المصابيح آية لخصت الحضارة والأنواع الثلاثة للعقول(4) فى مهارات العقل العميق
العقل الثاني: عقل عميق:
ينظر إلى الأحداث والأشخاص والأحوال والوقائع،
فيعرفها ويدركها، لكنه لا ينشغل بها، ولا يتوقف عندها،
ولا يكتفى بسردها والحديث عنها، بل يرتقى إلى تأمل
ما ورائها من قضايا، وما يتسبب فيها من أفكار،
وكلما طرأت عليه أحداث الحياة بضجيجها
وصخبها وزحامها، انصرف عن ذلك كله إلى ما يحرك
كل ذلك من عوامل، فتتجرد فى نظره كل الأحداث
من أثوابها وزخارفها، حتى يرى بوضوح
من أين تبدأ وتنشأ، وإلى أين تمضى وتؤول،
فهو يرى كل أحداث الحياة من منصة عالية،
تسمو فوق أحداثها الصاخبة المتلاحقة اللاهثة،
فلا ينجرف فى جزئياتها، ولا تغمره بأمواجها،
بل يراها من أعلي، من منظور (عين الطائر)
كما يسميه هواة التصوير، فكأنه طائرٌ حرٌّ،
محلقٌ فوق كل الأحداث، يراها من أعلي،
فإذا هى أمامه واضحة، من بدايتها إلى نهايتها،
يعرف منشأها ومآلها، فيحكم على كل حدث
وعلى كل شيء حكما سديدا، مستوعبا،
فهذا العقل العميق هو الذى يصلح للقيادة،
وهو الذى يعرف كيف يفكّر، وهو الذى ينشأ
على يده البحث العلمى المنهجي،
وهو الذى ينتج الاكتشافات والاختراعات،
وهو الذى يعرف الناسُ منه الحكمة،
الذى يصنع العمران، وربما وظف صاحب
العقل العميق مهاراته وعلومه فى الانحراف
بالعمران إلى العدوان والاستعمار والقتل والتخريب.
العقل الثالث: عقل مستنير: يعرف الأحداث
والأشخاص، ويرصد كل ذلك، ويلم بمجريات
الحياة كالعقل الأول، ثم يغوص إلى أعماقها،
ويرى ما وراءها كالعقل الثاني، ثم يربط كل ذلك بالله،
فإذا به عقل أنارت أمامه الكائنات والحادثات
والوقائع، وزادته ربطا بالمولى سبحانه،
وهو عقل يتأمل، ويحلل، ويفكّر،
فيرى الله تعالى فى كل شيء، فإذا كل واقعة،
وكل شخص، وكل حدث، وكل أمر، وكل قضية،
تسمو به وترتقي، فتذكّره بالله،
وهو يغوص فى أحداث الحياة،
فلا يكون حظه فقط أن يصل إلى الأعماق،
بل هو يصطاد اللؤلؤ، ويلتقط جواهر المعرفة،
ويخرج من كل حدث بزيادة فى إيمانه،
وارتقاء فى سعة معرفته بربه، وهو يرى الحكمة
الإلهية فى كل واقعة، وتبصر عينه مشاهد الجلال
والصنع الإلهى فى كل حدث. «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ»،
فالسماوات، والأرض، واختلاف الليل والنهار،
وما يستكن فيهما من أحداث الخلائق،
وشئون البشر، وأمور المعيشة، وتعاملات الناس،
كل ذلك آيات لأصحاب العقول.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريـــم
الدكتــــور علـــى
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|