قانون الحب
07-14-2019, 10:31 AM
استوقفتني عبارة سمعتها من أحد الأصدقاء، تقول "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة"، في الحقيقة أن هذه العبارة هي أكثر من جملة تقال بعفوية، خصوصًا عندما يشتد النقاش بين الأصدقاء أو المعارف حول الحلال والحرام، وماذا يجب أن نفعل لكي تكون عبادتنا سليمة أو التقرب إلى الله بالطريقة الصحيحة، تمامًا كما يفرضها المشايخ، الذين يتواجدون بكثرة في وسائل الإعلام - خصوصًا البصرية منها -؟
المقولة تلخص ما يجب أن نستوعبه في علاقتنا مع الخالق. صحيح أنني لست داعية، ولا دارسة في علوم الدين، ويمكن أن أكون جاهلة في بعض الأمور الدينية، لكنها مقولة برغم بساطتها أراها كافية لفهم علاقتنا مع الخالق كما يجب أن تكون. تمامًا مثل ميمونة صاحبة العبارة الراسخة في ذهنية مجتمعات المغرب العربي أو الكبير كما يسميه البعض.
قصة ميمونة تختلف بين بلدان المغرب العربي، إلا أن قاسمها المشترك هو نفسه أي "سيدة صالحة تعبد الله بطريقتها الخاصة"
أعتقد أن هذه المقولة لو طبقها البعض في حياته اليومية، أو عند اختلاطه مع أشخاص قد لا يشبهونه في المعتقدات ولا في ممارسة الطقوس اليومية، فأكيد سيعم السلام ولا نجد كل ذلك اللغو في الدين الذي تعيشه مجمعتنا.
اقرأ/ي أيضًا: المولد النبويّ في الأردن: موسم الخلافات والتكفير
القصة تقول إن ميمونة هي سيدة تقية، تحب الله وتتقرب إليه بطريقتها الخاصة، تؤمن أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى وسيط بينها وبينه، ولا إلى كل ذلك العناء، فقط يكفي أن تؤمن به بشدة وتحبه بصدق.
ولكي أكون صادقة قصة ميمونة تختلف بين بلدان المغرب العربي، إلا أن قاسمها المشترك هو نفسه أي "سيدة صالحة تعبد الله بطريقتها الخاصة".
يقال إن ميمونة لم تكن متعلمة أبدًا، جاهلة بفرائض الدين، تحب أن تتقرب إلى الله عبر الصلاة، لكنها تجهل قواعد الصحيحة للصلاة، لهذا كانت تصلي بالطريقة التي تراها صائبة، وكانت مسرورة بما تقوم به من أجل التقرب إلى الله.
لكن الأهالي لم تعجبهم كيفية تعبد ميمونة، ذهبوا إلى شيخ وحكوا له القصة، الأخير حاول أن يريها الطريقة الصحيحة للصلاة، وأخبرها أن صلاتها غير سليمة أبدًا، لكن ميمونة ولأنها كبيرة في السن لم تستطيع التعلم الصلاة كما جاءت في السنن، فهي كانت تصلي بطريقتها الخاصة، كانت في سجودها وركوعها تردد عبارتها المشهورة "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة".
share
لماذا يتعذر على البعض فهم أن الدين ليس عبادات روتينية أحيانًا تمارس بدون وعي؟
لكن بعدما أخبرها الشيخ أن طريقتها غير سليمة، وأن الصلاة قد لا تقبل منها، صدمت وقررت ألا تصلي أبدا، وبعد فترة لاحظ أهالي المنطقة أن ميمونة اعتكفت في بيتها، ولم تعد تصلي، ولا حتى تخرج من البيت، فذهبوا مرة ثانية إلى الشيخ وأخبروه بذلك، هرول الشيخ مسرعًا إلى ميمونة، واستفسرها عن السبب انقطاعها عن الصلاة، أخبرته إنها كانت تصلي بما تعرف، لكنه أخبرها أن صلاتها غير صحيحة. لكن في راوية أخرى تقول إن ميمونة بقيت تصلي كما كانت تفعل مرددة عبارتها الشهيرة، ولو بعدما أخبرها الشيخ أن صلاتها غير سليمة.
لكن الشيخ في النهاية اقتنع وقال لها: "لا بأس يا ميمونة صلّي كما كنتي تصلي"، ورجع إلى أدرجه وهو يقول للأهالي "ميمونة تعرف ربي، وربي يعرف ميمونة".
يمكن أن نتأمل في هذه العبارة ونتناولها في كثير من زوايا لما تحمله من إيحاءات ومعان لامرأة بسيطة عابدة، بطريقة التي كانت تراها صائبة، فالمهم عند ميمونة هو صدقها في عبادة الله، فلا أحد من الأشخاص مهما كانت منزلته لا يستطيع إقناعنا بأن ما نقوم به غير صحيح، تمامًا مثل أولئك الذين ينصبون أنفسهم مكان الخالق، ويطلقون أحكامًا عن احتمالية دخولنا جهنم، لأننا لا نعبد الله بالطريقة التي أمرهم بها وليهم، أو شيخهم أو أيًا يكون.
أو ذلك الذي ملأ الحقد قلبه وحكم على أشخاص بالموت، عبر تفجير نفسه في مشهد دموي، داخل أماكن عبادة، سواء كنائس أو حتى مساجد فقط لأنهم لا يعبدون الله بطريقة تختلف عنه.
اقرأ/ي أيضًا: جورج طرابيشي.. حفريات الفكر العربي
متى يستوعبون أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى كل ذلك الدم الذي يهدر؟ متى تفهم تلك التي ترتدي غطاء الرأس أو ما يسمى بـ "الحجاب" أو "الزي الشرعي"، كما يحلو للبعض تسميته، أن الأخرى غير المحجبة يمكن أن تدخل الجنة لأنها قررت أن تطعم مسكين أو حيوان عطشان؟
share
متى يستوعبون أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى كل ذلك الدم الذي يهدر؟
أو تلك التي تسمى نفسها بـ"المتحررة" أن "المنقبة" مثلًا يمكن أن تكون مرحة ومثقفة، فنقابها لا يمنعها من حبها للحياة والتعلم أيضًا.
أو "الملتحي" الذي يظن أن بلحيته ضمن مقعدًا في الجنة، أو "العلماني" الذي يفتخر بعلمانيته، ويعتقد أن الملتحي متخلف ولا يفقه شيئًا في حب الحياة وأنه الوحيد الذي يعلم الحقيقة، لماذا كل هذه الأحكام؟ لماذا يصر البعض على أنه الوحيد الذي يعرف كيف يتقرب إلى الله، والآخر طريقته ليست على صواب.
لماذا يتعذر على البعض فهم أن الدين ليس عبادات روتينية أحيانًا تمارس بدون وعي؟ أليست العبادات مغزاها التقرب إلى الله، وإن تعذر على بعضنا ممارسة العبادة بالطريقة التي لا نراها صائبة فلا بأس، ففي النهاية "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة".
المقولة تلخص ما يجب أن نستوعبه في علاقتنا مع الخالق. صحيح أنني لست داعية، ولا دارسة في علوم الدين، ويمكن أن أكون جاهلة في بعض الأمور الدينية، لكنها مقولة برغم بساطتها أراها كافية لفهم علاقتنا مع الخالق كما يجب أن تكون. تمامًا مثل ميمونة صاحبة العبارة الراسخة في ذهنية مجتمعات المغرب العربي أو الكبير كما يسميه البعض.
قصة ميمونة تختلف بين بلدان المغرب العربي، إلا أن قاسمها المشترك هو نفسه أي "سيدة صالحة تعبد الله بطريقتها الخاصة"
أعتقد أن هذه المقولة لو طبقها البعض في حياته اليومية، أو عند اختلاطه مع أشخاص قد لا يشبهونه في المعتقدات ولا في ممارسة الطقوس اليومية، فأكيد سيعم السلام ولا نجد كل ذلك اللغو في الدين الذي تعيشه مجمعتنا.
اقرأ/ي أيضًا: المولد النبويّ في الأردن: موسم الخلافات والتكفير
القصة تقول إن ميمونة هي سيدة تقية، تحب الله وتتقرب إليه بطريقتها الخاصة، تؤمن أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى وسيط بينها وبينه، ولا إلى كل ذلك العناء، فقط يكفي أن تؤمن به بشدة وتحبه بصدق.
ولكي أكون صادقة قصة ميمونة تختلف بين بلدان المغرب العربي، إلا أن قاسمها المشترك هو نفسه أي "سيدة صالحة تعبد الله بطريقتها الخاصة".
يقال إن ميمونة لم تكن متعلمة أبدًا، جاهلة بفرائض الدين، تحب أن تتقرب إلى الله عبر الصلاة، لكنها تجهل قواعد الصحيحة للصلاة، لهذا كانت تصلي بالطريقة التي تراها صائبة، وكانت مسرورة بما تقوم به من أجل التقرب إلى الله.
لكن الأهالي لم تعجبهم كيفية تعبد ميمونة، ذهبوا إلى شيخ وحكوا له القصة، الأخير حاول أن يريها الطريقة الصحيحة للصلاة، وأخبرها أن صلاتها غير سليمة أبدًا، لكن ميمونة ولأنها كبيرة في السن لم تستطيع التعلم الصلاة كما جاءت في السنن، فهي كانت تصلي بطريقتها الخاصة، كانت في سجودها وركوعها تردد عبارتها المشهورة "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة".
share
لماذا يتعذر على البعض فهم أن الدين ليس عبادات روتينية أحيانًا تمارس بدون وعي؟
لكن بعدما أخبرها الشيخ أن طريقتها غير سليمة، وأن الصلاة قد لا تقبل منها، صدمت وقررت ألا تصلي أبدا، وبعد فترة لاحظ أهالي المنطقة أن ميمونة اعتكفت في بيتها، ولم تعد تصلي، ولا حتى تخرج من البيت، فذهبوا مرة ثانية إلى الشيخ وأخبروه بذلك، هرول الشيخ مسرعًا إلى ميمونة، واستفسرها عن السبب انقطاعها عن الصلاة، أخبرته إنها كانت تصلي بما تعرف، لكنه أخبرها أن صلاتها غير صحيحة. لكن في راوية أخرى تقول إن ميمونة بقيت تصلي كما كانت تفعل مرددة عبارتها الشهيرة، ولو بعدما أخبرها الشيخ أن صلاتها غير سليمة.
لكن الشيخ في النهاية اقتنع وقال لها: "لا بأس يا ميمونة صلّي كما كنتي تصلي"، ورجع إلى أدرجه وهو يقول للأهالي "ميمونة تعرف ربي، وربي يعرف ميمونة".
يمكن أن نتأمل في هذه العبارة ونتناولها في كثير من زوايا لما تحمله من إيحاءات ومعان لامرأة بسيطة عابدة، بطريقة التي كانت تراها صائبة، فالمهم عند ميمونة هو صدقها في عبادة الله، فلا أحد من الأشخاص مهما كانت منزلته لا يستطيع إقناعنا بأن ما نقوم به غير صحيح، تمامًا مثل أولئك الذين ينصبون أنفسهم مكان الخالق، ويطلقون أحكامًا عن احتمالية دخولنا جهنم، لأننا لا نعبد الله بالطريقة التي أمرهم بها وليهم، أو شيخهم أو أيًا يكون.
أو ذلك الذي ملأ الحقد قلبه وحكم على أشخاص بالموت، عبر تفجير نفسه في مشهد دموي، داخل أماكن عبادة، سواء كنائس أو حتى مساجد فقط لأنهم لا يعبدون الله بطريقة تختلف عنه.
اقرأ/ي أيضًا: جورج طرابيشي.. حفريات الفكر العربي
متى يستوعبون أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى كل ذلك الدم الذي يهدر؟ متى تفهم تلك التي ترتدي غطاء الرأس أو ما يسمى بـ "الحجاب" أو "الزي الشرعي"، كما يحلو للبعض تسميته، أن الأخرى غير المحجبة يمكن أن تدخل الجنة لأنها قررت أن تطعم مسكين أو حيوان عطشان؟
share
متى يستوعبون أن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى كل ذلك الدم الذي يهدر؟
أو تلك التي تسمى نفسها بـ"المتحررة" أن "المنقبة" مثلًا يمكن أن تكون مرحة ومثقفة، فنقابها لا يمنعها من حبها للحياة والتعلم أيضًا.
أو "الملتحي" الذي يظن أن بلحيته ضمن مقعدًا في الجنة، أو "العلماني" الذي يفتخر بعلمانيته، ويعتقد أن الملتحي متخلف ولا يفقه شيئًا في حب الحياة وأنه الوحيد الذي يعلم الحقيقة، لماذا كل هذه الأحكام؟ لماذا يصر البعض على أنه الوحيد الذي يعرف كيف يتقرب إلى الله، والآخر طريقته ليست على صواب.
لماذا يتعذر على البعض فهم أن الدين ليس عبادات روتينية أحيانًا تمارس بدون وعي؟ أليست العبادات مغزاها التقرب إلى الله، وإن تعذر على بعضنا ممارسة العبادة بالطريقة التي لا نراها صائبة فلا بأس، ففي النهاية "ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة".