ربُّنا القويُّ سُبحانه، لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، ولا يَمْنَعُه مانِع، وَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ رَادٌّ، يَنْفُذُ أَمْرُهُ، وَيَمْضِي قَضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ، فعَّالٌ لِمَا يُريد، لا يقع شيءٌ في هذا العالَمِ؛ من حركةٍ أو سُكون، أو خَفْضٍ أو رَفْع، أو عِزٍّ أو ذُل، أو عطاءٍ أو مَنْع إلاَّ بإذنه، يفعل ما يشاء، ولا يُمانَع ولا يُغالَب، قَهَرَ كلَّ شيءٍ، ودان له كُلُّ شيء، شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ: ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ﴾ [الحج: 74].
فاللهُ تعالى تامُّ القُوةِ لَا يَسْتوْلِيْ عَلَيهِ عَجْز فِي حَالٍ مِن الأحْوَالِ، نافِذٌ أمْرُه في أيِّ وقتٍ شاء؛ في أرضه أو سماواته، وهو تبارك وتعالى قويٌّ في بطشِه وعِقابه: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]. فما لنا لا تنقطِعُ قلوبُنا إليه؟! وما لنا لا نعتَمِدُ في مَهامِّنا وحاجاتِنا عليه؟! فما أفقرنا إلى قُوَّتِه وغِناه؟! لا قُوَّة لنا إلاَّ بِقوَّتِه وتوفيقه سُبحانه، ولا حول لنا على اجتناب المعاصي، ودَفْعِ شرور النَّفس إلاَّ به تبارك وتعالى.
ولَمَّا نَسِيَ كثيرٌ من العِباد هذه الحقيقة؛ جرَّهم الشيطانُ إلى الاغترار بِقُوَّتِهم، حتى نَسُوا قُوَّةَ الله، فأخذوا يتمادون في غَيِّهم! وقد قرَّر اللهُ تبارك وتعالى أنَّ القوَّةَ جميعًا له، ولكنَّ الكفارَ لا يُدركون ذلك، ولا يعلمونه إلاَّ في يوم القيامة: ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 165]. فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لِحُكمه، ولا غالب لأمره، يُعزُّ مَنْ يشاء، ويُذل مَنْ يشاء، يَنْصُرُ مَنْ يشاء، ويَخْذُلُ مَنْ يشاء، فالعزيز مَنْ أعزَّه الله، والذَّليل مَنْ أذلَّه الله، والمنصور مَنْ نصره الله، فسبحان اللهِ المَلِكِ القوِيِّ العزيز.
وكثيرًا ما ينسى العِبادُ ضَعْفَهم، ويُبارِزون اللهَ العَدَاءَ، ويُشرِكون به، ويُفسِدون في الأرض، ويتكبَّرون فيها بغير الحق، ولا سيما إذا حباهم اللهُ تعالى بالنِّعمة والمُلْكِ والجاهِ والمالِ والولد؛ وقد حكى اللهُ لنا في كتابه عن أُممٍ عَتَتْ عن أمره ورسلِه، فحاسبها حِسابًا شديدًا، وعذَّبها عذابًا نُكرًا؛ كما وقع لقوم عاد: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]. ولمَّا بلغ التَّحدِّي ذروته، والعصيان قِمَّته وانحلاله؛ أرسل اللهُ عليهم جندًا من جنده: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16]. سبحان الله العظيم! اغتروا بقوةِ أبدانهم، وضخامةِ أجسادهم، وعظيمِ بَطْشِهم في البلاد والعِباد؛ فلم تُغنِ عنهم من عذاب الله من شيء: ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 25].