دره العشق
09-04-2019, 10:58 AM
وفـد دوس
الحمد لله الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبصرهم بدين الحق وأسباب السعادة والسرور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فهي لهم في الحياة الدنيا خالصة يوم النشور، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى معالي الأمور، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان في الغدو والبكور، أما بعد:
فقد بعث الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، فبلغ البلاغ المبين، ونصح النصح الكافي الشافي لما في الصدور، وهدى الله على يديه الناس فأخرجهم من ظلمات الشرك والوثنية والجور والظلم والفجور، إلى نور التوحيد والإسلام والعدل والقسط والطهور، وامتن الله عليه بذلك وعلى المسلمين بقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران، وتبعه في حياته أناس كثر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وكان ممن استجاب لنداء الله تعالى أهل دوس، فجاء وفدهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ممثلاً بالطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه-. وكان ذلك في غزوة خيبر.
قال ابن إسحاق: كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل -وهو الذي بين أظهرنا- فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله. قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً فقلت في نفسي: واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقول حسناً قبلت وإن كان قبيحاً تركت. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوا الله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك، فعرض علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عوناً لي عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: (اللهم اجعل له آية) قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، قلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم، قال: فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق! وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت: إليك عني يا أبت فلستَ مني ولستُ منك، قال: لم يا بني؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد. قال: يا بني فديني دينك. قال: فقلت: اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت. قال: فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني. قالت: لم بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت دين محمد. قالت: فديني دينك. قال قلت: فاذهبي فاغتسلي، ففعلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت، ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطئوا علي فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم، فقال: (اللهم اهد دوساً)1 ثم قال: "ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم" فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين، ثم لم أزل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح الله عليه مكة. فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال ابن اسحاق: فخرج إليه فجعل الطفيل وهو يوقد عليه النار يقول:
الحمد لله الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبصرهم بدين الحق وأسباب السعادة والسرور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فهي لهم في الحياة الدنيا خالصة يوم النشور، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى معالي الأمور، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان في الغدو والبكور، أما بعد:
فقد بعث الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، فبلغ البلاغ المبين، ونصح النصح الكافي الشافي لما في الصدور، وهدى الله على يديه الناس فأخرجهم من ظلمات الشرك والوثنية والجور والظلم والفجور، إلى نور التوحيد والإسلام والعدل والقسط والطهور، وامتن الله عليه بذلك وعلى المسلمين بقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران، وتبعه في حياته أناس كثر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وكان ممن استجاب لنداء الله تعالى أهل دوس، فجاء وفدهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ممثلاً بالطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه-. وكان ذلك في غزوة خيبر.
قال ابن إسحاق: كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، قالوا له: إنك قدمت بلادنا وإن هذا الرجل -وهو الذي بين أظهرنا- فرق جماعتنا وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد حل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله. قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً فقلت في نفسي: واثكل أمياه والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان ما يقول حسناً قبلت وإن كان قبيحاً تركت. قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوا الله ما برحوا يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسناً فاعرض علي أمرك، فعرض علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإسلام وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله لي أن يجعل لي آية تكون عوناً لي عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: (اللهم اجعل له آية) قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، قلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم، قال: فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق! وأنا أنهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً فقلت: إليك عني يا أبت فلستَ مني ولستُ منك، قال: لم يا بني؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد. قال: يا بني فديني دينك. قال: فقلت: اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت. قال: فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني فلست منك ولست مني. قالت: لم بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت دين محمد. قالت: فديني دينك. قال قلت: فاذهبي فاغتسلي، ففعلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت، ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطئوا علي فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم، فقال: (اللهم اهد دوساً)1 ثم قال: "ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم" فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين، ثم لم أزل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح الله عليه مكة. فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال ابن اسحاق: فخرج إليه فجعل الطفيل وهو يوقد عليه النار يقول: