دره العشق
11-04-2020, 09:41 PM
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}؟
الاجابة:
يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي المُنَافِقِينَ، الذِينَ يُصَلُّونَ في العَلَانِيَةِ ولا يُصَلُّونَ في السِّرِّ.
ولهذا قَالَ: ﴿لِلْمُصَلِّينَ﴾ أي: الذِينَ هُمْ من أَهْلِ الصَّلَاةِ وقد الْتَزَمُوا بِهَا، ثمَّ هُمْ عَنهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَن فِعْلِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَن فِعْلِهَا في الوَقْتِ المُقَدَّرِ لَهَا شَرْعَاً، فَيُخْرِجُهَا عن وَقْتِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.
وجَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَن الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِن الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟
فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِن الظُّهْرِ.
قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ؛ فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعَاً، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً».
وبناء على ذلك:
فالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَن المُنَافِقِينَ، وعَن العَذَابِ الشَّدِيدِ الذي تَوَعَّدَ اللهُ تعالى بِهِ الذينَ هُم عَن صَلاتِهِم لاهُونَ، ولا يُقِيمُونَهَا على وَجْهِهَا، ولا يُؤَدُّونَهَا في وَقْتِهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.
قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
فَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.
وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.
وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما معنى قول الله عز وجل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وماذا يجب على المسلم أن يفعله نحو غير أهل دينه؟
الاجابة :
رَبُّنَا عزَّ وجلَّ نَهَى المُؤْمِنِينَ عَن سَبِّ أَوْثَانِ الكُفَّارِ وَأَصْنَامِهِم، لِعِلْمِهِ تعالى أَنَّ المُؤْمِنِينَ إذا سَبُّوهَا ازْدَادَ هؤلاءِ الكُفَّارِ كُفْرَاً ونُفُورَاً، فَيَسُبُّوا المُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ مَا سَبُّوهُم بِهِ.
وحُكْمُ هذهِ الآيَةِ كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ بِاقٍ في هذهِ الأُمَّةِ على كُلِّ حَالٍ، فَمَتَى كَانَ الكَافِرُ في مَنَعَةٍ وخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الإِسْلامَ أو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أو اللهَ عزَّ وجلَّ، فلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُم ولا دِينَهُم ولا كَنَائِسَهُم، ولا يَتَعَرَّضَ إلى مَا يُؤَدِّي إلى ذلكَ، لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ البَعْثِ على المَعْصِيَةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ المُجَادِلَةِ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
ومَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لا يَجْتَمِعُ إِيمَانٌ وَوُدٌّ لأَهْلِ الكُفْرِ الذينَ يُكَذِّبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فالعَبْدُ المُؤْمِنُ لا يَكُونُ مُؤْمِنَاً كَامِلاً إلا إذا عَمِلَ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ، ومن مُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مَحَبَّةُ أَهْلِ الإِيمَانِ، وبُغْضُ أَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، وَلَو كَانُوا من أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ.
والوُدُّ مَكَانُهُ القَلْبُ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، فالمُؤْمِنُ لا يَمِيلُ بقَلْبِهِ ولا يَكُونُ في قَلْبِهِ وِدَادٌ لأَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، ولَكِنْ يُعَامِلُهُم في الظَّاهِرِ بالحُسْنَى، وذلكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. ولِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً﴾. ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فالمُؤْمِنُ يُخَالِطُ النَّاسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُم، ويُخَالِطُهُم بالمَعْرُوفِ والخُلُقِ الحَسَنِ ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، وأَمَّا بالنِّسْبَةِ لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُ لا يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾. والرُّكُونُ مَحَلُّهُ القَلْبُ، ولَكِنْ يُخَالِطُهُ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ظَاهِرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. هل هذا يشمل أمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
الاجابة :
قُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا من الشِّدَّةِ والعَظَمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هذا إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ، فَإِنَّهَا تَزْفُرُ زَفْرَةً لا يَبْقَى أَحَدٌ إلا جَثَا لِرُكَبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ، وَيَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، وحَتَّى أَن عِيسَى لَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ التي وَلَدَتْنِي.
وجَاءَ في تَفْسِيرِ البَحْرِ المَدِيدِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. من هَيْبَةِ المُتَجَلِّي بِاسْمِهِ القَهَّارِ، لا يَنْجُو مِنْهَا خَاصٌّ ولا عَامٌّ؛ لأَنَّ الطَّبْعَ البَشَرِيَّ يَثْبُتُ عِنْدَ صَدَمَاتِ الجَلَالِ.
وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. يَشْمَلُ جَمِيعَ الأُمَمِ، بِمَا فِيهَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. يَعْنِي إلى كِتَابِ أَعْمَالِهَا، فَهُوَ الحَكَمُ فِيهَا، إِنْ كَانَ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وإِنْ كَانَ شَرَّاً فَشَرٌّ، فَيَسْتَبْشِرُ المُجْتَهِدُونَ، ويَحْزَنُ المُبْطِلُونَ ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.
ويُؤَكِّدُ هذا كذلكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يَعْنِي كِتَابَ الأَعْمَالِ التي دَوَّنَتْهُ الحَفَظَةُ، وبَعْدَهَا تَأْتِي النَّتَائِجُ لِجَمِيعِ الأُمَمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمَاً مُجْرِمِينَ﴾. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. والسؤال: ما معنى قول الله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. يَعْنِي: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ للمُشْرِكِينَ: هَلْ من هؤلاءِ الشُّرَكَاءِ مَن يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ عَابِدِيهِ إلى الحَقِّ بِبَيَانِهِ أَو بِإِلْهَامِهِ؟ فَجَوَابُهُم قَطْعَاً: لا.
فَإِذا أَجَابُوا بذلكَ، فَقُلْ لَهُمْ: ﴿اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. وهُوَ وَحْدَهُ الهَادِي إلى الحَقِّ بالأَدِلَّةِ والبَرَاهِينِ، وبِالإِلْهَامِ والتَّوْفِيقِ، ثمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾. يَعْنِي: أَيُّهُمَا أَوْلَى بالاتِّبَاعِ، الذي يَهْدِي إلى الحَقِّ، ويُبَصِّرُ بَعْدَ العَمَى، أَم الذي لا يَهْدِي إلى شَيْءٍ إلا أَنْ يُهْدَى لِعَمَاهُ وبُكْمِهِ؟ كَمَا قَالَ تعالى إِخْبَارَاً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئَاً﴾.
وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾. يَعْنِي: الذي لا يَهْتَدِي ولا يَقْبَلُ الهِدَايَةَ، كَيْفَ يَكُونُ هَادِيَاً غَيْرَهُ؟
فاللهُ تعالى الذي خَلَقَ الخَلْقَ هَدَاهُمْ وبَيَّنَ لَهُمُ الغَايَةَ من خَلْقِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. أَمَّا هذهِ الأَصْنَامُ مَا خَلَقَتْ شَيْئَاً، فَضْلاً عَن أَنْ تَكُونَ هَادِيَةً. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى في سورة الزمر: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. والسؤال: هل الضمير في قوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}. يعود على الملائكة الحافين من حول العرش؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
فاللهُ تعالى لَمَّا قَضَى الأَمْرِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وأَنْزَلَ كُلَّاً في المَحَلِّ الذي يَلِيقُ بِهِ، ويَصْلُحُ لَهُ، أَخْبَرَ تَبَارَكَ وتعالى عَن مَلائِكَتِهِ أَنَّهُم مُحَدِّقُونَ حَوْلَ العَرْشِ المَجِيدِ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم، ويُمَجِّدُونَهُ، ويُعَظِّمُونَهُ، ويُقَدِّسُونَهُ ويُنَزِّهُونَهُ عَن النَّقَائِصِ والجَوْرِ، وَقَد فَصَّلَ القَضِيَّةَ، وَقَضَى الأَمْرَ، وَحَكَمَ بالعَدْلِ؛ ولهذا قَالَ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. أي: بَيْنَ الخَلَائِقِ ﴿بِالْحَقِّ﴾.
ثمَّ قَالَ: ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أي: وَنَطَقَ الكَوْنَ أَجْمَعُهُ ـ نَاطِقُهُ وَبَهِيمُهُ ـ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بالحَمْدِ في حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ؛ ولهذا لَمْ يُسْنِدِ القَوْلَ إلى قَائِلٍ، بَلْ أَطْلَقَهُ، فَدَلَّ على أَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ شَهِدَتْ لَهُ بالحَمْدِ.
قَالَ قَتَادَةُ: اِفْتَتَحَ الخَلْقَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ﴾. وَاخْتَتَمَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وبناء على ذلك:
فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. يَعُودُ على البَشَرِ الذينَ قَضَى اللهُ بَيْنَهُم، وسِيقَ كُلُّ قَوْمٍ إلى المَقَامِ الذي يُنَاسِبُهُ، فالمُؤْمِنُونَ حَمِدُوا اللهَ تعالى أَولاً على النِّعَمِ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. ثمَِّ بَعْدَ ذلكَ يَحْمَدُونَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ العِنْدِيَّةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
يتبع
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ أحمد شريف النعسان
ما تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}؟
الاجابة:
يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي المُنَافِقِينَ، الذِينَ يُصَلُّونَ في العَلَانِيَةِ ولا يُصَلُّونَ في السِّرِّ.
ولهذا قَالَ: ﴿لِلْمُصَلِّينَ﴾ أي: الذِينَ هُمْ من أَهْلِ الصَّلَاةِ وقد الْتَزَمُوا بِهَا، ثمَّ هُمْ عَنهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَن فِعْلِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَن فِعْلِهَا في الوَقْتِ المُقَدَّرِ لَهَا شَرْعَاً، فَيُخْرِجُهَا عن وَقْتِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.
وجَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَن الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِن الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟
فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِن الظُّهْرِ.
قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ؛ فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعَاً، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً».
وبناء على ذلك:
فالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَن المُنَافِقِينَ، وعَن العَذَابِ الشَّدِيدِ الذي تَوَعَّدَ اللهُ تعالى بِهِ الذينَ هُم عَن صَلاتِهِم لاهُونَ، ولا يُقِيمُونَهَا على وَجْهِهَا، ولا يُؤَدُّونَهَا في وَقْتِهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.
قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
فَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.
وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.
وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما معنى قول الله عز وجل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وماذا يجب على المسلم أن يفعله نحو غير أهل دينه؟
الاجابة :
رَبُّنَا عزَّ وجلَّ نَهَى المُؤْمِنِينَ عَن سَبِّ أَوْثَانِ الكُفَّارِ وَأَصْنَامِهِم، لِعِلْمِهِ تعالى أَنَّ المُؤْمِنِينَ إذا سَبُّوهَا ازْدَادَ هؤلاءِ الكُفَّارِ كُفْرَاً ونُفُورَاً، فَيَسُبُّوا المُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ مَا سَبُّوهُم بِهِ.
وحُكْمُ هذهِ الآيَةِ كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ بِاقٍ في هذهِ الأُمَّةِ على كُلِّ حَالٍ، فَمَتَى كَانَ الكَافِرُ في مَنَعَةٍ وخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الإِسْلامَ أو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أو اللهَ عزَّ وجلَّ، فلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُم ولا دِينَهُم ولا كَنَائِسَهُم، ولا يَتَعَرَّضَ إلى مَا يُؤَدِّي إلى ذلكَ، لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ البَعْثِ على المَعْصِيَةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ المُجَادِلَةِ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
ومَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لا يَجْتَمِعُ إِيمَانٌ وَوُدٌّ لأَهْلِ الكُفْرِ الذينَ يُكَذِّبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فالعَبْدُ المُؤْمِنُ لا يَكُونُ مُؤْمِنَاً كَامِلاً إلا إذا عَمِلَ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ، ومن مُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مَحَبَّةُ أَهْلِ الإِيمَانِ، وبُغْضُ أَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، وَلَو كَانُوا من أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ.
والوُدُّ مَكَانُهُ القَلْبُ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، فالمُؤْمِنُ لا يَمِيلُ بقَلْبِهِ ولا يَكُونُ في قَلْبِهِ وِدَادٌ لأَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، ولَكِنْ يُعَامِلُهُم في الظَّاهِرِ بالحُسْنَى، وذلكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. ولِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً﴾. ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فالمُؤْمِنُ يُخَالِطُ النَّاسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُم، ويُخَالِطُهُم بالمَعْرُوفِ والخُلُقِ الحَسَنِ ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، وأَمَّا بالنِّسْبَةِ لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُ لا يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾. والرُّكُونُ مَحَلُّهُ القَلْبُ، ولَكِنْ يُخَالِطُهُ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ظَاهِرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. هل هذا يشمل أمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟
الاجابة :
قُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا من الشِّدَّةِ والعَظَمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هذا إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ، فَإِنَّهَا تَزْفُرُ زَفْرَةً لا يَبْقَى أَحَدٌ إلا جَثَا لِرُكَبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ، وَيَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، وحَتَّى أَن عِيسَى لَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ التي وَلَدَتْنِي.
وجَاءَ في تَفْسِيرِ البَحْرِ المَدِيدِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. من هَيْبَةِ المُتَجَلِّي بِاسْمِهِ القَهَّارِ، لا يَنْجُو مِنْهَا خَاصٌّ ولا عَامٌّ؛ لأَنَّ الطَّبْعَ البَشَرِيَّ يَثْبُتُ عِنْدَ صَدَمَاتِ الجَلَالِ.
وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. يَشْمَلُ جَمِيعَ الأُمَمِ، بِمَا فِيهَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. يَعْنِي إلى كِتَابِ أَعْمَالِهَا، فَهُوَ الحَكَمُ فِيهَا، إِنْ كَانَ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وإِنْ كَانَ شَرَّاً فَشَرٌّ، فَيَسْتَبْشِرُ المُجْتَهِدُونَ، ويَحْزَنُ المُبْطِلُونَ ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.
ويُؤَكِّدُ هذا كذلكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يَعْنِي كِتَابَ الأَعْمَالِ التي دَوَّنَتْهُ الحَفَظَةُ، وبَعْدَهَا تَأْتِي النَّتَائِجُ لِجَمِيعِ الأُمَمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمَاً مُجْرِمِينَ﴾. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. والسؤال: ما معنى قول الله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. يَعْنِي: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ للمُشْرِكِينَ: هَلْ من هؤلاءِ الشُّرَكَاءِ مَن يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ عَابِدِيهِ إلى الحَقِّ بِبَيَانِهِ أَو بِإِلْهَامِهِ؟ فَجَوَابُهُم قَطْعَاً: لا.
فَإِذا أَجَابُوا بذلكَ، فَقُلْ لَهُمْ: ﴿اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. وهُوَ وَحْدَهُ الهَادِي إلى الحَقِّ بالأَدِلَّةِ والبَرَاهِينِ، وبِالإِلْهَامِ والتَّوْفِيقِ، ثمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾. يَعْنِي: أَيُّهُمَا أَوْلَى بالاتِّبَاعِ، الذي يَهْدِي إلى الحَقِّ، ويُبَصِّرُ بَعْدَ العَمَى، أَم الذي لا يَهْدِي إلى شَيْءٍ إلا أَنْ يُهْدَى لِعَمَاهُ وبُكْمِهِ؟ كَمَا قَالَ تعالى إِخْبَارَاً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئَاً﴾.
وبناء على ذلك:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾. يَعْنِي: الذي لا يَهْتَدِي ولا يَقْبَلُ الهِدَايَةَ، كَيْفَ يَكُونُ هَادِيَاً غَيْرَهُ؟
فاللهُ تعالى الذي خَلَقَ الخَلْقَ هَدَاهُمْ وبَيَّنَ لَهُمُ الغَايَةَ من خَلْقِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. أَمَّا هذهِ الأَصْنَامُ مَا خَلَقَتْ شَيْئَاً، فَضْلاً عَن أَنْ تَكُونَ هَادِيَةً. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
السؤال :
يقول الله تعالى في سورة الزمر: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. والسؤال: هل الضمير في قوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}. يعود على الملائكة الحافين من حول العرش؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
فاللهُ تعالى لَمَّا قَضَى الأَمْرِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وأَنْزَلَ كُلَّاً في المَحَلِّ الذي يَلِيقُ بِهِ، ويَصْلُحُ لَهُ، أَخْبَرَ تَبَارَكَ وتعالى عَن مَلائِكَتِهِ أَنَّهُم مُحَدِّقُونَ حَوْلَ العَرْشِ المَجِيدِ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم، ويُمَجِّدُونَهُ، ويُعَظِّمُونَهُ، ويُقَدِّسُونَهُ ويُنَزِّهُونَهُ عَن النَّقَائِصِ والجَوْرِ، وَقَد فَصَّلَ القَضِيَّةَ، وَقَضَى الأَمْرَ، وَحَكَمَ بالعَدْلِ؛ ولهذا قَالَ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. أي: بَيْنَ الخَلَائِقِ ﴿بِالْحَقِّ﴾.
ثمَّ قَالَ: ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أي: وَنَطَقَ الكَوْنَ أَجْمَعُهُ ـ نَاطِقُهُ وَبَهِيمُهُ ـ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بالحَمْدِ في حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ؛ ولهذا لَمْ يُسْنِدِ القَوْلَ إلى قَائِلٍ، بَلْ أَطْلَقَهُ، فَدَلَّ على أَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ شَهِدَتْ لَهُ بالحَمْدِ.
قَالَ قَتَادَةُ: اِفْتَتَحَ الخَلْقَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ﴾. وَاخْتَتَمَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وبناء على ذلك:
فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. يَعُودُ على البَشَرِ الذينَ قَضَى اللهُ بَيْنَهُم، وسِيقَ كُلُّ قَوْمٍ إلى المَقَامِ الذي يُنَاسِبُهُ، فالمُؤْمِنُونَ حَمِدُوا اللهَ تعالى أَولاً على النِّعَمِ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. ثمَِّ بَعْدَ ذلكَ يَحْمَدُونَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ العِنْدِيَّةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.
يتبع
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
موقع الشيخ أحمد شريف النعسان