو الذي شَرَعه - ولا يُشرك به شيئاً)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم, وسيُجازيكم بها.
♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وإنعامه على خلقه، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ أي ليَعرف العباد عظمة خالقهما فيعبدوه وحده، ويقيموا الحق والعدل فيما بينهم، وللدلالة على قدرته تعالى على البعث بعد الموت (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ أي خَلَقكم سبحانه في أحسن صورة, ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة, فيجازي كُلاً بعمله،﴿ يَعْلَمُ ﴾ سبحانه ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ فلا يغيب عن علمه شيء ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ أي يَعلم سبحانهما تتحدثون به سِرَّاً وما تُظهِرونه لغيركم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور من النِيَّات والخواطر (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تخفون في صدوركم ما لا يُرضيه).
الآية 5، والآية 6: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾؟ يعني ألم يأتكم أيها المُشرِكون خبر الذين كفروا من الأمم الماضية ﴿ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾: يعني فقد أصابهم سُوء عاقبة كُفرهم وتكذيبهم (بالعذاب العاجل في الدنيا) ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في نار جهنم؟، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي العذاب الذي نزل بالمُكَذِّبين السابقين﴿ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بسبب أنّ رُسُلهم جاءتهم بالدلائل القاطعة على صِدق دعوتهم، ﴿ فَقَالُوا ﴾ - مُنكِرينَ مُستكبرين -: ﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾؟ يعني أيُرشدنا بَشَرٌ مِثلنا؟ ﴿ فَكَفَرُوا ﴾ بتوحيد ربهم وكذَّبوا رُسُله ﴿ وَتَوَلَّوْا ﴾ أي أعرَضوا عن الحق فلم يقبلوه﴿ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ﴾ عنهم وعن إيمانهم (فإنه سبحانه لا يَضُرّه ضلالهم شيئًا، وإنما هم يَضُرّون أنفسهم بذلك ضرراً عظيماً)﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ ﴾ عن خلقه وهم المحتاجون إليه، وهو سبحانه ﴿ حَمِيدٌ ﴾ أي مُستحقٌّ للحمد والثناء في كل وقتٍ وحال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته.
الآية 7: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ أي ادَّعوا ادِّعاءً باطلا أنهم لن يُخْرَجوا من قبورهم أحياءً بعد الموت, ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ بَلَى ﴾﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾ يوم القيامة ﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ ﴾ أي سوف يُخبِركم الله ﴿ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ ويُجازيكم عليه ﴿ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾.
الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ فَآَمِنُوا ﴾ أيها المُشرِكون ﴿ بِاللَّهِ ﴾ ربكم ولا تعبدوا غيره (فإنه الذي خَلَقَكم ورزقكم، وهو المُستحِق وحده لعبادتكم)، ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: وآمِنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم (الذي تعرفون صِدقه وأمانته ونَسَبَه وأخلاقه)،﴿ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ وهو القرآن (الذي فيه نورٌ يَكشف الظلمات بِبَيان الحُجَج وكَشْف الحقائق), ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم وأقوالكم, وسيُجازيكم عليها ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ﴾ أي اذكروا يوم يَجمعكم اللهُ من قبوركم إلى الحساب يوم القيامة (الذي يَجمع اللهُ فيه الأوّلين والآخرين)، ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ أي ذلك هو اليوم الذي يَظهر فيه التفاوت بين الخَلق (فأهل الإيمان يكونون في الغرف العاليات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، وأهل الكفر والإصرار على المعاصي يكونون في أسفل سافلين، حيثُ الغم والكرب والعذاب الأليم)، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾ وحده، فيُخلص له العبادة ﴿ وَيَعْمَلْ صَالِحًا ﴾ على النحو الذي شَرَعه اللهُ لعباده: ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ﴾ أي يَمْحُ عنه ذنوبه ﴿ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق كثيرة ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت قصورها وبين أشجارها, ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ (وهُم سُعداء مُرتاحونَ البال، فلا تصيبهم الهموم، ولا يُخَطِّطون لمستقبلهم، ولا يخافونَ منه، بل أصبح كل ما يُشغِلهم هو التلذذ والتمتع بأنواع النعيم والشهوات)، ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الذي لا فوزَ مِثله،﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي جحدوا أن الله هو الإله الحق ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ الواضحة ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ فلا يُفارقهم عذابها، ولا يَستريحونَ منه لحظة، ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ أي: وقَبُحَ ذلك المَرجع الذي صاروا إليه, وهو جهنم.
الآية 11: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ ﴾: يعني ما أصابَ أحدٌ مكروهاً قط (من الأمراض والجوع والموت وسائر الابتلاءات) ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وقضائه وقدره، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾أي يؤمِن بقَدَر الله تعالى، ويؤمِن حِكمته في تدبيره وأفعاله، فيَعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليُصيبه: ﴿ يَهْدِ ﴾ اللهُ ﴿ قَلْبَهُ ﴾ للتسليم بأمره، والرضا بقضائه، فيؤجَر وتَهون عنده المصيبة، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ هدايته للقلب دونَ سائر الأعضاء، لأن القلب هو أصل الهداية، وسائر الأعضاء تابعة له) ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ مِن أحوالكم وما في قلوبكم.
♦ وقد قال "عَلقمة" رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هو الرجلُ تصيبُه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيَرضى ويُسَلِّم)، فأنت تحب اللهَ تعالى، ولذلك يجب أن تحب كل ما يأتي مِن عنده سبحانه، إذ كما يقولون: (كل ما يأتي مِن حبيبك: فهو حبيبك)، فهنيئاً لمن تخلى عن هواه، وأحب ما يحبه مولاه، واستسلم لقضاء الله.
الآية 12: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ ﴾ باتّباع كِتابه ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ باتّباع سُنّته، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾: يعني فإن أعرضتم عن الامتثال للأوامر والنواهي: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾: أي فاعلموا أن الرسول لن يضره إعراضكم، إذ ما عليه إلا البلاغ الواضح لرسالة ربه وقد بَلّغ، وما تضرون بذلك الإعراض إلا أنفسكم.
الآية 13: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحق إلا هو, ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي فليعتمدوا عليه في كل أمورهم.
الآية 14: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ﴾ أي مِن بعض أزواجكم وبعض أولادكم - وليس كلهم - ﴿ عَدُوًّا لَكُمْ ﴾ أي يَصدونكم عن سبيل الله, ويجعلونكم تتكاسلون عن طاعته والتزود للآخرة ﴿ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ أي كونوا منهم على حذر, ولا تطيعوهم في التخلف عن صلاة الجماعة وفِعل الخير، ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا ﴾ يعني: وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم، وتُعرضوا عنها فلا تعاقبوهم عليها, وتستروها عليهم فلا تفضحوهم, ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لمن تجاوَز عن عباده، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بمَن رحم الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 2)، فحينئذٍ يعفو سبحانه عنكم كما عفوتم عن أزواجكم وأولادكم، (واعلم أن العفو: هو عدم المقابلة بالمِثل، والصفح: هو الإعراض عن اللوم والتوبيخ، والمغفرة: هي سِتر الذنوب وعدم فَضْح صاحبها).
الآية 15: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي اختبارٌ مِن الله لعباده، ليَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليها ويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عن عبادته؟ ﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَن اتّقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.
الآية 16، والآية 17، والآية 18: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾: أي ابذلوا أيها المؤمنون جهدكم وطاقتكم في تقوى الله تعالى, فافعلوا ما تقدرون عليه من أوامره, واجتنبوا نواهيه كلها (ومِن ذلك: إعطاء الزوجة والأولاد حقوقهم، بشرط ألاّ يُشغلوكم عن فرائض الله تعالى)،﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ما توعَظون به وافهموه, ﴿ وَأَطِيعُوا ﴾ أمْرَ الله ورسوله ﴿ وَأَنْفِقُوا ﴾ - مما رزقكم الله - يَكُن ﴿ خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ في الدنيا والآخرة﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ يعني: ومَن يُعافيه الله ُمن البخل، وحِرص نفسه على المال، فيُعطي ما زادَ عن حاجته لإخوانه المحتاجين: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾أي الفائزونَ في الدنيا والآخرة، واعلموا أنكم ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾: يعني إن تنفقوا إنفاقًا حسنًا (أي مِن مالٍ حلال - طالبينَ الأجر من الله تعالى - مِن غير أن تمُنُّوا على الفقير): ﴿ يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ﴾ أي يُضاعِف اللهُ لكم أجْر هذا الإنفاق إلى سبعمائة ضعف، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ ذنوبكم ﴿ وَاللَّهُ شَكُورٌ ﴾ أي يُثيب على القليل بالكثير، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ حيثُ لم يُعاجلكم بالعقوبة حين عصيتموه، بل أرشَدكم إلى الإنفاق الذي يَغفر اللهُ به ذنوبكم، وهو سبحانه﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ أي عالم السر والعلانية, وهو ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يُغلَب, ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
تفسير سورة التغابن كاملة
الآية 1: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ أي يُنزِّه اللهَ تعالى ويُقَدّسه - ويَنفي عنه كل ما لا يليق بجلاله وعظمته - جميعُ الكائنات التي في السماوات والأرض، (إذ مَعنى كلمة (سبحان الله) أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به)، (حتى الكفار، فإنهم - وإنْ لم يُسَبّحوا اللهَ بلسانهم - فإنهم يُسَبّحونه بحالهم، إذ يَشهدون بفِطرتهم أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر، ويَسجدون له بخضوعهم لأحكامه الجارية عليهم - مِن غِنىً وفقر، وصحةٍ ومرض، وسعادةٍ وشقاء - ولا يستطيعون رَدَّها), ﴿ لَهُ الْمُلْكُ ﴾ أي له سبحانه التصرف المُطلَق في كل شيء, ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾ أي له الثناء الحَسَن الجميل﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء.
الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أيها الناس، ﴿ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ﴾ يعني: فبَعضكم جاحدٌ لألوهيته (إذ يَعبد معه غيره مِن سائر خَلقه)، وبعضكم مؤمنٌ باستحقاقه وحده للعبادة (فيَعبده وحده - على النحو الذي شَرَعه - ولا يُشرك به شيئاً)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم, وسيُجازيكم بها.
♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض مَظاهر قدرته وإنعامه على خلقه، للاستدلال بذلك على استحقاقه وحده لعبادتهم، وقدرته على بَعْثهم بعد موتهم، فقال:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ أي ليَعرف العباد عظمة خالقهما فيعبدوه وحده، ويقيموا الحق والعدل فيما بينهم، وللدلالة على قدرته تعالى على البعث بعد الموت (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ أي خَلَقكم سبحانه في أحسن صورة, ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة, فيجازي كُلاً بعمله،﴿ يَعْلَمُ ﴾ سبحانه ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ فلا يغيب عن علمه شيء ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ أي يَعلم سبحانهما تتحدثون به سِرَّاً وما تُظهِرونه لغيركم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ أي عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ الصدور من النِيَّات والخواطر (فاحذروا أن يَطَّلع عليكم وأنتم تخفون في صدوركم ما لا يُرضيه).
الآية 5، والآية 6: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾؟ يعني ألم يأتكم أيها المُشرِكون خبر الذين كفروا من الأمم الماضية ﴿ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾: يعني فقد أصابهم سُوء عاقبة كُفرهم وتكذيبهم (بالعذاب العاجل في الدنيا) ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في نار جهنم؟، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي العذاب الذي نزل بالمُكَذِّبين السابقين﴿ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بسبب أنّ رُسُلهم جاءتهم بالدلائل القاطعة على صِدق دعوتهم، ﴿ فَقَالُوا ﴾ - مُنكِرينَ مُستكبرين -: ﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾؟ يعني أيُرشدنا بَشَرٌ مِثلنا؟ ﴿ فَكَفَرُوا ﴾ بتوحيد ربهم وكذَّبوا رُسُله ﴿ وَتَوَلَّوْا ﴾ أي أعرَضوا عن الحق فلم يقبلوه﴿ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ﴾ عنهم وعن إيمانهم (فإنه سبحانه لا يَضُرّه ضلالهم شيئًا، وإنما هم يَضُرّون أنفسهم بذلك ضرراً عظيماً)﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ ﴾ عن خلقه وهم المحتاجون إليه، وهو سبحانه ﴿ حَمِيدٌ ﴾ أي مُستحقٌّ للحمد والثناء في كل وقتٍ وحال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته.
الآية 7: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ أي ادَّعوا ادِّعاءً باطلا أنهم لن يُخْرَجوا من قبورهم أحياءً بعد الموت, ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ بَلَى ﴾﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾ يوم القيامة ﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ ﴾ أي سوف يُخبِركم الله ﴿ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ ويُجازيكم عليه ﴿ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾.
الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ فَآَمِنُوا ﴾ أيها المُشرِكون ﴿ بِاللَّهِ ﴾ ربكم ولا تعبدوا غيره (فإنه الذي خَلَقَكم ورزقكم، وهو المُستحِق وحده لعبادتكم)، ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: وآمِنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم (الذي تعرفون صِدقه وأمانته ونَسَبَه وأخلاقه)،﴿ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ وهو القرآن (الذي فيه نورٌ يَكشف الظلمات بِبَيان الحُجَج وكَشْف الحقائق), ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم وأقوالكم, وسيُجازيكم عليها ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ﴾ أي اذكروا يوم يَجمعكم اللهُ من قبوركم إلى الحساب يوم القيامة (الذي يَجمع اللهُ فيه الأوّلين والآخرين)، ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ أي ذلك هو اليوم الذي يَظهر فيه التفاوت بين الخَلق (فأهل الإيمان يكونون في الغرف العاليات، المشتملة على جميع اللذات والشهوات، وأهل الكفر والإصرار على المعاصي يكونون في أسفل سافلين، حيثُ الغم والكرب والعذاب الأليم)، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾ وحده، فيُخلص له العبادة ﴿ وَيَعْمَلْ صَالِحًا ﴾ على النحو الذي شَرَعه اللهُ لعباده: ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ﴾ أي يَمْحُ عنه ذنوبه ﴿ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق كثيرة ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت قصورها وبين أشجارها, ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ (وهُم سُعداء مُرتاحونَ البال، فلا تصيبهم الهموم، ولا يُخَطِّطون لمستقبلهم، ولا يخافونَ منه، بل أصبح كل ما يُشغِلهم هو التلذذ والتمتع بأنواع النعيم والشهوات)، ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ الذي لا فوزَ مِثله،﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي جحدوا أن الله هو الإله الحق ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ الواضحة ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ فلا يُفارقهم عذابها، ولا يَستريحونَ منه لحظة، ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ أي: وقَبُحَ ذلك المَرجع الذي صاروا إليه, وهو جهنم.
الآية 11: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ ﴾: يعني ما أصابَ أحدٌ مكروهاً قط (من الأمراض والجوع والموت وسائر الابتلاءات) ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ وقضائه وقدره، ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ﴾أي يؤمِن بقَدَر الله تعالى، ويؤمِن حِكمته في تدبيره وأفعاله، فيَعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليُصيبه: ﴿ يَهْدِ ﴾ اللهُ ﴿ قَلْبَهُ ﴾ للتسليم بأمره، والرضا بقضائه، فيؤجَر وتَهون عنده المصيبة، (ولَعَلّ الله تعالى قد ذَكَرَ هدايته للقلب دونَ سائر الأعضاء، لأن القلب هو أصل الهداية، وسائر الأعضاء تابعة له) ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ لا يَخفى عليه شيءٌ مِن أحوالكم وما في قلوبكم.
♦ وقد قال "عَلقمة" رحمه الله في تفسير هذه الآية: (هو الرجلُ تصيبُه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيَرضى ويُسَلِّم)، فأنت تحب اللهَ تعالى، ولذلك يجب أن تحب كل ما يأتي مِن عنده سبحانه، إذ كما يقولون: (كل ما يأتي مِن حبيبك: فهو حبيبك)، فهنيئاً لمن تخلى عن هواه، وأحب ما يحبه مولاه، واستسلم لقضاء الله.
الآية 12: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ ﴾ باتّباع كِتابه ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ باتّباع سُنّته، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾: يعني فإن أعرضتم عن الامتثال للأوامر والنواهي: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾: أي فاعلموا أن الرسول لن يضره إعراضكم، إذ ما عليه إلا البلاغ الواضح لرسالة ربه وقد بَلّغ، وما تضرون بذلك الإعراض إلا أنفسكم.
الآية 13: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحق إلا هو, ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَعَلَى اللَّهِ ﴾ وحده ﴿ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي فليعتمدوا عليه في كل أمورهم.
الآية 14: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ﴾ أي مِن بعض أزواجكم وبعض أولادكم - وليس كلهم - ﴿ عَدُوًّا لَكُمْ ﴾ أي يَصدونكم عن سبيل الله, ويجعلونكم تتكاسلون عن طاعته والتزود للآخرة ﴿ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ أي كونوا منهم على حذر, ولا تطيعوهم في التخلف عن صلاة الجماعة وفِعل الخير، ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا ﴾ يعني: وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم، وتُعرضوا عنها فلا تعاقبوهم عليها, وتستروها عليهم فلا تفضحوهم, ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لمن تجاوَز عن عباده، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بمَن رحم الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء) (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 2)، فحينئذٍ يعفو سبحانه عنكم كما عفوتم عن أزواجكم وأولادكم، (واعلم أن العفو: هو عدم المقابلة بالمِثل، والصفح: هو الإعراض عن اللوم والتوبيخ، والمغفرة: هي سِتر الذنوب وعدم فَضْح صاحبها).
الآية 15: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي اختبارٌ مِن الله لعباده، ليَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليها ويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عن عبادته؟ ﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَن اتّقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.
الآية 16، والآية 17، والآية 18: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾: أي ابذلوا أيها المؤمنون جهدكم وطاقتكم في تقوى الله تعالى, فافعلوا ما تقدرون عليه من أوامره, واجتنبوا نواهيه كلها (ومِن ذلك: إعطاء الزوجة والأولاد حقوقهم، بشرط ألاّ يُشغلوكم عن فرائض الله تعالى)،﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ما توعَظون به وافهموه, ﴿ وَأَطِيعُوا ﴾ أمْرَ الله ورسوله ﴿ وَأَنْفِقُوا ﴾ - مما رزقكم الله - يَكُن ﴿ خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ في الدنيا والآخرة﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ يعني: ومَن يُعافيه الله ُمن البخل، وحِرص نفسه على المال، فيُعطي ما زادَ عن حاجته لإخوانه المحتاجين: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾أي الفائزونَ في الدنيا والآخرة، واعلموا أنكم ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾: يعني إن تنفقوا إنفاقًا حسنًا (أي مِن مالٍ حلال - طالبينَ الأجر من الله تعالى - مِن غير أن تمُنُّوا على الفقير): ﴿ يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ﴾ أي يُضاعِف اللهُ لكم أجْر هذا الإنفاق إلى سبعمائة ضعف، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ ذنوبكم ﴿ وَاللَّهُ شَكُورٌ ﴾ أي يُثيب على القليل بالكثير، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ حيثُ لم يُعاجلكم بالعقوبة حين عصيتموه، بل أرشَدكم إلى الإنفاق الذي يَغفر اللهُ به ذنوبكم، وهو سبحانه﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ أي عالم السر والعلانية, وهو ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يُغلَب, ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.