الأمير
04-20-2020, 11:44 PM
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46].
أولًا: سبب نزولها:
قال ابن كثير: وقوله: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾: قال البخاري عندها: عن ابن عباس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال: "يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدقوني؟"، قالوا: بلى، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبًّا لك! ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله:﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1].
ثانيًا: نزلت الآية دفاعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث كذبه المشركون بناءً على اتهام باطل افتروه؛ ليبرروا لأنفسهم عدم الإيمان والإذعان للدين، فقالوا به جنة وحاشاه، وهم في الحقيقة إنما ثقل عليهم ترك ما نشؤوا عليه من تقليد الآباء والأجداد في دينهم الباطل الذي لا يحرم عليهم شيئًا، ولا يكلفهم بفعل شيء يوجبه عليهم، فلما أراد الله تعالى أن يردهم إلى الصواب، وأن يدفع التهمة الباطلة عن سيد أولي الألباب صلى الله عليه وسلم، أنزل هذه الآية، وإليك ما فيها من الهداية ولذيذ الخطاب:
1- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ﴾ يقتضي ألا يكون الوعظ إلا بالتوحيد؛ لأن التوحيد هو المقصود، ومن وحَّد الله حق التوحيد، يشرح الله صدره ويرفع في الآخرة قدره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بما يفتح عليهم أبواب العبادات ويهيئ لهم أسباب.
2- قوله تعالى: ﴿ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ﴾ إشارة إلى جميع الأحوال، فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو يكون وحده، فإذا كان مع غيره دخل في قوله: (مثنى)، وإذا كان وحده دخل في قوله: (فرادى)، فكأنه يقول: تقوموا لله مجتمعين ومنفردين. وقال ابن عاشور: ويجوز أن يكون المعنى أن تقوموا لحق الله مستعينًا أحدكم بصاحب له أو منفردًا بنفسه، فإن من أهل النظر من ينشط إليه بالمدارسة ما لا ينشطه بالخَلوة، ومنهم من حاله بعكس هذا، فلهذا اقتصر على (مثنى وفرادى)؛ لأن ما زاد على ذلك لا اضطرار إليه.
والمقصود - كما بيَّنه بعضهم - اجتمعوا اثنين اثنين، أو واحدًا واحدًا، ثم تفكروا بإخلاص ورويَّة، فترون بكل تأكيد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، ليس به شيء من الجنون، إنما هو أرجح الناس عقلًا، وأصدقهم قولًا، وأفضلهم علمًا، وأحسنهم عملًا، وأزكاهم نفسًا، وأنقاهم قلبًا، وأجمعهم لكل كمال بشري.
3- قوله تعالى: ﴿ ثم تتفكَّروا ﴾؛ يعني اعترفوا بما هو الأصل والتوحيد، ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعد ما بان وظهر، ثم تتفكروا فيما أقول بعده من الرسالة والحشر، فإنه يحتاج إلى تفكر، وكلمة ثم تفيد ما ذكرنا، فإنه قال: أن تقوموا لله ثم تتفكروا، ثم بيَّن ما يتفكرون فيه، وهو أمر النبي عليه السلام، فقال: (ما بصاحبكم من جنة).
4- قوله تعالى: ﴿ مَا بِصَاحِبِكُم مِن جِنَّةٍ ﴾: يفيد كونه رسولًا وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولًا؛ وذلك لأن النبي عليه السلام كان يظهر منه أشياءُ لا تكون مقدورة للبشر، وغير البشر ممن تظهر منه العجائب إما الجن أو الملك، وإذا لم يكن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الجن يكون بواسطة الملك، أو بقدرة الله تعالى من غير واسطة، وعلى التقديرين فهو رسول الله، وهذا من أحسن الطرق، وهو أن يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخس الصفات، فإنه لو قال أولاً هو رسول الله كانوا يقولون: فيه النزاع، فإذا قال: ما هو مجنون، لم يسعهم إنكار ذلك؛ لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه وبيانه، فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة، ولهذا قال بعده: (إن هو إلا نذير) فتبيَّن أنه ليس به جنة فهو نذير.
5- قوله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾: إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال: ينذركم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب بين يدي العذاب؛ أي: سوف يأتي العذاب بعده.
وفي هذه الجملة بيان لوظيفته صلى الله عليه وسلم؛ أي: ليس به صلى الله عليه وسلم من جنون، وإنما هو نذير لكم، يحذركم ويخوفكم من العذاب الشديد الذي سينزل بكم يوم القيامة، إذا ما بقيتم على شرككم وكفركم، وهذا العذاب ليس بعيدا عنكم.
قال ابن عاشور: بعد أن فنَّد دعوى المشركين أن به جنة، بقيت دعواهم أنه ساحر وأنه كاهن، وأنه شاعر، وأنه كاذب حاشاه، فأما السحر والكهانة، فسهُل نفيُهما بنفي خصائصهما؛ فأما انتفاء السحر فبيِّنٌ؛ لأنه يحتاج إلى معالجة تعلُّم ومزاولة طويلة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم لا يَخفى عليهم أمره، وأما الشعر فمسحته منفية عن القرآن كما قال الوليد بن المغيرة، فلم يبق في كنانة مطاعنهم إلا زعمهم أنه كاذب على الله، وهذا يزيِّفه قوله: ﴿ بِصَاحِبِكُم ﴾، فإنهم عرفوه برجاحة العقل والصدق والأمانة في شبيبته وكهولته، فكيف يصبح بعد ذلك كاذبًا كما قال النضر بن الحارث: فلما رأيتم الشَّيْب في صدغيه، قلتُم شاعر وقلتم كاهن وقلتم مجنون، ووالله ما هو بأولئكم، وإذا كان لا يكذب على الناس، فكيف يكذب على الله، كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله: هل جربتم عليه كذبًا قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا، قال: فقد علمت أنه لم يكن ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله.
أولًا: سبب نزولها:
قال ابن كثير: وقوله: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾: قال البخاري عندها: عن ابن عباس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال: "يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدقوني؟"، قالوا: بلى، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبًّا لك! ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله:﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1].
ثانيًا: نزلت الآية دفاعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث كذبه المشركون بناءً على اتهام باطل افتروه؛ ليبرروا لأنفسهم عدم الإيمان والإذعان للدين، فقالوا به جنة وحاشاه، وهم في الحقيقة إنما ثقل عليهم ترك ما نشؤوا عليه من تقليد الآباء والأجداد في دينهم الباطل الذي لا يحرم عليهم شيئًا، ولا يكلفهم بفعل شيء يوجبه عليهم، فلما أراد الله تعالى أن يردهم إلى الصواب، وأن يدفع التهمة الباطلة عن سيد أولي الألباب صلى الله عليه وسلم، أنزل هذه الآية، وإليك ما فيها من الهداية ولذيذ الخطاب:
1- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ﴾ يقتضي ألا يكون الوعظ إلا بالتوحيد؛ لأن التوحيد هو المقصود، ومن وحَّد الله حق التوحيد، يشرح الله صدره ويرفع في الآخرة قدره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بما يفتح عليهم أبواب العبادات ويهيئ لهم أسباب.
2- قوله تعالى: ﴿ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ﴾ إشارة إلى جميع الأحوال، فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو يكون وحده، فإذا كان مع غيره دخل في قوله: (مثنى)، وإذا كان وحده دخل في قوله: (فرادى)، فكأنه يقول: تقوموا لله مجتمعين ومنفردين. وقال ابن عاشور: ويجوز أن يكون المعنى أن تقوموا لحق الله مستعينًا أحدكم بصاحب له أو منفردًا بنفسه، فإن من أهل النظر من ينشط إليه بالمدارسة ما لا ينشطه بالخَلوة، ومنهم من حاله بعكس هذا، فلهذا اقتصر على (مثنى وفرادى)؛ لأن ما زاد على ذلك لا اضطرار إليه.
والمقصود - كما بيَّنه بعضهم - اجتمعوا اثنين اثنين، أو واحدًا واحدًا، ثم تفكروا بإخلاص ورويَّة، فترون بكل تأكيد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، ليس به شيء من الجنون، إنما هو أرجح الناس عقلًا، وأصدقهم قولًا، وأفضلهم علمًا، وأحسنهم عملًا، وأزكاهم نفسًا، وأنقاهم قلبًا، وأجمعهم لكل كمال بشري.
3- قوله تعالى: ﴿ ثم تتفكَّروا ﴾؛ يعني اعترفوا بما هو الأصل والتوحيد، ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعد ما بان وظهر، ثم تتفكروا فيما أقول بعده من الرسالة والحشر، فإنه يحتاج إلى تفكر، وكلمة ثم تفيد ما ذكرنا، فإنه قال: أن تقوموا لله ثم تتفكروا، ثم بيَّن ما يتفكرون فيه، وهو أمر النبي عليه السلام، فقال: (ما بصاحبكم من جنة).
4- قوله تعالى: ﴿ مَا بِصَاحِبِكُم مِن جِنَّةٍ ﴾: يفيد كونه رسولًا وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولًا؛ وذلك لأن النبي عليه السلام كان يظهر منه أشياءُ لا تكون مقدورة للبشر، وغير البشر ممن تظهر منه العجائب إما الجن أو الملك، وإذا لم يكن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الجن يكون بواسطة الملك، أو بقدرة الله تعالى من غير واسطة، وعلى التقديرين فهو رسول الله، وهذا من أحسن الطرق، وهو أن يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخس الصفات، فإنه لو قال أولاً هو رسول الله كانوا يقولون: فيه النزاع، فإذا قال: ما هو مجنون، لم يسعهم إنكار ذلك؛ لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه وبيانه، فإذا ساعدوا على ذلك لزمتهم المسألة، ولهذا قال بعده: (إن هو إلا نذير) فتبيَّن أنه ليس به جنة فهو نذير.
5- قوله تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾: إشارة إلى قرب العذاب كأنه قال: ينذركم بعذاب حاضر يمسكم عن قريب بين يدي العذاب؛ أي: سوف يأتي العذاب بعده.
وفي هذه الجملة بيان لوظيفته صلى الله عليه وسلم؛ أي: ليس به صلى الله عليه وسلم من جنون، وإنما هو نذير لكم، يحذركم ويخوفكم من العذاب الشديد الذي سينزل بكم يوم القيامة، إذا ما بقيتم على شرككم وكفركم، وهذا العذاب ليس بعيدا عنكم.
قال ابن عاشور: بعد أن فنَّد دعوى المشركين أن به جنة، بقيت دعواهم أنه ساحر وأنه كاهن، وأنه شاعر، وأنه كاذب حاشاه، فأما السحر والكهانة، فسهُل نفيُهما بنفي خصائصهما؛ فأما انتفاء السحر فبيِّنٌ؛ لأنه يحتاج إلى معالجة تعلُّم ومزاولة طويلة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم لا يَخفى عليهم أمره، وأما الشعر فمسحته منفية عن القرآن كما قال الوليد بن المغيرة، فلم يبق في كنانة مطاعنهم إلا زعمهم أنه كاذب على الله، وهذا يزيِّفه قوله: ﴿ بِصَاحِبِكُم ﴾، فإنهم عرفوه برجاحة العقل والصدق والأمانة في شبيبته وكهولته، فكيف يصبح بعد ذلك كاذبًا كما قال النضر بن الحارث: فلما رأيتم الشَّيْب في صدغيه، قلتُم شاعر وقلتم كاهن وقلتم مجنون، ووالله ما هو بأولئكم، وإذا كان لا يكذب على الناس، فكيف يكذب على الله، كما قال هرقل لأبي سفيان وقد سأله: هل جربتم عليه كذبًا قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا، قال: فقد علمت أنه لم يكن ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله.