تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "مفهوم القصة القرآنية"


بنت الشام
10-18-2020, 09:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مفهوم القصة القرآن

د. يوسف حسن نوفل




حقق القصص القرآني غايات سامية في إطار ما صوّر من المواقف، وما تضمنه من معنى، وكان في ذلك مثلاً أعلى في عرض حقائق التاريخ، وفي الإشارة إلى معالم تاريخ البشرية، وصور سلوكها، وتأمل مواقف الأمم، برجالاتها ونسائها، بما في ذلك من خير وشر، صلاح وفساد، وكان لهذا الفن القصصي فضل الكشف عما طمسته الأيام والسنون، ومحاه النسيان والتقادم، {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164].

ولم يكن ذلك الاستدعاء التاريخي لبعض مظاهر القديم في جوانب منه ضرباً من التذكير العارض، أو التشويق السطحي، بل كان مثار توجيه ونصح وإرشاد، وموطن تذكير لأولي الألباب، ومثابة تقوية للعزيمة والهمة، فهو يؤنس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويسلِّيه، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِي الأَْلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وقد كانت هذه الآية آخر آية في سورة يوسف، بعد أن استغرقت قصة يوسف السورة كلها، باستثناء آيتي الافتتاح، وباستثناء ما سبق الآية الأخيرة بدءاً من قوله تعالى تعقيباً على قصة يوسف: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوْحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102].

وقامت القصة القرآنية بمهمة جليلة، هي: التذكير العملي الواقعي الحيّ، تطبيقاً لقول الله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].

ومنهج التذكير هذا، يتجلى في القصة غايةً ووسيلة معاً، وليس أدلّ على ذلك من تتبع ظاهرة عامة، في معظم قصص الأمم السابقة البائدة، هذه الظاهرة، هي بدء القصة بالعبرة منها، وهي الادّكار والاتّعاظ، فهذه جملة قرآنية تتكرر في القرآن الكريم أربع مرات وهي: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}

نراها في أربع صور في قصة أربع أمم هكذا:
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ عَادٌ} [القمر: 17].
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [القمر: 22].
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} [القمر: 32].
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر: 40].

وعلاوة على أن هذه الآيات كلها مكية، نجدها كلها في سورة القمر، ثم تتكرر في السورة عبارات عن ((كذب)) هؤلاء الأقوام، وسوق العذاب والنُّذُر لهم، كل ذلك في سورة عدد آياتها 54 آية.

وهذا المنهج القصصي التذكيري، يتلاءم مع المنهج القرآني العام، المتمثل في الهداية والرحمة والإبانة:
{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69].
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ} [البقرة: 185].

والاتباع:
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18].

والتذكير:
{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى} [الأعلى: 6].
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا} [الإسراء: 41].
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1].
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45].
{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106].

وضرب المثل:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الإسراء: 89].
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف: 54].
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58].

والتدبّر، وتثبيت الفؤاد:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82].
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: 111].
{وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].

والإنذار:
{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [1-ق].
{وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} [113-طه].
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [7-الشورى].
{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ} [19-الأنعام].

هذا إلى جانب التعقل والتفكر، والعلم...، والإخبار:
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} [101-الأعراف]، ومثلها [99-طه].

وهذا المنهج المتكامل من استحضار الأحداث والعبر، والتذكير، وتسلية الرسول وإيناسه والهداية والرحمة والإبانة، والإتباع، وضرب المثل، والتدبر، والإنذار وغير ذلك من أسرار المنهج الإلهي العظيم، استدعى أن يستند هذا الأسلوب العظيم، على مصطلح له اشتقاقه المتناسب مع الغوص في أعماق التاريخ، وتأمل سلوك الأمم والملوك والرعايا بما في ذلك من قصّ الأثر وتتبعه والنظر فيه: قصصت الأثر، واقتصصته، وتقصصته، وخرجت في أثر فلان قصصاً، قال تعالى: {وَقَالَتْ لأُِخْتِهِ قُصِّيهِ} [11-القصص]، {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [64-الكهف].

ولقد أشرنا إلى الآية الأخيرة من سورة يوسف {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ...}، وكانت الآية الثالثة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ...}، ويأتي التعبير نفسه مع سورة تتشابه مع سورة يوسف في اهتمامها بعرض قصة متكاملة تستغرق آيات السورة في معظمها، مع مقدمات وخواتيم موجزة، هذه السورة هي سورة الكهف، التي تبدأ القصة منذ الآية التاسعة بعد التمهيد الضروري، حتى الآية 26، ثم ترد قصص أخرى، وفي أثناء ذلك نجد قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [13-الكهف].

وتتوالى آيات القص:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُون} [76-النمل].
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [176-الأعراف].
{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} [25-القصص].
{قَصَصْنَا عَلَيْكَ} [118-النحل]، [78-غافر].
{قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ..} [164-النساء].

وحملت سورة من سور القرآن الكريم اسم ((القصص)) وعدد آياتها 88 آية.

وكان القصص الديني عملاً من رسالات الأنبياء، له غايته السامية العظيمة:
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [130-الأنعام].
{إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [35-الأعراف].
{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [176-الأعراف].

وفي تأمل هذه الأبيات التي تضمنت غايات القص وغيرها، تبين ارتباط القص بغايات مهمة هي: الحديث، والنّبأ، والخبر.

ومن الحديث:
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [9-طه].
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [13-الكهف].

ومن الخبر:
{وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [31-محمد].

وهكذا نقف على معنى القصص القرآني المرتبط بغاية سامية، والمستند إلى مادة وفيرة، عمرها القرون المتعاقبة، وأن الحدث والحديث، والخبر، والنبأ فيها هو مما يعجز عن استيعابه راوٍ أو قصاص من البشر؛ لأنه يتطلب الاستقصاء إلى أبعد مدى، والتوغل إلى أقصى غاية؛ توظيفاً لهذا الاستدعاء التراثي البعيد، في تبليغ الرسالة، وتأدية الأمانة، أمانة النبيّ الذي اشتق لقبه من مادة النبأ والإنباء، وهي جزء من صميم القصص حيث:
{أنباء القرى} [100-هود]، {أنباء الغيب} [49-هود]، و{نبأ موسى} [3-القصص]، {ونبأ أهل الكهف} [13-الكهف] و((أخبار)) أولئك جميعاً وغيرهم.

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
10-18-2020, 09:43 PM
,,~

جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~

,,~

بنت الشام
10-18-2020, 10:06 PM
اسعدني جدا مرورك .. ربي يعافيك ويسعدك

الأمير
10-19-2020, 07:14 AM
بآرك الله جهودكم
طرح رآئع سلمت الأنآمل
ننتظر جديدكم بكل شوق
الله يعطيكم الصحة والعآفية
https://f.top4top.io/p_1737t1sdr0.jpg (https://top4top.io/)

شيخة رواية
10-19-2020, 07:26 AM
موضوع في قمة الروعه

لطالما كانت مواضيعك متميزة

وسام العز
10-19-2020, 12:18 PM
جزاك الله خيراً
على الموضوع الرائع والمميز
دام لنا تميزك وحضورك الرائع
لك مني ارق التحايا
وخالص التقدير والاحترام

خالد الشاعر
10-19-2020, 01:19 PM
جزاكى المولى الجنه
وجعله المولى شاهداً لكى لا عليكى
لاعدمنا روعتكِ
ولكى احترامي وتقديري

بنت الشام
10-19-2020, 03:44 PM
كل الشكر لمروركن الجميل

جوهره
10-19-2020, 06:23 PM
جزاك الله كل خير
طرح رائع يحمل الخير بين سطوره
ويحمل الابداع في محتواه
سلمت يمينك

نور القمر
10-19-2020, 06:23 PM
جّلبْ انيَيق وَمميُز
وَعِطاءْ رآقيُ وَجميلْ ..
تسِلم ايُديكْ يــآربَ ..
ولاعَدمنا جمُآل إطِلالتك
تقِديُري ِ ،’

بنت الشام
10-19-2020, 08:03 PM
بشكركن ع الحضور والتواجد الرائع

سمارا
10-20-2020, 03:47 PM
بارك الله فيك على الطرح القيم
جزاك ربك خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك
دمت بحفظ الرحمن

سمأأأأأرا

بنت الشام
10-20-2020, 08:31 PM
منورين. يسلمو

روحي تبيك
10-27-2020, 06:27 AM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

ابوصالح S
11-30-2020, 03:17 PM
جزاك الله خير
وجعله فى ميزان حسناتك
وانار دربك بالايمان
ويعطيك العافيه على طرحك
دمت بحفظ الله ورعآيته

بنت الشام
11-30-2020, 04:04 PM
بشكركن ع المرور

شيخة المزايين
02-01-2021, 08:22 AM
جزاك الله خير
جعله الله بميزان حسناتك

Şøķåŕą
01-12-2022, 08:46 AM
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي

هالة
01-12-2022, 09:22 AM
يعطيكـ الف الف عآاافيهـ ...::
على رووعة وجمالية الطرح ...
بانتظار جديدك بكل شوق ..

بنت الشام
01-12-2022, 03:15 PM
يسسلمو علي المرور

Şøķåŕą
09-19-2023, 05:25 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير