ما أكثر الهموم في حياتنا! همَّ الرزق، وهمَّ المنصب، وهمَّ الجاه، وهمَّ الزوجة، وهمَّ الأولاد، وهمَّ الدراسة، وهمَّ المستقبل المجهول، وهمَّ السعادة المفقودة وهمَّ المرض وهمَّ العدو، وغير ذلك من الهموم وغيرها، فإذا كانت هذه هي الهموم التي تسيطر على حياتنا وسببت لنا التعاسة والشقاء وضنك العيش، فكيف نتعامل معها؟ وكيف نتجاوزها ونقلل من آثارها؟ وإذا كانت كل هذه الهموم دنيوية تدور حول الحياة فأين هَمُّ الآخرة؟ وأين نصيبه من هذا الكمِّ الهائل من الهموم؟ وهو الهمُّ الذي تزول به هموم الدنيا، وبه تحل السعادة والطمأنينة والرضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل الهموم همًّا واحدًا همَّ المعاد كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك»؛ (ابن ماجه، ح 4106). وفي رواية: «من كان همُّه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيَّتُه الدنيا فرَّق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كتب له
إن الإسلام دين واقعي، فعندما أمرنا بتذكُّر الآخرة وما فيها لم يغفل واقع الناس وحياتهم ومتطلباتهم وهمومهم في هذه الحياة، فالدنيا لا شك أنها مليئة بالهموم والمتاعب وقد أمرنا بالسعي فيها وتعميرها، وعندما ذَمَّها الإسلام إنما كان الذم تحذيرًا للإنسان أن ينشغل فيها عن الآخرة؛ فينسى طاعة ربه، وينسى رسالته في تعمير الأرض ودعوة الناس إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة، وتقوية روابط المجتمع، وتقديم النفع، وكفِّ الأذي
إن التبصُّر في ذلك كله يدلك على الهمِّ الأول أو الأكبر في حياتك، فتعرف حينذاك أنك ممن أهمته دنياه أو آخرته قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}