وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها بعدي إلا هالك»، وقال فيما صح عنه: «ما بُعث من نبي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أُمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم»، وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا.
ولا شك أن من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله، واعتاض عنهما بالقوانين الوضعية - أنه كافر كفرٌ ناقل عن الملة الإسلامية، وكذا من استهزأ بالقرآن أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مختلف أو مختلق، أو أثبت شيئًا نفاه القرآن، أو نفى ما أثبته القرآن فقد كفر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ [الإسراء: 88]، وقال: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].
ولا خلاف بين المسلمين في أن مَن جحد من القرآن سورةً أو آيةً أو كلمةً أو حرفًا متفقًا عليه أنه كافر، وقال علي: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
وكذا من زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، أو زعم أن هدي غير محمد أفضل من هديه صلى الله عليه وسلم، أو أحسن، أو زعم أنه لا يسع الناس في مثل هذه العصور إلا الخروج عن الشريعة، وأنها كانت كافية في الزمان الأول فقط، وأما في هذه الأزمنة، فالشريعة لا تساير الزمن، ولا بد من تنظيم قوانين بما يناسب الزمن، فلا شك أن هذا الاعتقاد إذا صدر من إنسان، فإنه قد استهان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنقصهما ولا شك في كفره وخروجه من الدين الإسلامي بالكلية.
وكذلك من زعم أنه محتاج للشريعة في علم الظاهر دون الباطن، أو في علم الباطن فقط أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، أو أن هذه الشرائع غير منسوخة بدين محمد، أو استهان بدين الإسلام، أو تنقصه أو هزل به، أو بشيءٍ من شرائعه، أو بمن جاء به، وكذلك ألحق بعض العلماء الاستهانة بحملته لأجل حمله، فهذه الأمور كلها كفر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65، 66].
اللهم وفِّقنا لما وفَّقت إليه القوم، وأيقظنا من سنة الغفلة والنوم، وارزقنا الاستعداد لذلك اليوم الذي يربح فيه المتقون، اللهم عاملنا بإحسانك وجُدْ علينا بفضلك وامتنانك، واجعلنا من عبادك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.