عن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسَجَد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» [1].
وعن علي رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: « اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ » [2].
فهل حديث عائشة رضي الله عنها يبين المراد بآخر وتره في حديث علي رضي الله عنه أو هما موضعان مختلفان؟
اختلف أهل العلم في موضع هذا الدعاء.
القول الأول: يدعى به في القنوت: وهو مذهب الأحناف [3] والحنابلة [4] واختاره أبو داود [5] والترمذي [6]والنسائي [7] وابن ماجه [8] والطبراني [9] والحاكم [10].
القول الثاني: يدعى به في آخر دعاء القنوت وبعد الفرغ منه وفي السجود: اختاره ابن القيم [11].
فآخر الوتر أي آخر دعاء القنوت وهو ظاهر الحديث وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ،...» وتقدم [12] أنَّه مرسل وإسناده ضعيف.
ولما يروى عن كعب الأحبار عن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال:
«اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةً، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» [13].
وما بعد السلام يسمى آخرها كحديث المغيرة، بن شعبة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» [14].
القول الثالث: يدعى به بعد الوتر: اختاره عبد الله بن أبي شيبة [15].
لما تقدم في القول الثاني.
القول الرابع: يدعى به في السجود وبعد الوتر: مذهب الشافعية [16] واختاره البيهقي[17].
فيدعى به في السجود لحديث عائشة رضي الله عنها وبعد الفراغ لما تقدم في القول الثاني.
القول الخامس: يدعى به في السجود: وهو مذهب المالكية [18] واختاره عبد الرزاق [19] ومحمد بن نصر المروزي [20] وابن المنذر [21] وابن خزيمة [22] وأبو عوانة الإسفراييني [23] لحديث عائشة رضي الله عنها.
القول السادس: يدعى به في آخر سجدة من الوتر: اختاره الحافظ ابن حجر [24].
لحديث عائشة رضي الله عنها فالمراد بآخر وتره أي السجود قبل السلام.
القول السابع: يدعى به في التشهد: اختاره السندي [25].
فآخر الصلاة حقيقة هو التشهد وهو موضع للدعاء.
الترجيح: الأقوال السابقة تحتملها الأدلة ما عدا قنوت الوتر لما تقدم أنَّه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر حديث عند الحفاظ الشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن عبد البر وغيرهم فحديث علي رضي الله عنه لا بد من صرفه عن ظاهره وكون آخر الوتر التشهد أو بعد السلام محتمل فهو مجمل لكن حديث عائشة رضي الله عنها نص في أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء في سجود قيام الليل فيكون مبيناً لموضع الدعاء فيحمل عليه والله أعلم.