ينبني على الوقفة السابقة أن مفهوم حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية ينطلق من أنه إنسان مكرم، وكرامته مصونة من خلال الحفاظ على الضرورات الخمس التي تقوم عليها حياته الكريمة، والتي لا تستقيم حياته وحياة مجتمعه دونها، تلك الضرورات التي فصَّلها الإمام الشاطبي، من أئمة المسلمين في القرن الثامن الهجري (790 هـ) الرابع عشر الميلادي (1388م)، في كتابه الموافقات (1: 31)، يقول: "فقد اتفقت الأمة، بل سائر الملل، على أن الشريعة وُضِعَتْ للمحافظة على الضروريات الخمس، هي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل"[1].
ويمكن التفصيل في كل ضرورة من هذه الضرورات الخمس وتطويعها للواقع المعاصر، وبيان مدى توفرها في المجتمعات، وبيان مدى توافرها في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان (1368هـ/ 1948م)، ونسبة هذا التوافر ومداه، ووجود التشريعات والخطوات التنفيذية التي تفرضه،وليس هذا مجال التفصيل والإطالة في ذلك.
ثم يلي ذلك العناية بالحاجات التي تقوم عليها هذه الضرورات،تلك الحاجات التي فصَّلها الإمام أبو حامد الغزالي، من أئمة المسلمين في القرنين الخامس والسادس الهجريين (450 - 505 هـ)، الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين (1058 - 1112)،ثم جاء أبراهام ماسلو وبنى منها الهرم الاحتياجي، الذي يبدأ بالحاجات العضوية (الفيزيولوجية)، والرغبة في الأمن والأمان والانتماء والحب وتقدير الذات وتحقيق الذات، ثم يصل إلى الحاجة إلى الفهم والمعرفة،ومن المهم أن تعتمد هذه الحاجات وما يتفرَّع عنها وما تقوم عليه، على أنها من الحقوق الأساسية التي تقاس المجتمعات في حضاريتها بمدى توفيرها لأفراد المجتمع[2].
ومِن المهم أيضًا التوكيد أن هذه الحقوق، القائمة على كتاب منزل وحديث صحيح ونهج سلفي قويم، إنما وُضِعت لتُطبَّق، وأيُّ خلل في التطبيق يُحسب على المطبِّقين، ولا يحسب على هذه الحقوق وعلى مَن سنها لبني آدم، بمعنى أن تجاوزها بأي درجة من درجات التجاوز لا يعني عدم صلاحيتها، أو عدم قابليتها للتطبيق، بل يعني خللًا في الفهم، وقد يعني خللًا في التطبيق نفسه، يصل إلى حدِّ التقاعُس في التطبيق، وإنْ لم يكن الخلل في الفهم نفسه، مما يعني أن هذه الحقوق تعدُّ في الثقافة الإسلامية ضروراتٍ تفعيليةً واجبة التنفيذ من أعلى سلطة في البلاد، أكثر من كونها حقوقًا تنظيريةً تعتمد على المناشدة فحسب[3].
والضرورات تقتضي في تحقيقها أن تكون تكاليف لازمة التطبيق على أنها من واجبات المجتمع بسلطاته التي تكفل التحقيق الأمثل لهذه التكليفات، فليست منحةً من السلطات[4].