بسم الله الرحمن الرحيم
َألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)
تؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
شبه الله عز وجل الكلمة الطيبة بالشجرة , لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح , والشجرة الطيبة تثمر الثمر التافع , والكلمة الطيبة في الآية الكريمة هي شهادة أن لاإله إلا الله, فإنها تثمر جميع الاعمال الصالحة , الظاهرة والباطنة , فكل عمل صالح مرضٍ لله فهو ثمرة هذه الكلمة ..
وإذا تأملت هذا الشبه رأيته مطايقا لشجرة التوحيد الثابته الراسخة في القلب , التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء
ولاتزال هذه الشجرة تثمر الاعمال الصالحة في كل وقت , بحسب ثباتها في القلب , ومحبة القلب لها , وإخلاصه فيها , ومعرفته بحقيقتها , وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها , فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله الي لاأحسن صبغة منها , فعرف حقيقة الالوهية التي يثبتها قلبه ويشهد لها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن ما سوى الله , وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة غير ناكبة عنها ولاباغية سواها بدلا , كما لايبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا, فلا ريب ان هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لاتزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الرب تعالى , وهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت العمل الصالح إلى الرب تعالى .
وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلما طيبا , يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب . والكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا في كل وقت قال تعالى (ۚإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) 10فاطر
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف مايليق بالرب تبارك وتعالى ويقتضيه علمه الذي تكلم به وحكمته .
فمن ذلك : أن الشجرة لابد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر , كذلك شجرة الإيمان والإسلام , ليطابق المشبه المشبه به , فعروقها : العلم والمعرفة واليقين وساقها الإخلاص , وفروعها : الأعمال وثمرتها : ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة .
فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابا به والإعتقاد مطابقا لماأخبر به عن نفسه والاعمال موافقة للامرعلم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء .
وإذا كان الامر بالعكس , علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة , التي أجتثت من فوق الارض مالها من قرار .
ومنهاأن الشجرة لاتبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها , فإذاقطع عنها السقي أوشكت أن تيبس , فهكذا شجرة الإسلام في القلب ,إن لم يتعاهدها صاحبها يسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح , وإلا أوشكت أن تيبس .
وبالجملة : فالمؤمن دائما سعيه في شيئين : سقي هذه الشجرة , وتنقية ماحولها كي تدوم وتكتمل
فهذا بعض ماتضمنه هذا المثل العظيم ولعلها قطرة من بحر بحسب أذهاننا الواقفة وقلوبنا المخطئة وعلومنا القاصرة وأعمالنا الي توجب التوبة والإستغفار , وإلا فلو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان وزكت النفوس وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله لشاهدنا معاني كلام الله وأسراره وحكمه ماتضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الخلق .
وبهذا تعرف قدر علوم الصحابة ومعرفهم وأن التفاوت الذي بين علومهم وعلوم من بعدهم كالتفاوت بينهم في الفضل , والله أعلم حيث يجعل مواقع فضله ومن يختص برحمته .
ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة التي ليس لها عرق ثابت ولافرع عال ولاثمرة زاكية فلاظل ولاجنى ولاتعلو بل تعلى .
وتحت هذه الآية كنز عظيم وذلك أن العبد لايستغني عن تثبيت الله طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما وقد قال تعالى لأكرم خلقه (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) الإسراء
ومادة التثبيت منشؤه من القول الثابت والفعل الحسن قال تعالى (ۖوَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا )(66)النساء
المرجع : بدائع التفسير لإبن القيم رحمه الله
|
03-25-2019
عضويتي 
من الامثال القرآنية
. 
العرض العادي
