توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (15)

توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (15)


عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألاَ كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))[1].



توجيهات وتحقيقات الحديث:

كرَّر الحديث التعبير بـ "ألا" ليفيد التأكيد والتنبيه للأمر الذي يُلقَى، وذلك في أول الحديث، وبعد التفصيل وشرح أمثلة من المسؤولية، ختم بما بدأ به؛ ليزيد التأكيد تأكيدًا بقوله: ((ألا فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))، فردَّ العَجُز على الصدر للبيان والتأكيد.



وفي هذا تأكيد أن الإسلام دين العمل والجدِّ، يهيب بأفراده أن يكونوا جادِّين عاملين، لا خاملين ولا كسالى؛ حتى يقومَ كلٌّ منهم بواجبه وبمهمته، فلا يتنصَّل منها؛ وإنما يكون مسؤولاً أمام الله وأمام المجتمع عن عمل يُرجَعُ إليه فيه، ويُحاسب عليه، ويرى أقصَّر في عمله وأهمل، أم أبدع ولم يهمل؟ حتى تنهض أمور المجتمع وتقوى مرافقه وتنشط؛ لخدمة أفراده، ولكلٍّ وجهة هو موليها.



في الحديث تفصيلٌ بعد الإجمال، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته)) أَجْمَل في هذه العبارة، ثم أخذ يُفصِّلها بقوله صلى الله عليه وسلم: "فالإمام، والرجل، والمرأة، وعبدُ الرجل".



"ألا كلُّكم راعٍ": الراعي هو الحافظ الأمين، والسياسي المُدبِّر، الحامي، والسائس الماهر.



"فالإمام الذي على الناس راعٍ": الإمام هو الرئيس والحاكم، فيقال: هو إمامهم، وهم أئمتُهم، وهو أحق بإمامة المسجد، وبأمة المسجد، وهو يَؤمُّ قومه وهم يأتمون به، وهو من أمهات الخير؛ من أصوله ومعادنه.



والظاهر تسميته بـ "الإمام"؛ لأنه يُؤَمُّ من الناس عند حاجتهم ويُقصَدُ.



فمن الناس مَن يصلُحُ لرئاسة الأعمال وتصريف شؤون الناس؛ فيُراقب أعمالهم ما أبدعوا فيه أو قصروا، ويحاسب كلَّ متخاذل أو متوانٍ مقصِّرٍ؛ حتى يجتهد في عمله، ويخدم وطنه، ويراقب ربَّه؛ ليأتي عمله بالثمار المطلوبة.



"والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته": فالرجل يَجلِبُ لأهله المنافع التي تكفل لهم السعادة في حياتهم، ويُجنِّبهم المفاسد والشرور التي تعطِّلُهم أو تسبِّبُ لهم الضياع والفشل، وعليه أن يراقب أعمالهم، ويُوجِّههم التوجيهَ المحمود، وقبل ذلك كله عليه أن يُؤدِّبَهم بأدب الإسلام، ويلزمهم بأحكامه وسلوكه؛ تصديقًا لقول ربنا جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].



"والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم": فهي مسؤولة عن الإنفاق والتدبير، وعن الأدب والتعمير، وخصوصًا البنات، فأمُّهن مسؤولة عنهن في تهذيبهن، وطبعهن بطابع الأدب الإسلامي، وصقلهن بصقال المؤمنات اللائي يعرفن حقوق الله وحقوق الأزواج في مستقبل أيامهن.



"وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه": سواء كانت هذه الرعاية في زراعة، أو تجارة، أو شراء ما يلزم البيت من مأكولات وغيرها؛ فهو مسؤول أمام الله عن تلك الأمانة التي حمَلَها وعمل فيها، ويُحاسَبُ على تقصيره أمام سيده في الدنيا، وفي الآخرة بين يدي الله في يوم الحساب الذي يُؤاخذ فيه كلُّ إنسان بذنبه، ويحمل وزره وحده.



"ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته": دلالة على أن ما سبق إنما كان على سبيل المثال لا الحصر، فأيُّ فرد من أفراد المسلمين مسؤول عما استرعاه الله، بداية من الإمام الراعي الكبير على أحوال الناس، إلى الخادم والعبد الذي يقوم على شؤون صغيرة للأسرة في خارج البيت وداخله؛ ولهذا جاء عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه: أحفِظَ أم ضيَّع؟!))[2].



"فكلُّكم راعٍ": فيه إيجازٌ حُذِف فيه الشرط، وتقديره: إذا علمتم ذلك "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".