تحفّز الشفقة البشر على بذل جهدهم لمساعدة الآخرين وأنفسهم لتخطي الأحزان الجسدية، أو الذهنية، أو العاطفية، وغالباً ما تُعد الشفقة تعبيراً عن الحساسية، وهي جانب عاطفي للمعاناة، رغم إمكانية اعتبارها عقلانية بالطبيعة عند إسنادها إلى مفاهيم ذهنية، كالعدالة، والإنصاف والاعتماد المتبادل، وفهم تطبيقها على أنه نشاط مبني على المحاكمة السليمة.
وتتضمن الشفقة "الإحساس بالآخر"، كما تُعد سلفاً لكلمة تعاطف، وهو "الإحساس كما الآخر"، وتُعرّف الشفقة الفعالة بأنها الرغبة بتخفيف معاناة الآخرين،
وتشمل السماح للذات بالتأثر بالمعاناة، والتعبير عن دافع المساعدة في تخفيفه ومنعه، ويقدّر الفعل المعبر عن الشفقة حسب استعداده للمساعدة، وتنطوي ميزات الشفقة على الصبر والحكمة، واللطف والمثابرة، والحنان والتصميم.
وتمثّل الشفقة غالباً –وليس حتماً– المؤلف الرئيسي للإيثار في السياق الاجتماعي، ومن الممكن أن تأخذ الاستجابات المعبرة عنها طابعاً هرمياً، وأبوياً ومسيطراً،
ويختلف التعاطف عن الشفقة بأن الأول يستجيب للمعاناة بالحزن والقلق، بينما تبادر الثانية بالحنان والرعاية.
النظريات
تم تطوير المفاهيم النظرية حول الشفقة عبر الزمن، وتوضّح وجهات النظر الثلاث التالية التباين في تطورها ومقارباتها تجاه الشفقة:
تُعتبر الشفقة مجرد نمط مختلف من الحب أو الحزن، وليس شعوراً مميزاً بذاته.
من منظور علم النفس التطوري، يمكن اعتبار الشفقة حالة شعورية مستقلة يمكن تمييزها عن الكرب، والحزن والحب.تُعد الشفقة مرادفاً للكرب المتعاطف، أي الشعور بالضيق تجاه معاناة الآخر، ويعتمد هذا المنظور على نتيجة أن البشر قد يحاكون مشاعر الآخرين حولهم أحياناً أو يشعرون بها.ويُقرّ علم نفس الشخصية باختلاف البشر وتميزهم عن بعضهم بالوراثة، ما يؤدي إلى الاستنتاج بأن المعاناة تكون فرديّة دوماً وفريدة، علماً أنها قد تنتج عن صدمة نفسية أو اجتماعية، أو رضح جسدي، وقد تطرأ بشكل حاد أو مزمن، وتم تعريف المعاناة بأنها إدراك الدمار الوشيك لكينونة الشخص أو فقدانه لسلامته، وتستمر حتى زوال الخطر أو التمكن من استعادة السلامة الكاملة للشخص.وتم تناول دور الشفقة كعامل مساهم في السلوك الفردي والمجتمعي في جدالات مستمرة، وقد أنشأت دراسات سابقة روابط بين العنف على مستوى التعامل مع الآخرين، والقسوة التي تؤدي إلى اللامبالاة،
وقد تجسد هذا المفهوم عبر التاريخ من خلال الهولوكوست، والإبادة الجماعية، والاستعمار الأوروبي للأمريكيتين، الخ.
وقد تكون الخطوة الأساسية للقيام بتلك الأعمال الوحشية هي اعتبار المعتدي للضحايا بأنهم "ليسوا بشراً" أو "ليسوا مثله"، وقد تمكن العالم من التخفيف عن تلك الجرائم الوحشية المُرتكبة عبر التاريخ البشري بوجود الشفقة وحدها،
والتي قد تمتلك القدرة على إثارة مشاعر اللطف والمغفرة، ما قد يمنح البشر القوة لمنع المواقف الفاجعة، أو التي قد تؤدي إلى العنف أحياناً.
علم النفس العصبي
في عام 2009 أجرت ماري هيلين إيموردينو-يانغ وزملاؤها في معهد الدماغ والإبداع اختباراً صغيراً بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لدراسة مشاعر الشفقة القوية تجاه الألم الاجتماعي والجسدي للآخرين، فتضمن كلا الشعورين تغيراً متوقعاً في نشاط الجزيرة الأمامية، والقشرة الحزامية الأمامية، والوطاء والدماغ المتوسط.
ولكنهم وجدوا نشاطاً قشرياً غير موصوف من قبل يتضمن السطح الإنسي الخلفي لكل من نصفي الكرتين المخيتين، وهي منطقة تتعلق بالوضع الافتراضي لوظائف الدماغ، والعمليات المتعلقة بالذات.
وتتباين مناطق الدماغ التي يزداد نشاطها تبعاً للإحساس بالشفقة حسب نوع ألم الآخرين إن كان جسدياً أم اجتماعياً، ولوحظ بأن النشاط في الجزيرة الأمامية المتعلقة بالشفقة تجاه الألم الاجتماعي يبلغ أوجه بعد ذلك المتعلق بالشفقة تجاه الألم الجسدي، كما أنه صمد لفترة أطول،
كما لاحظ الباحثون تحفيز مشاعر الشفقة وممارساتها لباحات دماغية معنيّة بتنظيم الاستتباب، كالفص الجزيري والوطاء.
الطب
يُعرّف الأطباء مهامهم الرئيسية عموماً بأنها مسؤوليتهم الشخصية بتفضيل متطلبات المرضى في أولوياتهم، بما يتضمن تفادي أذيتهم، وتقديم الرعاية المناسبة، والمحافظة على خصوصياتهم، وفي الحقيقة تُشاهد الشفقة في جميع تلك المهام، لعلاقتها المباشرة بإدراك المعاناة وتدبيرها.ويدرك الأطباء المبادرون بالشفقة تأثير المرض والمعاناة على السلوك البشري، وقد ترتبط الشفقة بشكل وثيق مع الحب والمشاعر التي تتحرض في الحالتين، ويتجسد ذلك في العلاقة بين المرضى والأطباء في المراكز الطبية،
والتي تشكل دليلاً على أن الشفقة شعور اجتماعي، تتعلق بشكل وثيق بالتقارب بين الأفراد.
الشفقة الذاتية
تشمل الشفقة الذاتية اللطف تجاه الذات وتقبّل المعاناة كجزء من الذات البشرية، وتؤدي إلى تأثيرات إيجابية على الحالات الذاتية للسعادة، والتفاؤل، والحكمة، والفضول، والمقبولية، والانفتاح، وقد تزيد بعض النشاطات من الشعور بالشفقة الذاتية أو الاستعداد لممارستها، وتتضمن أحياناً إنشاء تقاليد مليئة بالمحبة واللطف، والمبادرة بالعطف، والحنان والنية الحسنة.