دره العشق
10-23-2019, 08:13 PM
مبالغتك في حماية أبنائك تجعلهم نرجسيين وكسولين
لا تبالغ في حماية أبنائك!
https://i0.wp.com/meemmagazine.net/wp-content/uploads/2017/08/430C066A00000578-4768130-image-m-14_1502113663951-e1503933113410.jpg?w=634&ssl=1
في أثناء سعيهم لحماية أطفالهم من هذا العالم المخيف، يقع الآباء في أخطاء تجعلهم يحصدون نتائج معاكسة، حيث ينتهي الأمر بأطفالهم قادرين على تحدث اللغة الصينية وممارسة التزلج، ولكنهم عاجزون عن ربط خيط الحذاء أو ترتيب سريرهم.
قبل أشهر قليلة، انتشرت قصة الطفلة ساغلانا سالشاك، وهي فتاة من سيبيريا تبلغ من العمر أربع سنوات، توغلت في غابة كثيفة تعيش فيها الذئاب، بحثا عن المساعدة لجدتها المريضة. فبعد أن تحدثت ساغلانا مع جدها الكفيف، خرجت من المنزل وقطعت مسافة ثمانية كيلومترات في درجة حرارة 30 تحت الصفر، قبل أن تبلغ أقرب منزل في الغابة. وعندما أحضرت المساعدة، كانت جدتها قد فارقت الحياة، لكن هذه الفتاة “ذات الرداء الأحمر” تحولت إلى شخصية مشهورة.
جعلت قصة الفتاة ساغلانا العديد من الآباء يعيدون النظر في طريقة تربية لأبنائهم. ففي المحيط الذي نعيش فيه اليوم، لا يزال الكثير من أطفالنا يتناولون الحليب في زجاجة الرضاعة، ويتم نقلهم في العربة المدفوعة، ويرتدون الحفاظات أثناء النوم.
ربما يكون هؤلاء الأطفال قادرين على العزف على آلة الكمان أو تحدث اللغة الصينية، ولكن لا يمكنهم الالتزام ببعض الآداب البسيطة مثل قول “لو سمحت” و”شكرا”. وبالنسبة لهؤلاء، تعتبر الغابات والذئاب جزءا من القصص فقط، وهي قصص ربما لن يسمح لهم آباؤهم بقراءتها أصلا حتى لا تسبب لهم الكوابيس.
وخلال سعيهم المحموم لحماية أطفالهم من هذا العالم المخيف الذي نعيش فيه، وبدافع الحب الأعمى لهم والخوف عليهم، تسبب العديد من الكبار في تربية جيل من الأطفال العاجزين والضعاف وغير القادرين على مواجهة الصعاب دون أن ينهاروا. لقد أصبحوا يشبهون الدمى الرقيقة والطرية التي لا تتمتع بالحياة.
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة إيفا ميليت في كتابها “الأبوة المفرطة”، الذي صدر في سنة 2015، “تحول الأطفال، في الآلاف من المنازل العصرية، إلى مركز اهتمام العائلة، أو المركز الذي يدور بقية الناس في فلكه”.
وحسب الكاتبة، فإن سبب هذه الاختلالات في السلوك هو أن الأطفال لا يضطرون للخروج من شرنقتهم عند عمر الرابعة. وبعد هذه السن، يصبحون عاجزين عن توجيه أنفسهم ذاتيا في الشارع، أو إنجاز فروضهم المنزلية، أو مساعدة الأبوين، أو حتى الاهتمام بأنفسهم عند عدم وجود شخص كبير يهتم بهم. وفي كثير من الأحيان، يدخل هؤلاء الأطفال في نوبة غضب عندما لا يحصلون على كل ما يريدونه أو يعجزون عن ربط خيوط أحذيتهم. فقد اعتادوا على وجود شخص دائما بجانبهم لتحقيق رغباتهم واحتياجاتهم.
في الواقع، تقترن كلمة الدلال أو الطفل المدلل بإفساد طباع هذا الطفل. أما عبارة “الأبوة المفرطة”، التي اعتمدتها هذه الكاتبة، فهي ظاهرة باتت منتشرة بشكل كبير في شمال القارة الأمريكية، حتى أصبحت مدعاة لدق نواقيس الخطر.
في بداية القرن 21، بدأ الباحثون في الجامعات الأمريكية في ملاحظة أمر مهم، فقد كان الشباب الذين ينتقلون من المدرسة الثانوية إلى الجامعة عاجزين عن تحمل مسؤولياتهم بأنفسهم، كما أن ذويهم هم من يسافرون بهم من مدينتهم إلى الجامعة ويساعدونهم على تسلم الغرفة وتنظيم أغراضهم ، وحل جميع المشكلات والمفاجآت التي قد تطرأ. ووصل بهم الأمر إلى حد مخاطبة المدرسين وزملاء الدراسة ليشرحوا لهم كيف يجب عليهم أن يعاملوا “ابنهم الأمير أو ابنتهم الأميرة”.
ومن بين الأمثلة المعبرة حول هذه الظاهرة، تسرد هذه الباحثة في كتاب “الأبوة المفرطة”، قصة طالب أمريكي تعرض للاحتجاز داخل المصعد أثناء إقامته في برشلونة. وعوضا عن ضغط زر الطوارئ أو الاتصال بشركة إصلاح المصاعد، أخرج هاتفه الجوال من جيبه واتصل ب”ماما”، كأن الحبل السري لم ينقطع بينه وبينها، فقامت هذه الأخيرة من مدينة فلوريدا الأمريكية بالاتصال بتقني جاء لإصلاح العطب.
أسباب هذه النزعة الطفولية معقدة
يشير الباحثون إلى أن هناك جملة من العوامل الاجتماعية والديمغرافية التي تقف وراء هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد، أوردت إيفا ميليت أنها عندما كانت طفلة، كانت تطلعات الآباء وتوقعاتهم لأبنائهم متواضعة. فقد كان عليهم فقط الاجتهاد في المدرسة وتحسين سلوكهم ليكونوا أناسا محترمين. كما أضافت ميليت “لم نكن نمثل محور حياة آبائنا.
أما الآن، باتت العائلات أقل عددا والآباء يمتلكون أكثر مالا، ويوجهون كل اهتمامهم نحو الطفل. بالإضافة إلى ذلك، أصبح أغلب الأشخاص يؤسسون عائلات في سن متأخرة بعد خوض تجربة العمل. لذلك، يتعاملون مع تربية الأطفال كما لو أنها إدارة شركة، وليس حسب الطرق التقليدية الملائمة. أما بالنسبة للطبقة الوسطى والثرية، فقد أصبح تدليل الأطفال وتقديم الأشياء الثمينة لهم مظهرا من مظاهر الرياء، وسباقا حقيقيا بين الآباء لتوفير كل شيء.
فضلا عن ذلك، تعتقد عالمة النفس سيلفيا ألافا أن آباء اليوم أصبحوا أكثر انشغالا بعملهم، لذلك يحاولون أثناء الوقت المحدود الذي يقضونه مع أطفالهم “جعلهم سعداء”. ولكن، يكون هؤلاء الآباء عادة متعبين جدا وغير قادرين حتى على قول كلمة “لا”، على الرغم من أن هذه هي “الكلمة السحرية” لتعليم الطفل، ويجب أحيانا قولها وتحمل ردة فعله، في انتظار أن يتعلموا مع الوقت كيفية التعامل مع الحياة الواقعية.
وتذكر ماريا غارسيا أميلبورو، أستاذة الفلسفة والتعليم في الجامعة الإسبانية للتعلم عن بعد، أن الأطفال في السابق كان لديهم أم وأب، أما الآن فالأبناء يحضون باثنين أو ثلاثة آباء وأمهات، وهذا ما يفتح المجال أمام عمليات الابتزاز، حيث يشعر الطفل أن كل شخص من الكبار المحيطين به لا يريد أن يكون هو من يتكفل بتأديبه ووضع الحدود له، وبالتالي لا يريد أن يلعب دور الشخصية الشريرة.
كما أن بعض الآباء يقومون بهذا السلوك كنوع من ردة الفعل تجاه التسلط والاستبداد الذي عانوا منه في صغرهم. وحيال هذا الشأن، أفادت ميلت “من غير المنطقي أن تسأل طفلا عمره ثلاث سنوات عمّا يريد أن يتناوله في العشاء، أو عن المدرسة التي يفضل الذهاب إليها والملابس التي يريد ارتداءها. في الحقيقة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن العائلة ليست مؤسسة ديمقراطية، إذ يجب أن يكون فيها نوع من التسلسل الهرمي، وبعض القواعد الصارمة حتى يكون التعايش مريحا”.
كيف يتعرض الأطفال لأضرار الحماية المبالغ فيها والتساهل؟
بينت سيلفيا ألافا، مؤلفة دراسة تحت عنوان “نريد أطفالا سعداء”، إن هناك علامات محددة ترتبط بهذا النوع من الأطفال. فهم لا يطورون مهارات حسية كافية، ويواجهون صعوبات في حل الصراعات، لأنه لطالما تكفل آباؤهم بهذا الأمر. وهؤلاء يكسبون أصدقاء، ولكنهم يضطرون لبذل جهد كبير للحفاظ على الصداقة لأنهم لم يتعودوا على الأخذ والعطاء. كما يعتبر هذا النوع من الأطفال حساسين جدا تجاه الضغط النفسي، خاصة أنه يسمح لهم في الغالب بتناول الحلوى عوضا عن الطعام المفيد، وتجنب أخذ حمام لمجرد أنهم منهمكون في اللعب. وبالتالي، يبدو جليا أن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا كيفية مواجهة صعوبات الحياة.
في هذا الصدد، قيل للكثير من هؤلاء الأطفال منذ نعومة أظافرهم إنهم مميزون، لذلك أصبحوا نرجسيين. ولكنهم في الحقيقة يحملون قدرا أقل من التقدير الذاتي لأنفسهم والثقة بالنفس، وبالتالي سيتفوق عليهم أقرانهم الذين تمتعوا بحرية ارتكاب الأخطاء والتعلم منها. وفي شأن ذي صلة، أوردت عالمة النفس أن “نتيجة تعود الطفل على أن “أبي وأمي يتكفلان بكل شيء”، تتمثل في أن الطفل لا يتعلم شيئا البتة. لذلك، يصبح هؤلاء الأطفال أقل اعتمادا على أنفسهم، وأكثر تبعية وخبثا. فضلا عن ذلك، يواجه أغلبهم صعوبة في تحمل مسؤولية أفعالهم، ولا يستطيعون اتخاذ القرارات، كما أن هناك دراسات تشير إلى أن هذا النوع من الأطفال أكثر عرضة للتنمر والمضايقة في المدرسة”.
وفي سياق متصل، أفادت غارسيا أميلبورو أن “الحماية المفرطة لا تحضر الأطفال لقبول الواقع وتحمل المعاناة النفسية والجسدية، علما بأن هذه الأمور ستحصل لا محالة في المستقبل”. وخير مثال على ذلك، رفض الطفل القيام بواجباته المدرسية، ومما لا شك أصبح انتشار ثقافة النجاح السهل دون اجتهاد، وكسب المال دون تعب، ثقافة خطيرة. وعلى هذا الأساس، ينبغي أن نخبر الطفل أن تحقيق هذه الأمنيات يتطلب بذل جهد كبير، ولا مانع من تعقيد الأمور قليلا أمامه فسيدرك في كل الأحوال أن الحياة معقدة، في المستقبل.
في الغالب، تسود الفوضى حياة هذا النوع من الأطفال عند بلوغهم مرحلة المراهقة. وخلال تلك الفترة العمرية، يصبحون أكثر عرضة لحالات الاكتئاب والعصاب المرضي، بما أنهم تعودوا على وجود الآباء حولهم في كل شيء، وفجأة يجدون أنفسهم مضطرين إلى مواجهة الحياة الواقعية وهم لا يملكون أي إستراتيجية أو أدنى خبرة حولها.
ونتيجة لذلك، تعرض الكثير من المراهقين للفشل في حياتهم لأنهم لم يتعودوا على تحمل المسؤولية، كما ترعرع الكثيرون في عائلات مترفة وكان آباؤهم يحمونهم ويتحملون المسؤولية بدلا منهم عندما يخطئون. وكبروا وتطورت أخطاؤهم الصغيرة وتحولت إلى جرائم. ومازال البعض منهم إلى حد الآن لا يدركون مقدار الضرر الذي يلحقونه بالآخرين، بما أنه لم يحدث أن أجبرهم أحد على مواجهة نتائج أفعالهم.
يذكر أن الصحفية لينور سكينازي من نيويورك تايمز قامت بتجربة مثيرة، حيث أعطت ابنها البالغ من العمر تسع سنوات مبلغ عشرين دولار وخارطة لقطار الأنفاق، وطلبت منه العودة بمفرده للمنزل من الجانب الآخر من المدينة.
لاحقا، روت الصحافية هذه المغامرة في العمود المخصص لها في الصحيفة، ولكنها تعرضت لهجمة شرسة من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي وصفتها بأنها “أسوأ أم في العالم”. ومع ذلك، أصرّت على هذه الفكرة وأسست حركة بعنوان “الأطفال المنطلقون”، لمكافحة الاعتقاد الشائع بأن أطفالنا يكونون في حالة خطر متواصل بسبب وجود الغرباء وإمكانية تعرضهم للاختطاف أو الجراثيم، والسرقة، والفشل، والحشرات، والمجرمين أو تناولهم لغلال غير بيولوجية!
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الطفل البالغ من العمر تسع سنوات، نجح في قطع المسافة نحو المنزل، وعاد آمنا واحتضن أمه وهو سعيد بلعبته الجديدة وهي “الاعتماد على الذات”.
لا تبالغ في حماية أبنائك!
https://i0.wp.com/meemmagazine.net/wp-content/uploads/2017/08/430C066A00000578-4768130-image-m-14_1502113663951-e1503933113410.jpg?w=634&ssl=1
في أثناء سعيهم لحماية أطفالهم من هذا العالم المخيف، يقع الآباء في أخطاء تجعلهم يحصدون نتائج معاكسة، حيث ينتهي الأمر بأطفالهم قادرين على تحدث اللغة الصينية وممارسة التزلج، ولكنهم عاجزون عن ربط خيط الحذاء أو ترتيب سريرهم.
قبل أشهر قليلة، انتشرت قصة الطفلة ساغلانا سالشاك، وهي فتاة من سيبيريا تبلغ من العمر أربع سنوات، توغلت في غابة كثيفة تعيش فيها الذئاب، بحثا عن المساعدة لجدتها المريضة. فبعد أن تحدثت ساغلانا مع جدها الكفيف، خرجت من المنزل وقطعت مسافة ثمانية كيلومترات في درجة حرارة 30 تحت الصفر، قبل أن تبلغ أقرب منزل في الغابة. وعندما أحضرت المساعدة، كانت جدتها قد فارقت الحياة، لكن هذه الفتاة “ذات الرداء الأحمر” تحولت إلى شخصية مشهورة.
جعلت قصة الفتاة ساغلانا العديد من الآباء يعيدون النظر في طريقة تربية لأبنائهم. ففي المحيط الذي نعيش فيه اليوم، لا يزال الكثير من أطفالنا يتناولون الحليب في زجاجة الرضاعة، ويتم نقلهم في العربة المدفوعة، ويرتدون الحفاظات أثناء النوم.
ربما يكون هؤلاء الأطفال قادرين على العزف على آلة الكمان أو تحدث اللغة الصينية، ولكن لا يمكنهم الالتزام ببعض الآداب البسيطة مثل قول “لو سمحت” و”شكرا”. وبالنسبة لهؤلاء، تعتبر الغابات والذئاب جزءا من القصص فقط، وهي قصص ربما لن يسمح لهم آباؤهم بقراءتها أصلا حتى لا تسبب لهم الكوابيس.
وخلال سعيهم المحموم لحماية أطفالهم من هذا العالم المخيف الذي نعيش فيه، وبدافع الحب الأعمى لهم والخوف عليهم، تسبب العديد من الكبار في تربية جيل من الأطفال العاجزين والضعاف وغير القادرين على مواجهة الصعاب دون أن ينهاروا. لقد أصبحوا يشبهون الدمى الرقيقة والطرية التي لا تتمتع بالحياة.
وفي هذا الصدد، قالت الباحثة إيفا ميليت في كتابها “الأبوة المفرطة”، الذي صدر في سنة 2015، “تحول الأطفال، في الآلاف من المنازل العصرية، إلى مركز اهتمام العائلة، أو المركز الذي يدور بقية الناس في فلكه”.
وحسب الكاتبة، فإن سبب هذه الاختلالات في السلوك هو أن الأطفال لا يضطرون للخروج من شرنقتهم عند عمر الرابعة. وبعد هذه السن، يصبحون عاجزين عن توجيه أنفسهم ذاتيا في الشارع، أو إنجاز فروضهم المنزلية، أو مساعدة الأبوين، أو حتى الاهتمام بأنفسهم عند عدم وجود شخص كبير يهتم بهم. وفي كثير من الأحيان، يدخل هؤلاء الأطفال في نوبة غضب عندما لا يحصلون على كل ما يريدونه أو يعجزون عن ربط خيوط أحذيتهم. فقد اعتادوا على وجود شخص دائما بجانبهم لتحقيق رغباتهم واحتياجاتهم.
في الواقع، تقترن كلمة الدلال أو الطفل المدلل بإفساد طباع هذا الطفل. أما عبارة “الأبوة المفرطة”، التي اعتمدتها هذه الكاتبة، فهي ظاهرة باتت منتشرة بشكل كبير في شمال القارة الأمريكية، حتى أصبحت مدعاة لدق نواقيس الخطر.
في بداية القرن 21، بدأ الباحثون في الجامعات الأمريكية في ملاحظة أمر مهم، فقد كان الشباب الذين ينتقلون من المدرسة الثانوية إلى الجامعة عاجزين عن تحمل مسؤولياتهم بأنفسهم، كما أن ذويهم هم من يسافرون بهم من مدينتهم إلى الجامعة ويساعدونهم على تسلم الغرفة وتنظيم أغراضهم ، وحل جميع المشكلات والمفاجآت التي قد تطرأ. ووصل بهم الأمر إلى حد مخاطبة المدرسين وزملاء الدراسة ليشرحوا لهم كيف يجب عليهم أن يعاملوا “ابنهم الأمير أو ابنتهم الأميرة”.
ومن بين الأمثلة المعبرة حول هذه الظاهرة، تسرد هذه الباحثة في كتاب “الأبوة المفرطة”، قصة طالب أمريكي تعرض للاحتجاز داخل المصعد أثناء إقامته في برشلونة. وعوضا عن ضغط زر الطوارئ أو الاتصال بشركة إصلاح المصاعد، أخرج هاتفه الجوال من جيبه واتصل ب”ماما”، كأن الحبل السري لم ينقطع بينه وبينها، فقامت هذه الأخيرة من مدينة فلوريدا الأمريكية بالاتصال بتقني جاء لإصلاح العطب.
أسباب هذه النزعة الطفولية معقدة
يشير الباحثون إلى أن هناك جملة من العوامل الاجتماعية والديمغرافية التي تقف وراء هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد، أوردت إيفا ميليت أنها عندما كانت طفلة، كانت تطلعات الآباء وتوقعاتهم لأبنائهم متواضعة. فقد كان عليهم فقط الاجتهاد في المدرسة وتحسين سلوكهم ليكونوا أناسا محترمين. كما أضافت ميليت “لم نكن نمثل محور حياة آبائنا.
أما الآن، باتت العائلات أقل عددا والآباء يمتلكون أكثر مالا، ويوجهون كل اهتمامهم نحو الطفل. بالإضافة إلى ذلك، أصبح أغلب الأشخاص يؤسسون عائلات في سن متأخرة بعد خوض تجربة العمل. لذلك، يتعاملون مع تربية الأطفال كما لو أنها إدارة شركة، وليس حسب الطرق التقليدية الملائمة. أما بالنسبة للطبقة الوسطى والثرية، فقد أصبح تدليل الأطفال وتقديم الأشياء الثمينة لهم مظهرا من مظاهر الرياء، وسباقا حقيقيا بين الآباء لتوفير كل شيء.
فضلا عن ذلك، تعتقد عالمة النفس سيلفيا ألافا أن آباء اليوم أصبحوا أكثر انشغالا بعملهم، لذلك يحاولون أثناء الوقت المحدود الذي يقضونه مع أطفالهم “جعلهم سعداء”. ولكن، يكون هؤلاء الآباء عادة متعبين جدا وغير قادرين حتى على قول كلمة “لا”، على الرغم من أن هذه هي “الكلمة السحرية” لتعليم الطفل، ويجب أحيانا قولها وتحمل ردة فعله، في انتظار أن يتعلموا مع الوقت كيفية التعامل مع الحياة الواقعية.
وتذكر ماريا غارسيا أميلبورو، أستاذة الفلسفة والتعليم في الجامعة الإسبانية للتعلم عن بعد، أن الأطفال في السابق كان لديهم أم وأب، أما الآن فالأبناء يحضون باثنين أو ثلاثة آباء وأمهات، وهذا ما يفتح المجال أمام عمليات الابتزاز، حيث يشعر الطفل أن كل شخص من الكبار المحيطين به لا يريد أن يكون هو من يتكفل بتأديبه ووضع الحدود له، وبالتالي لا يريد أن يلعب دور الشخصية الشريرة.
كما أن بعض الآباء يقومون بهذا السلوك كنوع من ردة الفعل تجاه التسلط والاستبداد الذي عانوا منه في صغرهم. وحيال هذا الشأن، أفادت ميلت “من غير المنطقي أن تسأل طفلا عمره ثلاث سنوات عمّا يريد أن يتناوله في العشاء، أو عن المدرسة التي يفضل الذهاب إليها والملابس التي يريد ارتداءها. في الحقيقة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن العائلة ليست مؤسسة ديمقراطية، إذ يجب أن يكون فيها نوع من التسلسل الهرمي، وبعض القواعد الصارمة حتى يكون التعايش مريحا”.
كيف يتعرض الأطفال لأضرار الحماية المبالغ فيها والتساهل؟
بينت سيلفيا ألافا، مؤلفة دراسة تحت عنوان “نريد أطفالا سعداء”، إن هناك علامات محددة ترتبط بهذا النوع من الأطفال. فهم لا يطورون مهارات حسية كافية، ويواجهون صعوبات في حل الصراعات، لأنه لطالما تكفل آباؤهم بهذا الأمر. وهؤلاء يكسبون أصدقاء، ولكنهم يضطرون لبذل جهد كبير للحفاظ على الصداقة لأنهم لم يتعودوا على الأخذ والعطاء. كما يعتبر هذا النوع من الأطفال حساسين جدا تجاه الضغط النفسي، خاصة أنه يسمح لهم في الغالب بتناول الحلوى عوضا عن الطعام المفيد، وتجنب أخذ حمام لمجرد أنهم منهمكون في اللعب. وبالتالي، يبدو جليا أن هؤلاء الأطفال لم يتعلموا كيفية مواجهة صعوبات الحياة.
في هذا الصدد، قيل للكثير من هؤلاء الأطفال منذ نعومة أظافرهم إنهم مميزون، لذلك أصبحوا نرجسيين. ولكنهم في الحقيقة يحملون قدرا أقل من التقدير الذاتي لأنفسهم والثقة بالنفس، وبالتالي سيتفوق عليهم أقرانهم الذين تمتعوا بحرية ارتكاب الأخطاء والتعلم منها. وفي شأن ذي صلة، أوردت عالمة النفس أن “نتيجة تعود الطفل على أن “أبي وأمي يتكفلان بكل شيء”، تتمثل في أن الطفل لا يتعلم شيئا البتة. لذلك، يصبح هؤلاء الأطفال أقل اعتمادا على أنفسهم، وأكثر تبعية وخبثا. فضلا عن ذلك، يواجه أغلبهم صعوبة في تحمل مسؤولية أفعالهم، ولا يستطيعون اتخاذ القرارات، كما أن هناك دراسات تشير إلى أن هذا النوع من الأطفال أكثر عرضة للتنمر والمضايقة في المدرسة”.
وفي سياق متصل، أفادت غارسيا أميلبورو أن “الحماية المفرطة لا تحضر الأطفال لقبول الواقع وتحمل المعاناة النفسية والجسدية، علما بأن هذه الأمور ستحصل لا محالة في المستقبل”. وخير مثال على ذلك، رفض الطفل القيام بواجباته المدرسية، ومما لا شك أصبح انتشار ثقافة النجاح السهل دون اجتهاد، وكسب المال دون تعب، ثقافة خطيرة. وعلى هذا الأساس، ينبغي أن نخبر الطفل أن تحقيق هذه الأمنيات يتطلب بذل جهد كبير، ولا مانع من تعقيد الأمور قليلا أمامه فسيدرك في كل الأحوال أن الحياة معقدة، في المستقبل.
في الغالب، تسود الفوضى حياة هذا النوع من الأطفال عند بلوغهم مرحلة المراهقة. وخلال تلك الفترة العمرية، يصبحون أكثر عرضة لحالات الاكتئاب والعصاب المرضي، بما أنهم تعودوا على وجود الآباء حولهم في كل شيء، وفجأة يجدون أنفسهم مضطرين إلى مواجهة الحياة الواقعية وهم لا يملكون أي إستراتيجية أو أدنى خبرة حولها.
ونتيجة لذلك، تعرض الكثير من المراهقين للفشل في حياتهم لأنهم لم يتعودوا على تحمل المسؤولية، كما ترعرع الكثيرون في عائلات مترفة وكان آباؤهم يحمونهم ويتحملون المسؤولية بدلا منهم عندما يخطئون. وكبروا وتطورت أخطاؤهم الصغيرة وتحولت إلى جرائم. ومازال البعض منهم إلى حد الآن لا يدركون مقدار الضرر الذي يلحقونه بالآخرين، بما أنه لم يحدث أن أجبرهم أحد على مواجهة نتائج أفعالهم.
يذكر أن الصحفية لينور سكينازي من نيويورك تايمز قامت بتجربة مثيرة، حيث أعطت ابنها البالغ من العمر تسع سنوات مبلغ عشرين دولار وخارطة لقطار الأنفاق، وطلبت منه العودة بمفرده للمنزل من الجانب الآخر من المدينة.
لاحقا، روت الصحافية هذه المغامرة في العمود المخصص لها في الصحيفة، ولكنها تعرضت لهجمة شرسة من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي وصفتها بأنها “أسوأ أم في العالم”. ومع ذلك، أصرّت على هذه الفكرة وأسست حركة بعنوان “الأطفال المنطلقون”، لمكافحة الاعتقاد الشائع بأن أطفالنا يكونون في حالة خطر متواصل بسبب وجود الغرباء وإمكانية تعرضهم للاختطاف أو الجراثيم، والسرقة، والفشل، والحشرات، والمجرمين أو تناولهم لغلال غير بيولوجية!
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الطفل البالغ من العمر تسع سنوات، نجح في قطع المسافة نحو المنزل، وعاد آمنا واحتضن أمه وهو سعيد بلعبته الجديدة وهي “الاعتماد على الذات”.