جوامع الذكر
جوامع الذكر
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَيْتِ جُوَيْرِيَةَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَكَانِ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ، كَرِهَ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا بَعْدَمَا تَعَالَى النَّهَارُ وَهِيَ جَالِسَةٌ فِي مُصَلَّاهَا، فَقَالَ لَهَا: «لَمْ تَزَالِي فِي مَجْلِسِكِ هَذَا»، قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكَ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِجَمِيعِ مَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»[1].
دروس وعبر:
(جُويرِيَةَ) تصغير جارية، وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضِرار الْخُزَاعية، من بني المصطلِق، أم المؤمنين رضي الله عنهما، كان اسمها برَّة، فغيَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جُويرية، فصارت عَلَمًا لها، فلهذا لا ينصرف، سَبَاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الْمُرَيسِيع، وهي غزوة بني المصطلِق في سنة خمس أو ست، وكانت تحت مُسافع بن صفوان المصطلقي، وقد قُتل في هذه الغزوة.
• الأمر بذكره والإكثار منه: «وقد أمر الله تعالى بذكره في كثير من آيات القرآن الكريم، فهو يقول: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]. ويقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، ويقول: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور: 37]، ويحذِّر جل شأنه كثيرًا من الغفلة عن ذكره، فيقول: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، ويقول: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين ﴾ [الزمر: 22]، ويقول: ﴿ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، ويقول: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]، ويقول: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]، ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]، ويقول: ﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ [الجن: 17]، ويقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
وذكر الله بالقلب ميسور في كل حال، وباللسان كذلك، وقد يسَّر الله تعالى الذكر بالقرآن الكريم، وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم نماذجَ من الذكر الجميل والتسبيح والتهليل والتكبير والدعاء الجليل، فهنيئًا للذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا»[2].
فيه: شرف هذا الذكر بأي صيغة من صيغه المذكورة.
وفيه: دليلٌ على فضل هذه الكلمات الجوامع، والأحسن الإتيان بجميع ما ذكر في هذه الروايات.
وقال القرطبيّ رحمه الله: (لوزنتهنَّ)؛ أي: لَرَجَحت عليهنَّ في الثواب، وهو دليلٌ على أن الدعوات، والأذكار الجوامع يحصل عليهنَّ من الثواب، أضعاف ما يحصل على ما ليست كذلك، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الدعوات الجوامع؛ انتهى [3].
(ومنها): بيان أن بعض الأذكار مع وجازة ألفاظه، يكون أكثر من كثير من الألفاظ، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء، ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: ٢١].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|