بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد - صلى الله عليه و سلم - المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين { فهديناه النجدين }إن هذا الإنسان مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد مزدوج الاتجاه ..وكلمة مزدوج تعني على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه ( من طين الأرض و من نفخة الله فيه من روحه ) مزود باستعدادات متساوية
للخير و الشر و الهدى والضلال
فهو قادر على التمييز بين ما هو خير و ما هو شر . كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير و إلى الشر سواء . و أن هذه القدرة كامنة في كيانه ، يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة .... " و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها " ... ويعبر عنها
بالهداية تارة ... " فهديناه النجدين " ...
فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد .. و الرسالات و التوجيهات و العوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات و تشحذها و توجهها هنا أو هناك ولكنها لا تخلقها خلقا
لأنها مخلوقة فطرة ، و كائنة طبعا ، و كامنة إلهاما
و هناك إلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان هي التي تناط بها التبعة . فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه و تطهيرها و تنمية استعداد الخير فيها و تغليبه على استعداد الشر .. فقد أفلح .
و من أظلم هذه القوة و خبأها و أضعفها .. فقد خاب .
" قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها " و رحمة من الله بالإنسان لم يدعه لاستعداد فطرته الإلهامي و لا للقوة الواعية المالكة للتصرف ، فأعنه بالرسالات التي تضع له الموازين الثابتة الدقيقة ، و تكشف له عن موحيات الإيمان و دلائل الهدى في نفسه و في الآفاق من حوله .. و تجلو عنه غواشي الهوى فيبصر الحق في صورته الصحيحة
و بذلك يتضح له الطريق وضوحا كاشفا لا غبش فيه ولا شبهة فتنصرف القوة الواعية حينئذ عن بصيرة و إدراك لحقيقة الاتجاه التي تختاره و تسير فيه .