لمّا كانت معركة أحد أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خمسين من الرّماة على رأسهم عبد الله بن جُبَيْر، أن يمكثوا في الشّعب ليحموا ظهور المسلمين فلا يبرحون مكانهم مهما كانت النّتيجة، ثمّ حمل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه على المشركين فهزموهم وقَتَل عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) أصحاب اللّواء وأنزل الله نصرته على المسلمين، قال الزّبير: فرأيت هندًا وصواحبها هاربات مصعدات في الجبال نادية خدّامهنّ ما دون أخذهنّ شيء، فلمّا نظرت الرّماة إلى القوم قد انكشفوا ورأوا أصحاب النّبيّ ينتهبون الغنيمة، أقبلوا يريدون النّهب واختلفوا، فقال بعضهم: لا تتركوا أمر الرّسول، وقال بعضهم: ما بقي من الأمر شيء، ثمّ انطلق عامّتهم ولحقوا بالعسكر، فلمّا رأى خالد بن الوليد قلّة الرّماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية، صاح في خيله من المشركين وحمل على أصحاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من خلفهم فهزموهم وقتلوهم ورمى عبد الله بن قميئة الحارثيّ رسول الله بحجر وكسر أنفه ورباعيّته وشجَّه في وجهه فأثقله وتفرّق عنه أصحابه وأقبل يريد قتله فذبّ مصعب بن عمير وهو صاحب راية رسول الله يوم بدر ويوم أحد وكان اسم رايته العقاب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى قتل مصعب بن عمير قتله ابن قميئة، فرجع وهو يرى أنَّه قتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: إنّي قتلت محمدًا وصاح صائح ألا أنَّ محمّدًا قد قتل، ويقال أنّ ذلك الصّائح كان إبليس لعنه الله، ولمّا فشا في النّاس أنّ رسول الله قد قتل، قال بعض المسلمين: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبيّ فيأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان وبعضهم جلسوا وألقوا بأيديهم، وقال أناس من أهل النّفاق: إن كان محمّد قد قتل فالحقوا بدينكم الأول، فقال أنس بن نضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم إن كان قد قتل محمّد فربّ محمّد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله وموتوا على ما مات عليه، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء، يعني المسلمين وأبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء يعني المنافقين، ثمّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتل، ثمّ أنَّ رسول الله انطلق إلى الصّخرة وهو يدعو النّاس، فأوّل من عرف رسول الله كعب بن مالك، قال: عرفت عينيه تحت المغفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا فهذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأشار إليّ أن اسكت فانحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم النّبيّ على الفرار، فقالوا: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمّهاتنا، أتانا الخبر بأنَّك قتلت، فَرُعبتْ قلوبنا فولّينا مدبرين، فأنزل الله تعالى [72] : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ