إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ
أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:71-76].
والموضع الثالث الذي يُبين ذلك وهو أصرح من هذا
حيث صرح الله فيه أنه خلقه وهو من جملة الجن وذلك
في سورة الكهف
: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50]،
فهذه الآيات الثلاث توضح الأربع السابقة،
ومن هنا نعلم أن إبليس ليس من الملائكة، وإنما هو
من جملة الجن، وهو أبوهم على قول كثير من
السلف فمن بعدهم .
وأما الاستثناء في قوله تعالى:
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى [طه:116]،
فإن هذا الاستثناء ليس من قبيل الاستثناء المتصل،
وإنما هو من الاستثناء المنقطع بمعنى لكن.
وحقيقة الاستثناء المنقطع هو ما كان المستثنى
من غير جنس المستثنى منه، الاستثناء المتصل أن
تقول: جاء المصلون إلا سعيداً، هذا استثناء
متصل، سعيد هو من جملة المصلين.
والاستثناء المنقطع أن تقول: جاء المصلون إلا عربة
مثلاً، أو جاءت الكتب إلا قنينة، القنينة ليست
من الكتب، أو تقول مثلاً: جاءت الأوراق إلا قلماً،
القلم ليس من الأوراق، فهذا ما يقال له:
الاستثناء المنقطع، تقول: جاءت الثياب إلا كتاباً،
فهذا يقال له: الاستثناء المنقطع، أي لكنّ كتاباً
لم يأتِ، هذا المعنى، وبالتالي
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى [طه:116]،
فسجدت الملائكة لكن إبليس لم يسجد،
فهو ليس من جملة الملائكة، والله تعالى أعلم.
وهنا فائدة أخرى تبعاً -والمقصود هو ما ذكرت-
نجد أن الآيات التي تحدثت عن هذه القضية منها
ما أخبر الله فيه أنه سيخلق آدم في المستقبل،
ويأمر الملائكة أنه إذا خلقه عليهم أن يسجدوا له،
وفي بعض الآيات كما في سورة الأعراف أخبر
قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
[الأعراف:11]، وفي بعضها أنه أمرهم بالسجود: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فما المراد بهذه الآيات؟، هل بينها اختلاف؟.
الجواب: لا، فإن الله أخبر قبل خلق آدم أخبر الملائكة
أنه سيخلق بشراً من صلصال من طين، ثم قال لهم:
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ص:72]،
يعني: أن السجود محله بعد نفخ الروح في آدم ،
فالله أخبر الملائكة قبل أن يخلقه من طين، وقبل أن
ينفخ فيه من روحه، أخبرهم أنه سيخلقه، فإذا خلقه
ونفخ فيه من روحه عليهم أن يسجدوا له، فهذا
كما في سورة الحجر.
وفي الموضع الآخر الذي في سورة الأعراف: