تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خشخشة


دره العشق
09-20-2020, 10:59 PM
كانت في غرفتها الحالكة ممددة على الحصير , تنظر إلى السقف بإمعان ثم بحركة خاطفة تحجبه عنها بأصابع يدها و كأنها قضبان , ثم تعود فتنظر إلى السقف مرة أخرى , و هكذا . كانت نظراتها تنتقل بالتناوب بين أصابع يدها و السقف دون سبب واضح . ربما رأت أن المرء يسمح له أحيانا بأن يقضي على الفراغ بأية وسيلة متاحة دون التدقيق في الأسباب التي تدعوه لهذه الوسائل .
الأجواء في البيت ساكنة و كأنه مقبرة , مع أن الجميع كانوا موزعين بين غرفتين أخريين و مطبخ ضيق و حمام و حديقة اعتادت دجاجات الجارة أن تتسلل إليها لتنال نصيبها من قوت - الله وحده يعلم - كيف تستدل عليه وسط هذا البؤس المدقع , و لكنهم على ما يبدو قد نذروا هذا اليوم للصمت .
إلى أن تناهت إلى مسمع الطفلة خشخشة أكياس , فوثبت سريعا و دست أرجلها الصغيرة في فردتي قبقابها كيفما اتفق ثم انطلقت تجري نحو مصدر الصوت و هي تنادي : " بابا .. بابا .. هل عدت؟ ماذا أحضرت ؟.. هل جئتني بها ؟ .. ؟ " . لقد توقعت بحكم العادة أن يكون القادم أباها , فلا أحد سواه ترافقه خشخشة الأكياس , و قد كانت تتحرق شوقا إلى هذه الخشخشة اليوم بالذات , لأن أباها وعدها بأن يشتري لها في هذا اليوم تلك اللعبة الضخمة ذات الأزرار الكثيرة و المصابيح المضيئة , و التي رأت مثيلتها لدى ابنة جيرانهم المتبجحة , و التي كانت دائما تستعرض هذه اللعبة أمامها قائلة بزهو و اعتزاز : " انظري كيف إذا وضعت قطعة نقدية من فئة مائة مليم في هذا الدرج ثم دفعته تجري تلك الكرة و تتواثب في تلك المتاهة دون عناء؟ " . لقد ظل هذا الغرور يعصرها عصرا و يشعرها بأن امتلاك لعبة مماثلة هي مسألة حياة أو موت . و قد رجت فعلا أباها أن يشتري لها تلك اللعبة , و قد دلته مرارا على المحل الذي يعرض هذا النوع من الألعاب " المزررة " على واجهته . و رغم حاجته إلى المال و الفقر الذي صار على مشارفه , فقد وعدها بأن يأتيها بهذه اللعبة في هذا اليوم .
وهي تركض نحو الباب أدركت أنها استنفدت صبرها و لم تعد تطيق هذه المسافة القصيرة بين غرفتها و الفناء , حتى لكأنها ظلت تركض أميالا لتصل إليه . و لكنها ما إن بلغت الممر حتى رأت أمامها رجلا غريبا , لم يسبق لها أن رأته في حياتها , و يبدو أن الخشخشة قد صدرت عن الكيس الأسود الذي كان يحمله في يده . رمقته بنظرة مستطلعة أنستها حتى اللعبة التي لم تكد تبرح ذهنها في هذه الأيام قط.
و سألته بينما هو يبادلها نظرة مبهمة المعنى : " من تكون؟ .. إن أبي ليس في البيت . "
فأجابها بعد أن أبعد عن عينيه نظارة شمسية مغبرة : " المعذرة , أ هذا بيت السيد جلال؟ "
فردت عليه وهي تهز رأسها : " نعم, هذا هو بيته . فمن تكون؟ "
فقال : " لقد جئت لأعلمك أن أباك قد اضطر إلى سفرة مفاجئة إلى بلدة " تلابت" ليقضي شؤونا مستعجلة هناك . و قد أوصاني أن أستدل على بيتكم و أسلم هذا الكيس إلى ابنته الصغرى . هل أنت هي نادية أم أن لك أختا أصغر تحمل هذا الإسم؟ " .
فأجابته بنبرة يمازجها شيء من ذهول : " اه ... أ .. أنا نادية عينها . .. شكرا على مجيئك . "
فرد يقول : " لا بأس . إن جلال صديق قديم و ما كنت لأرفض له طلبا . تفضلي هذا الكيس , و اسمحي لي بالمغادرة . عمتم مساء . "
و دون أن ينتظر جوابها استدار مغادرا و أغلق الباب وراءه .
و ما إن انقضت هنيهة من صمت , حتى بدأت تتحسس بيديها محتوى الكيس الأسود دون أن تفتحه , فإذ بيديها تجس علبة من كرتون مقوى , و بسرعة فتحت الكيس فإذ بها تلمح العلبة التي تحوي لعبتها المنشودة . رمقتها بعينين سعيدتين , كانت ألوانها مائلة إلى الزرقة السماوية , و لم يكن يسوءها هذا الإختلاف بين ألوان لعبتها و ألوان لعبة ابنة جيرانهم التي تمزج بين اللونين الوردي و البرتقالي .
لكن ذراعيها سرعان ما تهدلتا و قد خالجها في تلك اللحظة حزن ثقيل .
كم تمنت لو أن والدها هو الذي سلمها هذه الهدية بيده , فقد كان ذلك يشكل النصف الثاني من فرحتها باللعبة . و لكنها الان تشعر و كأنها تسلمت شيئا عاديا جدا , شيئا لا يستحق هذا الإنتظار الذي بُذِل لأجله و تلك الدنانير التي بُذِّرت لقاء شرائه , و التي كان يمكن لها أن تًبذَل في سبيل أشياء أخرى يحتاجها البيت , أو في سبيل أدوية أمها المصابة بالسل.
شعرت فجأة بحاجة لمعانقة أبيها و طلب الصفح منه و هي تعلل بكاءها بالقول : " لا أريد هذه اللعبة يا بابا .. أعدها إلى البائع و اشتر بثمنها معطفا لك عوضا عن هذا المعطف المرقع القديم الذي تلبسه , أو اشتر بثمنها أي شيء اخر تريد . خذ هذه اللعبة يا بابا .. لا أريدها ! " , و لكن سفره المفاجىء إلى " تلابِت " حرمها من هذا البكاء المريح و جعلها تحقد على تلك اللعبة بشكل متزايد شيئا فشيئا .

شيخة الزين
09-21-2020, 12:40 AM
طرح راقي وموفق
من الاعماق اقدم الشكر
يعطيك العافية

الأمير
09-21-2020, 05:38 PM
مُزْنٌ يَهْطُل وشَلآلٌ يَتَدَفَقْ
بَطِرُوحَآتِكْ الْرَآئِعَةْ الْجَمِيلَةَ
بِإخْتِيَآرْ يَفُوقْ الْوَصْفْ والْتَعْبِيِرْ
فَإلَى الأَمَآمْ بِإنْتِظآرِ جَدِيِدِكْ بِشَوقْ
وفَقِكْ الْلَه تَعَآلَى
http://katka5212.bloglap.hu/kepek/201204/_1.png

نور القمر
09-21-2020, 07:37 PM
تِسَلّمْ الأيَادِيْ
ولآحُرمِناْ مِنْ جَزيلِ عَطّائك
دُمتْ ودامَ نبضُ متصفحك
متوهّجاً بِروَعَةْ مَا تِطَرحْ
لروحَكَ جِنآئِن وَرديهّ

خالد الشاعر
09-21-2020, 07:58 PM
طرح رائع ومميز
طرحتى فابدعتى دمتى ودام عطائكِ
سلمت أناملكِ على الجلب المميز
اعذب التحايا لكى
خ ـالد الشاعر

بنت الشام
09-21-2020, 09:47 PM
سلمت يدآك..
على جميل طرحك وحسن ذآئقتك
يعطيك ربي ألف عافيه
بإنتظار جديدك بكل شوق.
..}~ مودتي

روح انثى
09-22-2020, 04:09 PM
تسلم الايـآدي ع النقل الرائع والمميز
ارقى التحايا لروحك العذبه
لك خالص إحترامى
http://justclickit.ru/flash/flower/flower%20%28204%29.gif

نسائم النور
09-28-2020, 12:51 AM
شكراً لكم
على طرحكم دائماً متميزين من الأفضل للأفضل
أحترامى وتقديرى لكم
تقبلوا مرورى البسيط فى جمال طرحكم

سمارا
09-28-2020, 02:42 PM
قصة راقية ورائعة بمفهومها
بها حكمة وعبرة وموعظة
تسلم الايادي على ماقدمت
وننتظر جديدك بشوق

سمأأأرا

ڞــمۭــۃ ۛ ּڂۡــڣــﯟڦ ❥
10-03-2020, 08:14 AM
,,~

سلمت آناملك لروعة طرحهآ..
يعطِـــيكْ العَآفيَـــةْ..

,,~

بنت اليمن
10-05-2020, 01:29 PM
قممممممممممممه في الروووووووووعه
في انتظاار جديدكـ

روحي تبيك
10-09-2020, 07:12 PM
سطور نالت الإعجاب برقي هذا الطرح
وهذا سَّــر إبداعك وذائقتك المُتميزه
سوف آظل أترقب الجديد بكل شوق
لك كل الود والاحترام

ابوصالح S
12-28-2020, 08:55 AM
طرح رائع كروعة حضورك
اشكر ك علي روعة ماقدمت واخترت
من مواضيع رائعه وهامة ومفيدة
عظيم الأمتنان لكَ ولهذا الطرح الجميل والرائع
لاحرمنا ربي باقي اطروحاتك الجميلة
تحياااتي

Şøķåŕą
06-06-2022, 06:58 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

♡ Šąɱąя ♡
06-07-2022, 02:57 AM
سلمت الايادي:rose:

رحيل
02-11-2023, 06:08 PM
سلمت
على هكذا إنفراد وَ تميُز
دام حضورك
وَ عطائِك اللا محدود

Şøķåŕą
02-10-2024, 10:05 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
05-14-2024, 02:25 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

Şøķåŕą
08-16-2024, 11:15 PM
شكرا لك
في انتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

إِيزآبَيل♡
11-17-2024, 04:46 AM
-










إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.ض2