شيخة رواية
03-21-2020, 03:48 AM
ليس غريبا أن ترى شخصاً فاقداً لنعمة البصر ، ولكن العجب والغريب أن يجتمع فيه عمى البصر و البصيرة .
لذلك من أعظم ما وهب الله للإنسان ، أن يُرزق بصيرة تعرف المعروف و تنكر المنكر .
ليس الأعمى من لا يرى ، وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بالحق الذي يراه ، ولا يتدبر الموعظة التي أمامه ، فكم من بصير يرى بعينيه ، ولكن قلبه لا يرى شيئًا !
وكم من أعمى البصر و لكن قلبه يرى الحق ..!
ومن هنا يتبين لنا أن البصر مختلف كليًّا عن البصيرة التي هي أساسها القلب ، ولو كان الرجل أعمى وصلحت بصيرته ، لما ضره ذلك شيئًا ..!
ï´؟ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ï´¾
يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ، وقوله : ï´؟ أفلم يسيروا في الأرض ï´¾ ؛ أي : بأبدانهم و بفكرهم أيضًا ، وذلك للاعتبار ؛ أي : انظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم و النكال ، {فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} ؛ أي : فيعتبرون بها ، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ؛ أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة ، فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر ؛ ا.هـ .
يقول مجاهد : لكل عين أربع أعين ، يعني لكل إنسان أربع أعين ، عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ، فإن عميت عينا رأسه ، وأبصرت عينا قلبه ، فلم يضره عماه شيئًا ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه ، فلم ينفعه نظره شيئًا ..!
ونذكر بعضاً ممن جمع بين عمى البصر و البصيرة : فمنهم :
ــ مربع بن قيظي :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه وهو متجه بجيش المسلمين إلى جبل أحد : مَن رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي من قرب - من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله . فنفذ به في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم ، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي ، وكان رجلا منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حِس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، قام يحثي في وجوههم التراب ، ويقول : إن كنت رسول الله ، فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي . وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك .
فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر " وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبدالأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فضربه بالقوس في رأسه فشجه .
ـــ وممن عمي بصره وبصيرته .. بشار بن برد :
بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ)
عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية ، ولد أعمى كان دميم الخِلْقَة ، طويلا ، ضخم الجسم ، عظيم الوجه ، جاحظ العينين ، قد تغشاهما لحم أحمر ، فكان قبيح العمى ، مجدور الوجه . و بشار بن برد قد جمع بين عمى البصر والبصيرة وقبح الشكل وقبح اللسان ..!!
ضرب به المثل لقباحة عينه ، فقالوا : " كعين بشار بن برد " . وقد قال مخلد بن علي السلامي يهجو إبراهيم بن المدبر :
أراني الله وجهك جاحظيا .. وعينك عين بشار بن برد
وكان سريع الغضب سريع الهجاء ، وكان محبا للملذات مجاهرا بها حتى عرف عنه مجاهرته بالسكر و الزنى . وكان سريع الرد على من خالفه ، بذيء اللسان ، شديد الأذى . لا يصلي وكان ثابت الرأي شجاع القلب .
كان هجاء ، فاحشا في شعره ، هجى الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود . حتى العلماء و النحاة فقد عرض بالأصمعي و سيبويه و الأخفش و واصل بن عطاء .
عن داود بن زرين قال أتينا بشارا فأذن لنا و المائدة موضوعة بين يديه فلم يدعنا إلى طعامه ، فلما أكل دعا بطست فكشف عن سوءته فبال ؛ ثم حضرت الظهر و العصر فلم
يصل ، فدنونا منه فقلنا أنت أستاذنا وقد رأينا منك أشياء أنكرناها ؛ قال وما هي ؟ قلنا : دخلنا و الطعام بين يديك فلم تدعنا إليه ؛ فقال إنما أذنت لكم أن تأكلوا ولو لم أرد أن تأكلوا لما أذنت لكم ؛ قال ثم ماذا قلنا و دعوت بطست و نحن حضور فبلت و نحن نراك ؛ فقال أنا مكفوف وأنتم بصراء وأنتم المأمورون بغض البصار ، ثم قال ومه ؛ قلنا حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم تصل ؛ فقال إن الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة .
وعن أبو أيوب المديني عن بعض أصحاب بشار قال كنا إذا حضرت الصلاة نقوم و يقعد بشار فنجعل حول ثيابه ترابا لننظر هل يصلي ، فنعود و التراب بحاله .
أما قلة أدبه و قلة حياءه ، عن الحرمازي قال قعد إلى بشار رجل فاستثقله فضرط عليه ضرطة : فظن الرجل أنها أفلتت منه ، ثم ضرط أخرى ، فقال أفلتت ، ثم ضرط ثالثة ، فقال يا أبا معاذ ، ماهذا ؟ قال مه : أرأيت أم سمعت قال بل سمعت صوتا قبيحا ، فقال فل تصدق حتى ترى .
ومن شعره في مدح ابليس :
ابليس افضل من ابوكم آدم .. فتبينوا يا معشر الاشرار
النار عنصره وآدم طينة .. والطين لا يسمو سمو النار
قال بشار بن برد يهجو حماد عجرد وينسبه الى الثنوية ويقر بانشغاله عن عبادة اله واحد فكيف بإثنين ! فيقول :
يا ابن نهيا , علي راس ثقيل .. واحتمال الرؤوس خطب جليل
فادع غيري الى عبادة الاثنين .. فاني عن واحد مشغول
وممن جمع بين عمى البصر و البصيرة :
علي بن جبلة العكوك :
وهو لي بن جبلة بن عبد الله الأبناوي ، ويكنى أبا الحسن ، ويلقب بالعكوك ..
ويقال أن الأصمعي هو الذي أطلق عليه لقب (العكوك) ويعني السمين القصير كان أعمى أسود أبرص من أحسن الناس إنشاداً ، إذ قال عنه الجاحظ : كان أحسن خلق الله إنشاداً ، ما رأيت مثله بدوياً ولا حضرياً .
وكعادة الشعراء المدّاحين المتزلفين للأمراء ابتغاء العطايا ، وصدق الله { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ غ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ غ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}
قال في ابي دلف :
أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ألا قضيت بأزراف وآجال
تزور سخطاً فتمسي البيض راضيةً وتسهل فتبكي أوجه المال
وهذا القول فيه كفراً أو قرب إلى الكفر إذ يشرك بالله العظيم ، ويجعل من عبد ذليل مهين مالكاً قادراً وذاك لا يفعله الا الله وحده عز وجل . ويقال إن هذه الأبيات سبب مقتله .
ــ وممن عمي بصره و قلبه :
أبو العلاء المعري .. الأديب والشاعر المعروف بــ رهين المحبسين ، وهو من فحول الشعراء في العصر العباسي ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المعري مبدع في الأدب والشعر واللغة ..
وقد قيلت أبيات فيها الكفر والإلحاد ونُسبت له وهو بريء منها بحسب مؤلفاته وردوده في اللزوميات فهو بريء من الكفر و الإلحاد ولكنه في الأمور الأخرى كان مضطربا و مشوش و غامض و من يقرأ سيرته و بعض أشعاره يرى الاضطراب النفسي و الغموض ..
والمعري هنا قد أعطه الله حفظا قوي فلا يطلع على كتاب و يقرأ عليه إلا حفظه من مرة واحدة .. وكان زاهد يصوم الأيام كلها إلا العيدين ..
ومن التراكمات النفسية والاضطراب والشك إلى دخوله بغداد فلم يُقابل بالحفاوة التي كان يتمنى .. وحصل له فيها من الإهانة و الانتقاص ما جعله يغدرها عائدا لمعرة النعمان حيث والدته مريضه ولكن توفيت قبل وصوله وقد أثر ذلك عليه ورثاها ثم دخل بيته وأغلق على نفسه وامتنع عن الخروج أربعين سنة .. وبعزلته وقلقه وخوفه قد جار على نفسه فوق جور الحياة علّه ينسى جور الحياة ويثأر منها لكن دون جدوى، فألزم نفسه قيودًا لا يحتملها إنسانٌ طبيعي فحكم على نفسه أن يبقى في سجونه الأربعة : العمى والبيت والجسد واللزوميات ، فسجن الجسد سجن خيالي فلسفي وهو الجسم الذي كره النفس التي تستقر فيه ولا تتجاوز حدوده إلا حين يقضي عليها الموت .
وإذا قلنا أن المعري بريء من الابيات التي نُسبت له في الكفر و الزندقة فإننا لا نستطيع إنكار اضطرابه النفسي والقلق والخوف من المستقبل والشك وإعمال العقل كما هو حال الفلاسفة العرب ..
ففي العقل يقول :
أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ فاتّبعْهُ ، فكلّ عقلٍ نبي
وهنا عدم ضبط للعقل واتباعه وهذه الفكرة منتشرة بين الملحدين والزنادقة العرب والعجم في ذلك الوقت وهي إعمال العقل ولو خالف النقل مثل المعتزلة والجهمية وأمثال التوحيدي و الراوندي و الكندي وغيرهم .
ويقول :
يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرساء
كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء
فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرساء
إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤساء
ويصرح بأن الحكم الأول والأخير يجب أن يكون للعقل فيقول :
جاءت أحاديثُ إن صــحتْ فإن لها شأنـا ولكن فيها ضعف إسنادِ
فشاور العقل واترك غيره هـــدرا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي
يطرح المعري قضية الألوهية بشيء من الإنكار تارة وتارة أخرى بشكل إيماني عميق ، فالشك يبدأ لديه في مواجهة ما تناقله الفقهاء والمفسرون ولذلك يقول في اللزوميات :
قلتم لنا خالقٌ حكيم قلنا صدقتم كذا نقـولُ
زعمتموه بلا مكانٍ ولا زمانٍ ألا فقولــوا
هذا كلام له خبـئٌ معناه ليست لنا عقولُ
وأن هنالك تناقضا في الأحكام فيخاطب الله قائلا :
أنهيتَ عن قتل النفوس تعمدا وبعثت أنت لقبضها ملكين؟
وزعمت أن لنا معــادا ثانيا ما كان أغناها عن الحالين
ويخاطب الله متسائلا :
إن كان لا يحظى برزقك عاقــل وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يارب السماء على امرئ رأى من ما يشتهي فتزندقا
أما اليأس و الكآبة فتظهر حين يقول :
ألم تر أنني حي كميت .. أداري الوقت أو ميت كحي
ويظهر في بيت الشعر الذي أمر أن يُكتب على قبره :
هذا جناه أبي علي .. وما جنيت على أحد
وأما مدح النفس فهو دلالة على الشعور بالنقص وعدم حفاوة الناس به فيقول :
وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم .. بإخفاء شمس ضوؤها متكامل
ويقول :
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانه لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ
أما التشائم و التعميم وجعل الناس كلهم في درجة واحدة والنظره السوداوية ، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ) .
فيقول :
قد فاضت الدنيا بأدناسها .. على براياها وأجناسها
وكل حي بها ظالم .. وما بها أظلم من ناسها
وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة . وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال ، قال :
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
يقول المعري في "رسالة الفصول والغايات " : ( طفت الآفاق ، فإذا الدنيا نفاق ؛ ومللت من مداراة العالم بما يضمر غيره ما يظهره الفؤاد ، فاخترت الوحدة على جليس السوء ) .
ويصرح المعري في " رسالة الفصول والغايات " بتأرجحه بين القبول و الرفض للحياة فيقول : ( نفس تأمرني بذلك ، ونفس تنهاني ) .
وربما كان يعني التخلص من الحياة ولذا فهو يصرح في رسالة الغفران : ( قد كدت ألحق برهط العدم ؛ من غير الأسف ولا الندم ، ولكنما أرهب قدومي على الجبار ) .
ومن الغرائب و العجائب للمعري والتي تظهر الحالة النفسية له إنكاره على آدم و حواء الإنسال فيقول :
فليت حواء عقيم غدت .. لا تلد الناس و لا تحبل
ويقول :
ياليت آدم كان طلق أمهم .. أو كان حرمها عليه ظهار
ولدتهم في غير طهر عاركا .. فلذاك تفقد فيهم الأطهار
وقال في زنا ابناء آدم :
إذا ما ذكرنا آدم وفعاله .. وتزويجه بنتيه لابنيه في الخنا
علمنا بان الخلق من اصل زنية .. وان جميع الناس من عنصر الزنا
ومن الأمور التي عمي بصره وبصيرته عنها تحريم أو الامتناع عما أحل الله ، فكما أن تحليل ما حرم الله كبير فكذلك تحريم ما أحل الله ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه ، فهو لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة ، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل ، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن . حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً .
وقد قسى عليه بن قيم الجوزية رحمه الله فقال عنه في كتابه طريق الهجرتين : ( وممن كان على هذا المذهب أي الامتناع عن أكل الحيوان أعمى البصر والبصيرة كلب معرة النعمان المكنى بأبي العلاء المعري فإنه امتنع من أكل الحيوان زعم لظلمه بالإيلام والذبح ) .
قال ابن الجوزي في كتابه المنتظم في ترجمته للمعرى أن أحواله تدل على اختلاف عقيدته ، وقد حكى لنا عن أبى زكريا أنه قال : قال لي المعري : ما الذي تعتقد - فقلت في نفسي : اليوم أعرف اعتقاده - فقلت : ما أنا إلا شاك ! فقال : هكذا شيخك " .
ومن تذبذبه وشكه يقول :
إذا قلت المحال رفعت صوتي .. وإن قلت اليقين أطلت همسي
ونختم بأعمى البصر و البصيرة عميد الأدب العربي كما يُسمى :
طه حسين :
1306 هـ / 15 نوفمبر 1889 - 1393 هـ / 28 أكتوبر 1973م
لم ينفعه حفظه للقرآن الكريم و لم تنفعه الأربعة أعوام التي درس فيها الشريعة الإسلامية واللغة العربية في الأزهر ولم تنفعه فصاحته و ذكائه ومعرفته بلغة القرآن {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
ــ من طوامه ومصائبه التي ابتلى بها البلاد الإسلامية دعوته إلى الأَوْرَبة فهو يقول ويحدد في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " :
( سبيل نهضة الأمة المصرية في طريقة واحدة فذة ليس لها تعدد وهي : أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها ، ما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب ) .
ومن مصائبه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك ، ويقول في هذا الصدد . وهذا تكذيب للقرآن و لسنة النبي صلى الله عليه و سلم الصحيحة المتواتره ولكنه الغرور بالذكاء و إعمال العقل وتقديسه جعل عميد الأدب العربي بهذا الغباء و البلاهه حينما قدم عقله القاصر على ما جاء في القرآن و السنة ..!!
وعد أن هذا أسطورة لفقها العرب بعامة وقريش بخاصة ليحتالوا بها على من عندهم من فرس وروم ، ليؤكدوا أن لهم أصلا قديما يرتبط بتأسيس إبراهيم وإسماعيل للكعبة ، ثم جاء القرآن فصدق هذه الأسطورة ، ليحتال على اليهود ليؤلف قلوبهم ، إذ مرجعهم إبراهيم جميعا .
يقول : ( للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي ) .
إذا القرآن لا يكفي لصحة القصة المذكورة .. قبح الله هذا العقل فسبحان من جمع فيه عمى البصر و البصيرة ..!!
{ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غڑ أُولَظ°ئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ غڑ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ غ– وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وقد كان يشكك في القرآن بتلميح فاضح ويرد الأحاديث الصحيحة ويطعن في الصحابة الكرام ويدعو إلى تقليد الغرب في كل شيء ، وحسبنا أن نشير إلى أمثلة من ذلك ، فهو يقول في كتابه الأدب الجاهلي : ليس يعنيني هنا أن يكون القرآن الكريم قد تأثر بشعر أمية بن أبي الصلت أو لا يكون ، ثم يقول : لم لا يكون أمية بن أبي الصلت قد أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم طالما أن مصادر أمية ومحمد واحدة وهي قصص اليهود والنصارى ؟ فهو يعتبر أن مصدر القرآن هو قصص اليهود والنصارى .
ويقول في كتابه الشيخان معلقا على حديث استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما الذي رواه البخاري بأن هذا تكلف مصدره التملق لبني العباس أثناء حكمهم .
ويصف في كتابه " الفتنة الكبرى " ابن عباس حبر الأمة بأنه لص يأخذ ما في بيت المال في البصرة ويهرب إلى الحجاز .
ــ " وعندما صدر كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " كلف فضيلة شيخ الأزهر في هذا الوقت لجنة من علماء الأزهر بالنظر في الكتاب ووضع تقرير عنه فقامت بذلك ورفعت تقريرا جاء فيه : مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر السلام عليكم ورحمة الله : وبعد فقد اجتمعت اللجنة المؤلفة بأمر فضيلتكم من الموقعين عليه لفحص كتاب طه حسين المسمى " في الشعر الجاهلي " بمناسبة ما قيل عنه من تكذيب القرآن الكريم واطلعت على الكتاب ، وهذا ما ترفعه إلى فضيلتكم عنه بعد فحصه واستقراء ما فيه . يقع الكتاب في 183 صفحة وموضوعه إنكار الشعر الجاهلي وأنه منتحل بعد الإسلام لأسباب زعمها وقال إنه بنى بحثه على التجرد من كل شيئ حتى من دينه وقوميته عملا بمذهب ديكارت الفرنسي ، والكتاب كله مملوء بروح الإلحاد والزندقة ، وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه ، ولا يجوز بحال أن تلقى إلى تلامذة لم يكن عندهم من المعلومات الدينية ما يتقون به هذا التضليل المفسد لعقائدهم ، والموجب للخلف والشقاق في الأمة وإثارة فتنة عنيفة دينية ضد دين الدولة ودين الأمة . وترى اللجنة أنه إذا لم تكافح هذه الروح الإلحادية في التعليم ويقتلع هذا الشر من أصله ، وتطهر دور التعليم من اللادينية التي يعمل بعض الأفراد على نشرها بتدبير وإحكام تحت ستار حرية الرأي اختل النظام وفشت الفوضى واضطرب حبل الأمن لأن الدين هو أساس الطمأنينة و النظام " . اه موقع اسلام ويب .
لذلك من أعظم ما وهب الله للإنسان ، أن يُرزق بصيرة تعرف المعروف و تنكر المنكر .
ليس الأعمى من لا يرى ، وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بالحق الذي يراه ، ولا يتدبر الموعظة التي أمامه ، فكم من بصير يرى بعينيه ، ولكن قلبه لا يرى شيئًا !
وكم من أعمى البصر و لكن قلبه يرى الحق ..!
ومن هنا يتبين لنا أن البصر مختلف كليًّا عن البصيرة التي هي أساسها القلب ، ولو كان الرجل أعمى وصلحت بصيرته ، لما ضره ذلك شيئًا ..!
ï´؟ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ï´¾
يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ، وقوله : ï´؟ أفلم يسيروا في الأرض ï´¾ ؛ أي : بأبدانهم و بفكرهم أيضًا ، وذلك للاعتبار ؛ أي : انظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم و النكال ، {فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} ؛ أي : فيعتبرون بها ، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ؛ أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة ، فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر ؛ ا.هـ .
يقول مجاهد : لكل عين أربع أعين ، يعني لكل إنسان أربع أعين ، عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ، فإن عميت عينا رأسه ، وأبصرت عينا قلبه ، فلم يضره عماه شيئًا ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه ، فلم ينفعه نظره شيئًا ..!
ونذكر بعضاً ممن جمع بين عمى البصر و البصيرة : فمنهم :
ــ مربع بن قيظي :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه وهو متجه بجيش المسلمين إلى جبل أحد : مَن رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي من قرب - من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله . فنفذ به في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم ، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي ، وكان رجلا منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حِس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، قام يحثي في وجوههم التراب ، ويقول : إن كنت رسول الله ، فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي . وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك .
فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر " وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبدالأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فضربه بالقوس في رأسه فشجه .
ـــ وممن عمي بصره وبصيرته .. بشار بن برد :
بشار بن برد بن يرجوخ العُقيلي (96 هـ - 168 هـ)
عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية ، ولد أعمى كان دميم الخِلْقَة ، طويلا ، ضخم الجسم ، عظيم الوجه ، جاحظ العينين ، قد تغشاهما لحم أحمر ، فكان قبيح العمى ، مجدور الوجه . و بشار بن برد قد جمع بين عمى البصر والبصيرة وقبح الشكل وقبح اللسان ..!!
ضرب به المثل لقباحة عينه ، فقالوا : " كعين بشار بن برد " . وقد قال مخلد بن علي السلامي يهجو إبراهيم بن المدبر :
أراني الله وجهك جاحظيا .. وعينك عين بشار بن برد
وكان سريع الغضب سريع الهجاء ، وكان محبا للملذات مجاهرا بها حتى عرف عنه مجاهرته بالسكر و الزنى . وكان سريع الرد على من خالفه ، بذيء اللسان ، شديد الأذى . لا يصلي وكان ثابت الرأي شجاع القلب .
كان هجاء ، فاحشا في شعره ، هجى الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود . حتى العلماء و النحاة فقد عرض بالأصمعي و سيبويه و الأخفش و واصل بن عطاء .
عن داود بن زرين قال أتينا بشارا فأذن لنا و المائدة موضوعة بين يديه فلم يدعنا إلى طعامه ، فلما أكل دعا بطست فكشف عن سوءته فبال ؛ ثم حضرت الظهر و العصر فلم
يصل ، فدنونا منه فقلنا أنت أستاذنا وقد رأينا منك أشياء أنكرناها ؛ قال وما هي ؟ قلنا : دخلنا و الطعام بين يديك فلم تدعنا إليه ؛ فقال إنما أذنت لكم أن تأكلوا ولو لم أرد أن تأكلوا لما أذنت لكم ؛ قال ثم ماذا قلنا و دعوت بطست و نحن حضور فبلت و نحن نراك ؛ فقال أنا مكفوف وأنتم بصراء وأنتم المأمورون بغض البصار ، ثم قال ومه ؛ قلنا حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم تصل ؛ فقال إن الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة .
وعن أبو أيوب المديني عن بعض أصحاب بشار قال كنا إذا حضرت الصلاة نقوم و يقعد بشار فنجعل حول ثيابه ترابا لننظر هل يصلي ، فنعود و التراب بحاله .
أما قلة أدبه و قلة حياءه ، عن الحرمازي قال قعد إلى بشار رجل فاستثقله فضرط عليه ضرطة : فظن الرجل أنها أفلتت منه ، ثم ضرط أخرى ، فقال أفلتت ، ثم ضرط ثالثة ، فقال يا أبا معاذ ، ماهذا ؟ قال مه : أرأيت أم سمعت قال بل سمعت صوتا قبيحا ، فقال فل تصدق حتى ترى .
ومن شعره في مدح ابليس :
ابليس افضل من ابوكم آدم .. فتبينوا يا معشر الاشرار
النار عنصره وآدم طينة .. والطين لا يسمو سمو النار
قال بشار بن برد يهجو حماد عجرد وينسبه الى الثنوية ويقر بانشغاله عن عبادة اله واحد فكيف بإثنين ! فيقول :
يا ابن نهيا , علي راس ثقيل .. واحتمال الرؤوس خطب جليل
فادع غيري الى عبادة الاثنين .. فاني عن واحد مشغول
وممن جمع بين عمى البصر و البصيرة :
علي بن جبلة العكوك :
وهو لي بن جبلة بن عبد الله الأبناوي ، ويكنى أبا الحسن ، ويلقب بالعكوك ..
ويقال أن الأصمعي هو الذي أطلق عليه لقب (العكوك) ويعني السمين القصير كان أعمى أسود أبرص من أحسن الناس إنشاداً ، إذ قال عنه الجاحظ : كان أحسن خلق الله إنشاداً ، ما رأيت مثله بدوياً ولا حضرياً .
وكعادة الشعراء المدّاحين المتزلفين للأمراء ابتغاء العطايا ، وصدق الله { وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ غ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ غ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}
قال في ابي دلف :
أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ألا قضيت بأزراف وآجال
تزور سخطاً فتمسي البيض راضيةً وتسهل فتبكي أوجه المال
وهذا القول فيه كفراً أو قرب إلى الكفر إذ يشرك بالله العظيم ، ويجعل من عبد ذليل مهين مالكاً قادراً وذاك لا يفعله الا الله وحده عز وجل . ويقال إن هذه الأبيات سبب مقتله .
ــ وممن عمي بصره و قلبه :
أبو العلاء المعري .. الأديب والشاعر المعروف بــ رهين المحبسين ، وهو من فحول الشعراء في العصر العباسي ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المعري مبدع في الأدب والشعر واللغة ..
وقد قيلت أبيات فيها الكفر والإلحاد ونُسبت له وهو بريء منها بحسب مؤلفاته وردوده في اللزوميات فهو بريء من الكفر و الإلحاد ولكنه في الأمور الأخرى كان مضطربا و مشوش و غامض و من يقرأ سيرته و بعض أشعاره يرى الاضطراب النفسي و الغموض ..
والمعري هنا قد أعطه الله حفظا قوي فلا يطلع على كتاب و يقرأ عليه إلا حفظه من مرة واحدة .. وكان زاهد يصوم الأيام كلها إلا العيدين ..
ومن التراكمات النفسية والاضطراب والشك إلى دخوله بغداد فلم يُقابل بالحفاوة التي كان يتمنى .. وحصل له فيها من الإهانة و الانتقاص ما جعله يغدرها عائدا لمعرة النعمان حيث والدته مريضه ولكن توفيت قبل وصوله وقد أثر ذلك عليه ورثاها ثم دخل بيته وأغلق على نفسه وامتنع عن الخروج أربعين سنة .. وبعزلته وقلقه وخوفه قد جار على نفسه فوق جور الحياة علّه ينسى جور الحياة ويثأر منها لكن دون جدوى، فألزم نفسه قيودًا لا يحتملها إنسانٌ طبيعي فحكم على نفسه أن يبقى في سجونه الأربعة : العمى والبيت والجسد واللزوميات ، فسجن الجسد سجن خيالي فلسفي وهو الجسم الذي كره النفس التي تستقر فيه ولا تتجاوز حدوده إلا حين يقضي عليها الموت .
وإذا قلنا أن المعري بريء من الابيات التي نُسبت له في الكفر و الزندقة فإننا لا نستطيع إنكار اضطرابه النفسي والقلق والخوف من المستقبل والشك وإعمال العقل كما هو حال الفلاسفة العرب ..
ففي العقل يقول :
أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ فاتّبعْهُ ، فكلّ عقلٍ نبي
وهنا عدم ضبط للعقل واتباعه وهذه الفكرة منتشرة بين الملحدين والزنادقة العرب والعجم في ذلك الوقت وهي إعمال العقل ولو خالف النقل مثل المعتزلة والجهمية وأمثال التوحيدي و الراوندي و الكندي وغيرهم .
ويقول :
يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرساء
كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمساء
فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرساء
إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤساء
ويصرح بأن الحكم الأول والأخير يجب أن يكون للعقل فيقول :
جاءت أحاديثُ إن صــحتْ فإن لها شأنـا ولكن فيها ضعف إسنادِ
فشاور العقل واترك غيره هـــدرا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي
يطرح المعري قضية الألوهية بشيء من الإنكار تارة وتارة أخرى بشكل إيماني عميق ، فالشك يبدأ لديه في مواجهة ما تناقله الفقهاء والمفسرون ولذلك يقول في اللزوميات :
قلتم لنا خالقٌ حكيم قلنا صدقتم كذا نقـولُ
زعمتموه بلا مكانٍ ولا زمانٍ ألا فقولــوا
هذا كلام له خبـئٌ معناه ليست لنا عقولُ
وأن هنالك تناقضا في الأحكام فيخاطب الله قائلا :
أنهيتَ عن قتل النفوس تعمدا وبعثت أنت لقبضها ملكين؟
وزعمت أن لنا معــادا ثانيا ما كان أغناها عن الحالين
ويخاطب الله متسائلا :
إن كان لا يحظى برزقك عاقــل وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يارب السماء على امرئ رأى من ما يشتهي فتزندقا
أما اليأس و الكآبة فتظهر حين يقول :
ألم تر أنني حي كميت .. أداري الوقت أو ميت كحي
ويظهر في بيت الشعر الذي أمر أن يُكتب على قبره :
هذا جناه أبي علي .. وما جنيت على أحد
وأما مدح النفس فهو دلالة على الشعور بالنقص وعدم حفاوة الناس به فيقول :
وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم .. بإخفاء شمس ضوؤها متكامل
ويقول :
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانه لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ
أما التشائم و التعميم وجعل الناس كلهم في درجة واحدة والنظره السوداوية ، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال : ( من قال هلك الناس فهو أهلكهم ) .
فيقول :
قد فاضت الدنيا بأدناسها .. على براياها وأجناسها
وكل حي بها ظالم .. وما بها أظلم من ناسها
وذهب في فلسفته التشاؤمية إلى الحد الذي وصى فيه بعدم إنجاب الأطفال كي نجنبهم آلام الحياة . وفي مرثاة ألفها عقب فقده لقريب له جمع حزنه على قريبه مع تأملاته عن سرعة الزوال ، قال :
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
يقول المعري في "رسالة الفصول والغايات " : ( طفت الآفاق ، فإذا الدنيا نفاق ؛ ومللت من مداراة العالم بما يضمر غيره ما يظهره الفؤاد ، فاخترت الوحدة على جليس السوء ) .
ويصرح المعري في " رسالة الفصول والغايات " بتأرجحه بين القبول و الرفض للحياة فيقول : ( نفس تأمرني بذلك ، ونفس تنهاني ) .
وربما كان يعني التخلص من الحياة ولذا فهو يصرح في رسالة الغفران : ( قد كدت ألحق برهط العدم ؛ من غير الأسف ولا الندم ، ولكنما أرهب قدومي على الجبار ) .
ومن الغرائب و العجائب للمعري والتي تظهر الحالة النفسية له إنكاره على آدم و حواء الإنسال فيقول :
فليت حواء عقيم غدت .. لا تلد الناس و لا تحبل
ويقول :
ياليت آدم كان طلق أمهم .. أو كان حرمها عليه ظهار
ولدتهم في غير طهر عاركا .. فلذاك تفقد فيهم الأطهار
وقال في زنا ابناء آدم :
إذا ما ذكرنا آدم وفعاله .. وتزويجه بنتيه لابنيه في الخنا
علمنا بان الخلق من اصل زنية .. وان جميع الناس من عنصر الزنا
ومن الأمور التي عمي بصره وبصيرته عنها تحريم أو الامتناع عما أحل الله ، فكما أن تحليل ما حرم الله كبير فكذلك تحريم ما أحل الله ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه ، فهو لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة ، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل ، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن . حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً .
وقد قسى عليه بن قيم الجوزية رحمه الله فقال عنه في كتابه طريق الهجرتين : ( وممن كان على هذا المذهب أي الامتناع عن أكل الحيوان أعمى البصر والبصيرة كلب معرة النعمان المكنى بأبي العلاء المعري فإنه امتنع من أكل الحيوان زعم لظلمه بالإيلام والذبح ) .
قال ابن الجوزي في كتابه المنتظم في ترجمته للمعرى أن أحواله تدل على اختلاف عقيدته ، وقد حكى لنا عن أبى زكريا أنه قال : قال لي المعري : ما الذي تعتقد - فقلت في نفسي : اليوم أعرف اعتقاده - فقلت : ما أنا إلا شاك ! فقال : هكذا شيخك " .
ومن تذبذبه وشكه يقول :
إذا قلت المحال رفعت صوتي .. وإن قلت اليقين أطلت همسي
ونختم بأعمى البصر و البصيرة عميد الأدب العربي كما يُسمى :
طه حسين :
1306 هـ / 15 نوفمبر 1889 - 1393 هـ / 28 أكتوبر 1973م
لم ينفعه حفظه للقرآن الكريم و لم تنفعه الأربعة أعوام التي درس فيها الشريعة الإسلامية واللغة العربية في الأزهر ولم تنفعه فصاحته و ذكائه ومعرفته بلغة القرآن {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
ــ من طوامه ومصائبه التي ابتلى بها البلاد الإسلامية دعوته إلى الأَوْرَبة فهو يقول ويحدد في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " :
( سبيل نهضة الأمة المصرية في طريقة واحدة فذة ليس لها تعدد وهي : أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها ، ما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب ) .
ومن مصائبه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك ، ويقول في هذا الصدد . وهذا تكذيب للقرآن و لسنة النبي صلى الله عليه و سلم الصحيحة المتواتره ولكنه الغرور بالذكاء و إعمال العقل وتقديسه جعل عميد الأدب العربي بهذا الغباء و البلاهه حينما قدم عقله القاصر على ما جاء في القرآن و السنة ..!!
وعد أن هذا أسطورة لفقها العرب بعامة وقريش بخاصة ليحتالوا بها على من عندهم من فرس وروم ، ليؤكدوا أن لهم أصلا قديما يرتبط بتأسيس إبراهيم وإسماعيل للكعبة ، ثم جاء القرآن فصدق هذه الأسطورة ، ليحتال على اليهود ليؤلف قلوبهم ، إذ مرجعهم إبراهيم جميعا .
يقول : ( للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي ) .
إذا القرآن لا يكفي لصحة القصة المذكورة .. قبح الله هذا العقل فسبحان من جمع فيه عمى البصر و البصيرة ..!!
{ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غڑ أُولَظ°ئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ غڑ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ غ– وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وقد كان يشكك في القرآن بتلميح فاضح ويرد الأحاديث الصحيحة ويطعن في الصحابة الكرام ويدعو إلى تقليد الغرب في كل شيء ، وحسبنا أن نشير إلى أمثلة من ذلك ، فهو يقول في كتابه الأدب الجاهلي : ليس يعنيني هنا أن يكون القرآن الكريم قد تأثر بشعر أمية بن أبي الصلت أو لا يكون ، ثم يقول : لم لا يكون أمية بن أبي الصلت قد أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم طالما أن مصادر أمية ومحمد واحدة وهي قصص اليهود والنصارى ؟ فهو يعتبر أن مصدر القرآن هو قصص اليهود والنصارى .
ويقول في كتابه الشيخان معلقا على حديث استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما الذي رواه البخاري بأن هذا تكلف مصدره التملق لبني العباس أثناء حكمهم .
ويصف في كتابه " الفتنة الكبرى " ابن عباس حبر الأمة بأنه لص يأخذ ما في بيت المال في البصرة ويهرب إلى الحجاز .
ــ " وعندما صدر كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " كلف فضيلة شيخ الأزهر في هذا الوقت لجنة من علماء الأزهر بالنظر في الكتاب ووضع تقرير عنه فقامت بذلك ورفعت تقريرا جاء فيه : مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر السلام عليكم ورحمة الله : وبعد فقد اجتمعت اللجنة المؤلفة بأمر فضيلتكم من الموقعين عليه لفحص كتاب طه حسين المسمى " في الشعر الجاهلي " بمناسبة ما قيل عنه من تكذيب القرآن الكريم واطلعت على الكتاب ، وهذا ما ترفعه إلى فضيلتكم عنه بعد فحصه واستقراء ما فيه . يقع الكتاب في 183 صفحة وموضوعه إنكار الشعر الجاهلي وأنه منتحل بعد الإسلام لأسباب زعمها وقال إنه بنى بحثه على التجرد من كل شيئ حتى من دينه وقوميته عملا بمذهب ديكارت الفرنسي ، والكتاب كله مملوء بروح الإلحاد والزندقة ، وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه ، ولا يجوز بحال أن تلقى إلى تلامذة لم يكن عندهم من المعلومات الدينية ما يتقون به هذا التضليل المفسد لعقائدهم ، والموجب للخلف والشقاق في الأمة وإثارة فتنة عنيفة دينية ضد دين الدولة ودين الأمة . وترى اللجنة أنه إذا لم تكافح هذه الروح الإلحادية في التعليم ويقتلع هذا الشر من أصله ، وتطهر دور التعليم من اللادينية التي يعمل بعض الأفراد على نشرها بتدبير وإحكام تحت ستار حرية الرأي اختل النظام وفشت الفوضى واضطرب حبل الأمن لأن الدين هو أساس الطمأنينة و النظام " . اه موقع اسلام ويب .