أبو علياء
01-24-2020, 11:51 AM
إذا اشتبه إناءان: طاهر، ونجس، فثلاثة أوجه. الصحيح: أنه لا يجوز استعمال أحدهما إلا بالاجتهاد، وظهور علامة تغلب على الظن طهارته، ونجاسة المتروك. والثاني: يكفي ظن الطهارة بلا علامة. والثالث: يستعمل أحدهما بلا اجتهاد ولا ظن، وسواء علم نجاسة أحدهما بمشاهدتها، أو ظنها بإخبار من تقبل روايته من حر، أو عبد، أو امرأة. وفي الصبي المميز وجهان. قلت: الاصح عند الجمهور لا يقبل قول المميز، ويقبل قول (3) الاعمى بلا خلاف (4). والله أعلم. ويشترط أن يعلم من حال المخبر، أنه لا يخبر (5) عن حقيقة (6)، وسواء أخبره
بنجاسة أحدهما على الابهام، أم بعينه، ثم اشتبه، فيجتهد في الجميع. ولو انصب أحدهما، أو صبه، فثلاثة أوجه. أصحها: يجتهد في الباقي. والثاني: لا يجوز الاجتهاد، بل يتيمم. والثالث: يستعمله بلا اجتهاد عملا بالاصل. قلت: الاصح عند المحققين والاكثرين - أو الكثيرين -: أنه لا يجوز الاجتهاد، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه. والله أعلم. وللاجتهاد شروط. الاول: أن يكون للعلامة مجال، كالاواني، والثياب. أما إذا اختلط بعض محارمه بأجنبية، أو أجنبيات محصورات، فلا يجوز نكاح واحدة منهن بالاجتهاد. الثاني: أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الطهارة. فلو اشتبه ماء ببول، أو بماء ورد، أو ميتة بمذكاة، أو لبن بقر بلبن أتان. لم يجتهد على الصحيح، بل يتيمم في مسألة البول. وفي مسألة ماء الورد، يتوضأ بكل واحدة مرة. وقيل: يجتهد. ولا بد من ظهور علامة بلا خلاف، ولا يجئ فيه الوجه الثاني في أول الباب. الثالث: مختلف فيه، وهو العجز عن اليقين، فلو تمكن منه، جاز الاجتهاد على الاصح، فيجوز في المشتبهين، وإن كان معه ثالث طاهر بيقين، أو كان على شط نهر أو اشتبه ثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين، أو قلتان: طاهرة، ونجسة، وأمكن خلطهما بلا تغير، أو اشتبه ماء مطلق بمستعمل، أو بماء ورد، قلنا: يجوز الاجتهاد فيه على الاصح في الجميع. الرابع: أن تظهر علامة، وقد تقدم أن الصحيح، اشتراط العلامة، فلو لم تظهر، تيمم بعد إراقة الماءين، أو صب أحدهما في الآخر، فلا إعادة عليه. فإن تيمم قبل ذلك، وجبت إعادة الصلاة. وأما الاعمى، فيجتهد على الاظهر. فإن لم يغلب على ظنه شئ، قلد على الاصح. قلت: فان قلنا: لا يقلد، أو لم يجد من يقلده، فوجهان. الصحيح أنه يتيمم، ويصلي، وتجب الاعادة. والثاني: يخمن ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه، وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه، واختاره القاضي أبو الطيب قال: ويعيد. والله أعلم.
فرع إذا غلب على ظنه طهارة إناء، استحب أن يريق الآخر، فلو لم يفعل وصلى بالاول الصبح، فحضرت الظهر، فإن لم يبق من الاول شئ، لم يجب الاجتهاد للظهر. فلو اجتهد فظن طهارة الباقي، فالصحيح المنصوص أنه يتيمم ولا يستعمله، وخرج ابن سريج أنه يستعمله، ولا يتيمم فيغسل جميع ما أصابه الماء الاول، ثم يتوضأ، وعلى هذا لا يعيد واحدة من الصلاتين. وعلى المنصوص: لا يعيد الاولى، ولا الثانية أيضا على الاصح. أما إذا بقي من الاول شئ، فان كان يكفي طهارته، فهو كما إذا لم يبق شئ، إلا أنه يجب الاجتهاد للصلاة الثانية. وإذا صلاها بالتيمم، وجب قضاؤها على الصحيح المنصوص. وإن كان الباقي لا يكفي، فإن قلنا: يجب استعماله، كان كالكافي، وإلا كان كما إذا لم يبق من الاول شئ. ولو صب الماء الباقي مع بقية الاول، أو الباقي إذا كان وحده، ثم صلى بالتيمم، فلا إعادة عليه بلا خلاف. فرع الشئ الذي لا يتيقن نجاسته ولا طهارته، والغالب في مثله النجاسة، فيه قولان، لتعارض الاصل (1). والظاهر: أظهرهما: الطهارة، عملا بالاصل، فمن ذلك ثياب مدمني الخمر وأوانيهم، وثياب القصابين، والصبيان
الذين لا يتوقون النجاسة، وطين الشوارع حيث لا يستيقن، ومقبرة شك في نبشها، وأواني الكفار المتدينين باستعمال النجاسة كالمجوس، وثياب المنهمكين في الخمر، والتلوث بالخنزير من اليهود والنصارى. ولا يلحق بهؤلاء الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة، كاليهود، والنصارى. فإن ألحقنا غلبة الظن باليقين، واشتبه إناء طاهر بإناء الغالب في مثله النجاسة، اجتهد فيهما. وإن رجحنا الاصل، فهما طاهران، وربما أطلق الاصحاب القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة، لكن له شرط، وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى كون الغالب في مثله النجاسة. فان لم يكن كذلك، لم يلزم طرد القولين، حتى لو رأى ظبيه تبول في ماء كثير وهو بعيد منه، فجاءه، فوجده متغيرا، وشك، هل تغير بالبول، أم بغيره ؟، فهو نجس، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، والاصحاب رحمهم الله. قلت: الجمهور حكموا بالنجاسة مطلقا، وبعضهم قال: إن كان عهده عن قرب غير متغير، فهو النجس. وإن لم يعهده أصلا، أو طال عهده، فهو طاهر، لاحتمال التغير بطول المكث. واعلم أن الامام الرافعي اختصر هذا الباب جدا، وترك أكثر مسائله. وأنا إن شاء الله تعالى (1) أشير إلى معظم ما تركه. قال أصحابنا: يجوز الاجتهاد في المشتبهين من الطعامين، والدهنين، ونحوهما، في الجنس، والجنسين، كلبن وخل تنجس أحدهما، وثوب وتراب، وطعام وماء، ولنا وجه منكر أنه لا يجوز في الجنسين. حكاه الشيخ أبو حامد وغلطه، ولو اشتبه لبنان ومعه ثالث متيقن الطهارة، إن لم يكن مضطرا إلى شربه، جاز الاجتهاد فيهما، وإن اضطر، فعلى الوجهين في الماءين ومعه ثالث. ولو أخبره بنجاسة أحد المشتبهين بعينه من يقبل خبره، عمل به، ولم يجز الاجتهاد، فإن كان معه إناءان، فقال عدل: ولغ الكلب في هذا دون ذاك، وقال آخر: في ذاك دون هذا، حكم بنجاستهما، لاحتمال الولوغ في وقتين، فإن عينا وقتا بعينه، عمل بقول أوثقهما عنده على المختار الذي قطع به إمام الحرمين. فإن استويا، فالمذهب
أنه يسقط خبرهما، وتجوز الطهارة بهما (1)، وفيه طرق للاصحاب، وتفريعات طويلة أوضحتها في شرحي (المهذب) (2) و (التنبيه) ولو قال عدل: ولغ في هذا الاناء، هذا الكلب في وقت كذا، فقال آخر: كان هذا الكلب في ذلك الوقت ببلد آخر، فالاصح طهارة الاناء، للتعارض، والثاني: النجاسة لاشتباه الكلاب. ولو أدخل الكلب رأسه في الاناء، وأخرجه ولم يعلم ولوغه، فان كان فمه يابسا، فالماء على طهارته، وإن كان رطبا، فالاصح، الطهارة للاصل. والثاني: النجاسة، للظاهر. وإذا توضأ بالمظنون طهارته، ثم تيقن أنه كان نجسا، أو أخبره عدل، لزمه إعادة الصلاة، وغسل ما أصابه الماء من بدنه وثوبه. ويكفيه الغسلة الواحدة عن النجاسة والحدث جميعا إذا نوى الحدث، على أصح الوجهين عند العراقيين، وهو المختار، خلاف ما جزم به الرافعي وجماعة من الخراسانيين: أنه لا بد من غسلتين. ولنا قول شاذ في (الوسيط) وغيره: أنه لا تجب إعادة هذه الصلاة، كنظيره من القبلة. ولو توضأ بأحد المشتبهين من غير اجتهاد، وصلى، وقلنا بالصحيح: أنه لا يجوز، فبان أن الذي توضأ به هو الطاهر، لم تصح صلاته قطعا، ولا وضوؤه على الاصح، لتلاعبه، وكنظيره في القبلة والوقت. ولو اشتبه الاناءان على رجلين، فظن كل واحد طهارة إناء باجتهاده، لم يقتد أحدهما بالآخر. فلو كانت الآنية ثلاثة، نجس، وطاهران، فاجتهد فيها ثلاثة رجال، وتوضأ كل باناء، وأمهما واحد في الصبح، وآخر في الظهر، وآخر في العصر، فثلاثة أوجه. الصحيح الاشهر: قول ابن الحداد (3): يصح لكل واحد التي أم فيها. والاقتداء
الاول، ويتعين الثاني للبطلان. والثاني: قول ابن القاص (1): لا يصح له إلا التي أم فيها. والثالث: قول أبي إسحق المروزي (2): تصح التي أم فيها. والاقتداء الاول إن اقتصر عليه. فان اقتدى ثانيا، بطلا جميعا. وإن زادت الآنية والمجتهدون، أو سمع من الرجال صوت حدث، فتناكروه، فحكم كله خارج على ما ذكرته، وقد أوضحت كل هذا بأمثلته وأدلته في شرحي (المهذب) و (التنبيه). وقد ذكر الرافعي رحمه الله المسألة في باب (صفة الائمة) وهذا الموضع أنسب. ولو وجد قطعة لحم ملقاة، فان كان في البلد مجوس ومسلمون، فنجسة، فإن تمحض المسلمون، فان كانت في خرقة، أو مكتل، فطاهرة، وإن كانت ملقاة مكشوفة، فنجسة. ولو اشتبهت ميتة بمذكيات بلد، أو إناء بول بأواني بلد، فله أخذ بعضها بالاجتهاد بلا خلاف، وإلى أي حد ينتهي ؟ فيه وجهان مذكوران في (البحر) أصحهما إلى أن يبقى واحد. والثاني: إلى أن يبقى قدر لو كان الاختلاط به ابتداء، منع الجواز (3). ولو كان له دنان فيهما مائع، فاغترف منهما في إناء، فرأى فيه فأرة لا يدرى من أيهما هي، تحرى، فان ظهر له أنها من أحدهما بعينه، فإن كان اغترف بمغرفتين، فالآخر طاهر، وإن كان بمغرفة، فإن ظهر بالاجتهاد أن الفأرة في الثاني، فالاول على طهارته، وإلا، فهما نجسان. وقد أكثرت الزيادة في هذا الباب لمسيس الحاجة إليها، فبقيت منه بقايا حذفتها كراهة كثرة الاطالة. والله أعلم.
بنجاسة أحدهما على الابهام، أم بعينه، ثم اشتبه، فيجتهد في الجميع. ولو انصب أحدهما، أو صبه، فثلاثة أوجه. أصحها: يجتهد في الباقي. والثاني: لا يجوز الاجتهاد، بل يتيمم. والثالث: يستعمله بلا اجتهاد عملا بالاصل. قلت: الاصح عند المحققين والاكثرين - أو الكثيرين -: أنه لا يجوز الاجتهاد، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه. والله أعلم. وللاجتهاد شروط. الاول: أن يكون للعلامة مجال، كالاواني، والثياب. أما إذا اختلط بعض محارمه بأجنبية، أو أجنبيات محصورات، فلا يجوز نكاح واحدة منهن بالاجتهاد. الثاني: أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الطهارة. فلو اشتبه ماء ببول، أو بماء ورد، أو ميتة بمذكاة، أو لبن بقر بلبن أتان. لم يجتهد على الصحيح، بل يتيمم في مسألة البول. وفي مسألة ماء الورد، يتوضأ بكل واحدة مرة. وقيل: يجتهد. ولا بد من ظهور علامة بلا خلاف، ولا يجئ فيه الوجه الثاني في أول الباب. الثالث: مختلف فيه، وهو العجز عن اليقين، فلو تمكن منه، جاز الاجتهاد على الاصح، فيجوز في المشتبهين، وإن كان معه ثالث طاهر بيقين، أو كان على شط نهر أو اشتبه ثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين، أو قلتان: طاهرة، ونجسة، وأمكن خلطهما بلا تغير، أو اشتبه ماء مطلق بمستعمل، أو بماء ورد، قلنا: يجوز الاجتهاد فيه على الاصح في الجميع. الرابع: أن تظهر علامة، وقد تقدم أن الصحيح، اشتراط العلامة، فلو لم تظهر، تيمم بعد إراقة الماءين، أو صب أحدهما في الآخر، فلا إعادة عليه. فإن تيمم قبل ذلك، وجبت إعادة الصلاة. وأما الاعمى، فيجتهد على الاظهر. فإن لم يغلب على ظنه شئ، قلد على الاصح. قلت: فان قلنا: لا يقلد، أو لم يجد من يقلده، فوجهان. الصحيح أنه يتيمم، ويصلي، وتجب الاعادة. والثاني: يخمن ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه، وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه، واختاره القاضي أبو الطيب قال: ويعيد. والله أعلم.
فرع إذا غلب على ظنه طهارة إناء، استحب أن يريق الآخر، فلو لم يفعل وصلى بالاول الصبح، فحضرت الظهر، فإن لم يبق من الاول شئ، لم يجب الاجتهاد للظهر. فلو اجتهد فظن طهارة الباقي، فالصحيح المنصوص أنه يتيمم ولا يستعمله، وخرج ابن سريج أنه يستعمله، ولا يتيمم فيغسل جميع ما أصابه الماء الاول، ثم يتوضأ، وعلى هذا لا يعيد واحدة من الصلاتين. وعلى المنصوص: لا يعيد الاولى، ولا الثانية أيضا على الاصح. أما إذا بقي من الاول شئ، فان كان يكفي طهارته، فهو كما إذا لم يبق شئ، إلا أنه يجب الاجتهاد للصلاة الثانية. وإذا صلاها بالتيمم، وجب قضاؤها على الصحيح المنصوص. وإن كان الباقي لا يكفي، فإن قلنا: يجب استعماله، كان كالكافي، وإلا كان كما إذا لم يبق من الاول شئ. ولو صب الماء الباقي مع بقية الاول، أو الباقي إذا كان وحده، ثم صلى بالتيمم، فلا إعادة عليه بلا خلاف. فرع الشئ الذي لا يتيقن نجاسته ولا طهارته، والغالب في مثله النجاسة، فيه قولان، لتعارض الاصل (1). والظاهر: أظهرهما: الطهارة، عملا بالاصل، فمن ذلك ثياب مدمني الخمر وأوانيهم، وثياب القصابين، والصبيان
الذين لا يتوقون النجاسة، وطين الشوارع حيث لا يستيقن، ومقبرة شك في نبشها، وأواني الكفار المتدينين باستعمال النجاسة كالمجوس، وثياب المنهمكين في الخمر، والتلوث بالخنزير من اليهود والنصارى. ولا يلحق بهؤلاء الذين لا يتدينون باستعمال النجاسة، كاليهود، والنصارى. فإن ألحقنا غلبة الظن باليقين، واشتبه إناء طاهر بإناء الغالب في مثله النجاسة، اجتهد فيهما. وإن رجحنا الاصل، فهما طاهران، وربما أطلق الاصحاب القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة، لكن له شرط، وهو أن تكون غلبة الظن مستندة إلى كون الغالب في مثله النجاسة. فان لم يكن كذلك، لم يلزم طرد القولين، حتى لو رأى ظبيه تبول في ماء كثير وهو بعيد منه، فجاءه، فوجده متغيرا، وشك، هل تغير بالبول، أم بغيره ؟، فهو نجس، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، والاصحاب رحمهم الله. قلت: الجمهور حكموا بالنجاسة مطلقا، وبعضهم قال: إن كان عهده عن قرب غير متغير، فهو النجس. وإن لم يعهده أصلا، أو طال عهده، فهو طاهر، لاحتمال التغير بطول المكث. واعلم أن الامام الرافعي اختصر هذا الباب جدا، وترك أكثر مسائله. وأنا إن شاء الله تعالى (1) أشير إلى معظم ما تركه. قال أصحابنا: يجوز الاجتهاد في المشتبهين من الطعامين، والدهنين، ونحوهما، في الجنس، والجنسين، كلبن وخل تنجس أحدهما، وثوب وتراب، وطعام وماء، ولنا وجه منكر أنه لا يجوز في الجنسين. حكاه الشيخ أبو حامد وغلطه، ولو اشتبه لبنان ومعه ثالث متيقن الطهارة، إن لم يكن مضطرا إلى شربه، جاز الاجتهاد فيهما، وإن اضطر، فعلى الوجهين في الماءين ومعه ثالث. ولو أخبره بنجاسة أحد المشتبهين بعينه من يقبل خبره، عمل به، ولم يجز الاجتهاد، فإن كان معه إناءان، فقال عدل: ولغ الكلب في هذا دون ذاك، وقال آخر: في ذاك دون هذا، حكم بنجاستهما، لاحتمال الولوغ في وقتين، فإن عينا وقتا بعينه، عمل بقول أوثقهما عنده على المختار الذي قطع به إمام الحرمين. فإن استويا، فالمذهب
أنه يسقط خبرهما، وتجوز الطهارة بهما (1)، وفيه طرق للاصحاب، وتفريعات طويلة أوضحتها في شرحي (المهذب) (2) و (التنبيه) ولو قال عدل: ولغ في هذا الاناء، هذا الكلب في وقت كذا، فقال آخر: كان هذا الكلب في ذلك الوقت ببلد آخر، فالاصح طهارة الاناء، للتعارض، والثاني: النجاسة لاشتباه الكلاب. ولو أدخل الكلب رأسه في الاناء، وأخرجه ولم يعلم ولوغه، فان كان فمه يابسا، فالماء على طهارته، وإن كان رطبا، فالاصح، الطهارة للاصل. والثاني: النجاسة، للظاهر. وإذا توضأ بالمظنون طهارته، ثم تيقن أنه كان نجسا، أو أخبره عدل، لزمه إعادة الصلاة، وغسل ما أصابه الماء من بدنه وثوبه. ويكفيه الغسلة الواحدة عن النجاسة والحدث جميعا إذا نوى الحدث، على أصح الوجهين عند العراقيين، وهو المختار، خلاف ما جزم به الرافعي وجماعة من الخراسانيين: أنه لا بد من غسلتين. ولنا قول شاذ في (الوسيط) وغيره: أنه لا تجب إعادة هذه الصلاة، كنظيره من القبلة. ولو توضأ بأحد المشتبهين من غير اجتهاد، وصلى، وقلنا بالصحيح: أنه لا يجوز، فبان أن الذي توضأ به هو الطاهر، لم تصح صلاته قطعا، ولا وضوؤه على الاصح، لتلاعبه، وكنظيره في القبلة والوقت. ولو اشتبه الاناءان على رجلين، فظن كل واحد طهارة إناء باجتهاده، لم يقتد أحدهما بالآخر. فلو كانت الآنية ثلاثة، نجس، وطاهران، فاجتهد فيها ثلاثة رجال، وتوضأ كل باناء، وأمهما واحد في الصبح، وآخر في الظهر، وآخر في العصر، فثلاثة أوجه. الصحيح الاشهر: قول ابن الحداد (3): يصح لكل واحد التي أم فيها. والاقتداء
الاول، ويتعين الثاني للبطلان. والثاني: قول ابن القاص (1): لا يصح له إلا التي أم فيها. والثالث: قول أبي إسحق المروزي (2): تصح التي أم فيها. والاقتداء الاول إن اقتصر عليه. فان اقتدى ثانيا، بطلا جميعا. وإن زادت الآنية والمجتهدون، أو سمع من الرجال صوت حدث، فتناكروه، فحكم كله خارج على ما ذكرته، وقد أوضحت كل هذا بأمثلته وأدلته في شرحي (المهذب) و (التنبيه). وقد ذكر الرافعي رحمه الله المسألة في باب (صفة الائمة) وهذا الموضع أنسب. ولو وجد قطعة لحم ملقاة، فان كان في البلد مجوس ومسلمون، فنجسة، فإن تمحض المسلمون، فان كانت في خرقة، أو مكتل، فطاهرة، وإن كانت ملقاة مكشوفة، فنجسة. ولو اشتبهت ميتة بمذكيات بلد، أو إناء بول بأواني بلد، فله أخذ بعضها بالاجتهاد بلا خلاف، وإلى أي حد ينتهي ؟ فيه وجهان مذكوران في (البحر) أصحهما إلى أن يبقى واحد. والثاني: إلى أن يبقى قدر لو كان الاختلاط به ابتداء، منع الجواز (3). ولو كان له دنان فيهما مائع، فاغترف منهما في إناء، فرأى فيه فأرة لا يدرى من أيهما هي، تحرى، فان ظهر له أنها من أحدهما بعينه، فإن كان اغترف بمغرفتين، فالآخر طاهر، وإن كان بمغرفة، فإن ظهر بالاجتهاد أن الفأرة في الثاني، فالاول على طهارته، وإلا، فهما نجسان. وقد أكثرت الزيادة في هذا الباب لمسيس الحاجة إليها، فبقيت منه بقايا حذفتها كراهة كثرة الاطالة. والله أعلم.