شيخة رواية
05-03-2019, 03:55 AM
حجة الوداع
اعتمر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلي الله عليه وآله وسلم أربع عمر كلهن في شهر ذي القعدة ، إلا عمرته التي مع حجته .
عمرة زمن الحديبية ، عمرة من العام المقبل , وعمرة من جعرانة حين قسم غنائم غزوة حنين .
الأذان بالحج :
وقد مكث رسول الله تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في السنة العاشرة ، أن رسول الله حاج .
فصلَى رسول الله بالمدينة ظهرا أربعا ، ثم صلى العصر بذي الحليفة وهو العقيق ركعتين ، ثم بات حتى أصبح ، فقال : أتاني الليلة آت من ربي أن صلَ في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة .
وقد طاف رسول الله في نسائه ثم أصبح محرما ، وقد طيبته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عند إحرامه ، ثم انطلق النبي الكريم من المدينة ، حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه بالحج وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، حتى استوت برسول الله ناقته القصواء على البيداء وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملوا به .
إهلالــــــــــه :
فأهل رسول الله بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ن إن الحمد والنعمة والملك لك ، فقال جبريل عليه السلام ، فقال : إن الله يأمرك تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والإهلال .
ثم بات رسول الله بذي طوي حتى أصبح واغتسل ثم دخل مكة من كداء من الثنية العليا بالبطحاء لأربع ليال خلون من ذي الحجة .
دخـــــوله رسول الله المسجد الحرام :
فأتي النبي الكريم باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ، فطاف رسول الله بالبيت مضطبعا وعليه برد ورمل ثلاثا ومشي ومشي أربعا وكان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه ، ثم نفذ إلي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فقرأ : ((" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلَي ")) { من سورة البقرة } ، فجعل المقام بينه وبين البيت الحرام ، وكان يقرأ في الركعتين : ((" قل يا أيها الكافرون ")) { من سورة الكافرون } , ((" قل هو الله أحد ")) { من سورة الإخلاص } ثم رجع إلي الركن فاستلمه .
خروجه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم إلي الصفا والمروة :
ثم خرج من الباب إلي الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله ")) ، أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتي رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبَر وقال : لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك – فقال مثل هذا ثلاث مرات .
ثم نزل إلي المروة وهو يقول لأصحابه : اسعوا ، إن الله كتب عليكم السعي ، حتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى آخر طوافه على المروة .
دخـــــــول العمـــــــرة في الحـــــــج
ولم يحل رسول الله من أجل بدنه لأنه قلدها ، وأمر الناس أن يجعلوها عمرة وأن يحلوا إلي نسائهم ، فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج ، دخلت العمرة في الحج لا بل لأبد أبدا .
فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة ، ومن كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فأمر أصحابه من لم يكن معه بدنة قلدها أن يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا ومن كانت امرأته فهي له حلال والطيب والثياب .
فأحل الناس بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم طافوا طوافا واحدا وهم ممن كان معه الهدى ، فكان الهدى مع النبي الكريم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة .
وكان رسول الله قد نزل بأعلى مكة ثم الحجون وهو مهَل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه حتى رجع من عرفة ، ثم خرج بلال – رضي الله عنه – بوضوء ليصبه على رسول الله فابتدره الناس فمن ناضح ونائل ، ومن لم يجد منه شيئا اخذ من بلل يد صاحبه ، فجاء ابو جحيفة فأخذ يد رسول الله فوضعها على وجهه ، فإذا هي أبرد الثلج وأطيب ريحا من المسك . ثم أذن بلال ورسول الله في قبة له حمراء من آدم ، فخر بلال بين يديه بالعنزة فركزها ، فصلَى رسول الله بالهاجرة بالبطحاء الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، ثم لم يصلي ركعتين حتى أتى المدينة .
فلما كان يوم التروية أمر النبي الكريم من أحل أن يحرَم إذا توجه إلي منى ، فأهلوا من الأبطح ثم توجهوا غلي منى وركب رسول الله فصلَى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .
وقـــــــــوفه في عرفـــــــات
ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ثم سار من منى غلي عرفات فكان يهل المهل منهم فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منهم فلا ينكر عليه ، وأمر بقية من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها .
خطبته رسول الله بالناس يوم عرفة :
حتى إذا زاغت الشمس امر بالقصواء فرحلت له ، فاتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا : دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ، ربا عباس بن عباس عبد المطلب فإنه موضوع كله .واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتهم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئهن فرشكم احدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وانتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟
قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت .
فقال رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – بأصبعه السبابة يرفعها وينكتها إلي الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ُثم أذن ثم أقام فصلي الظهر ، ثم أقام فصلَى العصر ولم يصل بينهما شيئا . وقال النبي الكريم : خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
ثم سأل رجل رسول الله عن الحج بعرفة ؟
فقال رسول الله : الحج عرفة ومن أدرك ليلة جمع قبل الصبح فقد تم حجه ، وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه .
فلم يزل رسول الله واقفا بعرفة حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وقد جاء رجل من اليهود في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .
فقال الرجل : (( " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ))
فقال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه علي النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – وهو قائم بعرفة يوم جمعة .
نـــــــــزوله الكريم في المزدلفة :
فركب رسول الله حتى أتى المزدلفة فنزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة فصلَي المغرب ، ثم أقيمت العشاء فصلَي ، فصلى الرسول المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يصل بينهما ثم اضطجع حتى طلوع الفجر ، ثم صلي رسول الله الفجر حيت تبين له الصبح بأذان وإقامة ، فقال رسول الله : من شهد معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا تم وقضى تفئه .
إتيانه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم المشعر الحرام :
ثم ركب رسول الله القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ،وقال : وقفت ههنا بجمع ، وجمع كلها موقف ،فلم يزل رسول الله واقفا حتى أسفر جدا ، وقد أردف رسول الله منصرفة من المزدلفة الفضل بن عباس – رضي الله عنه – فلما استفته جارية رسول الله من جثعم ، فقالت : إن أبي شيخ كبير ، قد أدركته فريضة الله الحج ، أفيجزىء أن أحج عنه ؟
فقال رسول الله : حجي عن أبيك .
رمــــــــي الجمــــــــرات
فلم يزل رسول الله يسير سيرا كسيره بالأمس حتى أتى على وادي محسَر فدفع فيه حتى استوت به الأرض ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج علي الجميرة الكبرى .
فلم يزل رسول الله يلبي حتي أتي الجمرة التي عند الشجرة ، وخلفه الفضل بن العباس يستره وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة – رضي الله عنهما - ، حتى رمى رسول الله جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ولم يقف ، يكبر مع كل حصاة ، وهو يقول : يا أيها الناس ، لا يقتل بعضكم بعضا ، وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الحذف .
يـــــــــــوم النحــــــــــر
وخطب رسول الله الناس يوم النحر بمنى علي ناقته ، فقال بأعلى صوته : ألا تسمعون ؟ فقال رجل من طوائف الناس : يا رسول الله ، ماذا تعهد إلينا ؟
فقال رسول الله : اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم .
وقال رسول الله قولا كثيرا ، ثم قال : إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله ، فاسمعوا وأطيعوا .
وكان رسول الله يقول : لتأخذوا مناسككم ،فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه .
ثم انصرف رسول الله غلي المنحر ، فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة بعدد سني عمره ، وقال : نحرت ههنا ومني كلها منحر ، فانحروا في رحالكم .
ثم أمر رسول الله عليا أن يقوم علي بدنه ، وأمره أن يقسم بدنة كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين وان لا يعطي الجزار منها ، وقال : نحن نعطيه من عندنا .
فنحر علي وأشركه في هديه ،فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم حلق رسول الله ، وحلق طائفة من أصحابه ، وقصر بعضهم ، فقال رسول الله :" اللهم ارحم المحلقين" . قالوا: يارسول الله والمقصرين ؟ فقال رسول الله :" اللهم ارحم المقصرين ".
ثم أتى رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – زمزم وبنو عبد المطلب يسقون ويعملون فيها ، فقال رسول الله : "انزعوا بني عبد المطلب فإنكم علي عمل صالح ، فلولا أن يغلبكم الناس علي سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه" .
وفي يوم النحر : طهرت السيدة عائشة ، فأمرها رسول الله فأفاضت ، وأتى بلحم بقر ، فقالت عائشة : ما هذا ؟ فقالوا : أهدى رسول الله عن نسائه البقر .
الرجــــــوع إلي مني أيام التشـــــريق :
ثم رجع رسول الله إلي منى فمكث بها ليالي التشريق ، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس : كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ،وخطب النبي الكريم الناس بمنى ، ونزلهم منازلهم وقال : لينزل الهاجرون ههنا ، وأشار إلي جهة ميمنة القبلة ، والأنصار ههنا ، وأشار جهة ميسرة القبلة ، ثم لينزل الناس حولهم وعلمَهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم ، وقال رسول الله :" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منهم أربعة أشهر حرم ن ثلاث متتاليات : ذو القعدة ، ذو الحجة والمحرم ، ورجب شهر مضر – الذي بين جمادي وشعبان ".
فقال رسول الله : أليس يوم النحر ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله . فقال رسول الله :" فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ،كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم , فيسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعضا ".
وقال رسول الله : "إنما هن أربع : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرَم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ." وقال رسول الله : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، وحسابهم على الله ومن ادعى إلي غير أبيه ، أو انتمى إلي غير مواليه ، فعليه لعنة الله التابعة إلي يوم القيامة ، فلا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها ". فقيل : يا رسول الله ، ولا طعام ؟ فقال رسول الله : " ذلك أفضل أموالنا " وقال رسول الله : " العارية مؤداة ، والمنحة مردودة والدَين مقضي والزعيم غارم . ألا يبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ، ألا هل بلغت ؟ اللهًم أشهد .
وداع الرسول – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم –
وودع رسول الله الناس ن وقال : هذا يوم الحج الأكبر . فقالوا : هذه حجة الوداع .واستأذن العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه – رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له . وأرخص رسول الله لرعاء الإبل في البيتونة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في يوم النفر .
ثم نفر النبي الكريم من مني ونزل بالمحصب ليكون اسمح لخروجه وصلي الظهر و العصر والمغرب والعشاء ، فأذن رسول الله في أصحابه بالرحيل فارتحل ثم ركب إلي البيت فطاف به ، وأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض . وطاف النبي طواف الوداع حول الكعبة على بعيره ، ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن ، فقالت أم سلمة : فطفت مع رسول الله حينئذ يصلي إلي جنب البيت ، وهو يقرأ (( " والطور {1} وكتاب مسطور ")) { من سورة الطور }
عودة النبي صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم إلي المدينة :
ثم خرج رسول الله من مكة من الثنية السفلى ، وكان دخلها من الثنية العليا وحمل ماء زمزم . وقفل رسول الله من حجه ، وكان يكبر على كل شرف شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .ولما بلغ رسول الله غدير – واقعة بين مكة والمدينة – ، قال الناس :" أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ فقالوا : نعم يا رسول الله . فقال رسول الله :" من كنت مولاه ، فإن عليَا مولاه ن اللهَم وال من ولاه وعاد من عاداه .
مرضه عليه الصلاة والسلام ووفاته :
وألقى النبي الكريم عصى الترحال بعد قدومه من حج بيت الله الحرام ، ليلقي في آخرالليالي والأيام سكرات الموت وكربات الحمام . وذلك أن النفوس قد تنفست واستشعرت قرب رحيل النبي الكريم وانتقاله للملك القدوس ، ما جاء في التنزيل : ((" إنك ميت وإنهم ميتون {30} ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ")) { من سورة الزمر } .
اعتكاف النبي الكريم آخر رمضان صامه ومقابلته القرآن مع جبريل – عليه السلام :
وكان النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما ، وكان الملك جبريل – عليه السلام – يعارضه بالقرآن الكريم كل عام مرة ، وإنه عارضه به في العام الذي قبض فيه مرتين . لذا نزلت هذه الآية الكريمة : ((" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ")) { من سورة المائدة } . قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – كان النبي يقول في ركوعه وسجوده بعد فتح مكة: "سبحانك اللهًم ربنا وبحمدك ، اللهًم اغفر لي ."
وقول النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم لنسائه :" إنما هي هذه الحجة ، ثم الزمن ظهور الحصر .
مرضه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم ودنو أجله :
وقد كان رسول الله يعرض لأصحابه بدنو أجله ، فقال :" إن عبدا خيَره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده ،فاختار ما عنده ."
زيارته البقيع قبل وفاته عليه الصلاة والسلام
لم يشمل وداع خيرالبشر لمن حضر بل شمل وداعه من مات وغبر . تقول أم المؤمنين عائشة لما كانت ليلتي التي كان النبي عندي :فقال رسول الله : " فإن،إن جبريل أتاني حين رأيت ، فناداه فأخفاه منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ، وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي ، فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ." فقلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإن شاء الله بكم لاحقون ".
قالت السيدة عائشة فما رأيت الوجع على أحد أشد منه علي رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فلما ثقل رسول الله واشتد مرضه قال : إني وقد اشتكيت ، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فأذَن لي فلا أكن عند عائشة أو صفية . فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة – رضي الله عنها – حتى مات عندها .
قالت عائشة : ولم أمرَض أحدا قبله . قال النبي بعد أن دخل بيت عائشة : " هريقوا علَي من سبع لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلي الناس . قالت عائشة ، كان النبي الكريم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخبير ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم . وكان رسول الله إذا اشتكي نفث علي نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده ، فلما اشتكي وجعه الذي توفي فيه طفقت عائشة – رضي الله عنها- تنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث وتمسح بيد النبي الكريم عنه .
بعثه النبي الكريم لأسامة بن زيد – رضي الله عنه – أميرا للجيش ، وأمرً عليهم أسامة فطعن الناس في إمارته .
فقال النبي : قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإن تطعنوا في إمارته فقد تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، و ايم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليَ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَ بعده .
وصيته قبل وفاته :
وأوصاهم رسول الله بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة أو قال عبد الله : فنسيتها .
تحذيره من اتخاذ القبور مساجد :
لما نزل بالنبي مرضه الذي لم يقم منه : طفق يطرح خميصة له على وجهه إذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك ، يقول : لعنة الله علي اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
قال جابر بن عبد الله الانصاري – رضي الله عنهما – سمعت رسول الله قبل موته بثلاث أيام يقول :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل "
حديثه عليه الصلاة والسلام مع فاطمة رضي الله عنها قبل وفاته :
واجتمع نساء النبي عنده ، فلم يغادر منهن فجاءت فاطمة تمشي – كأن مشيتها رسول الله فقال : مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه او شماله .
ثم أسر إليها حديثا فبكت بكاء شديدا ، فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك . فقالت عائشة وسألتها عما قال ؟ فقالت فاطمة الزهراء : ما كنت لافشي سرً رسول الله
حتى إذا قبض ، قالت لها عائشة – رضي الله عنها - : عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني.قالت فاطمة الزهراء : أما الآن فنعم ، إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن مرة وأنه عارضه به في العام مرتين ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، إنك أول أهلي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك .فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأي جزعي ، سارني الثانية ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟ فضحكت لذلك .
أمره النبي الكريم أبا بكر رضي الله عنه بالصلاة بالناس ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذن رسول الله بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقال أبو بكر لعمر : يا عمر صل بالناس ، فقال عمر : أنت أحق بالناس .
فصلَى بهم أبو بكر تلك الأيام .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كانت عامة وصية رسول الله حين حضره الموت : الصلاة وما ملكت أيمانكم ، حتى جعل رسول الله يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها صدره .
بيعة أبي بكر – رضي الله عنه - :
وجلس عمر بن الخطاب علي المنبر الغد من يوم توفى النبي الكريم ، فتشهد وأبو بكر رضي الله عنه صامت لا يتكلم ، فقال عمر : كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا ، فإن يك محمد عليه الصلاة والسلام قد مات ، فإن الله تعالي قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله، ثاني اثنين وهو شيبة المسلمين ، فإنه أولى المسلمين بأموركم ، ألستم تعلمون أن رسول الله أمر أبا بكر أن يؤم بالناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقال عمر : نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلي رسول الله ، فأخذ عمر بيده فبايعه ، وبايعه الناس عامة .
غسله وكفنه : فلما أرادوا غسل النبي الكريم قالوا : والله ما ندري ، أنجرد النبي الكريم من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا : ألقى الله عليهم النوم ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت –لا يدرون من هو – إن اغسلوا النبي الكريم وعليه ثيابه ، فقاموا إلي النبي الكريم فغسلوه وعليه قميصه ، قالت عائشة رضي الله عنه – لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله إلا نساؤه ، وكفن رسول الله في ثلاثة أثواب يمانية بيضاء .
اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له ، فقال قائلون : يدفن في مسجده ، وقال قائلون : يدفن مع أصحابه ن فقال أبو بكر : ادفنوه في موضع فراشه ، ثم دفن رسول الله وكان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس – رضي الله عنهما – وكان قبر النبي مسنمَا – كهيئة السنام . قال أنس بن مالك – رضي الله عنه - : لما كان اليوم الذي دخل فيها رسول الله المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ، فلما دفن رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم قالت فاطمة الزهراء : يا أنس ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟!
قالت عائشة – رضي الله عنها - : توفى النبي الكريم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء .وهو ابن ثلاث وستين سنة ، توفى ودرعه مرهونة عند يهودي ، مات وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة .
قال رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا عليً من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَ ، فقالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – بليت ؟ فقال رسول الله : إن الله عز وجل حرَم على الأرض أجساد الأنبياء . اللهم صلي علي محمد وعلى آل محمد ، كما صليت علي إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعل آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد .
اعتمر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلي الله عليه وآله وسلم أربع عمر كلهن في شهر ذي القعدة ، إلا عمرته التي مع حجته .
عمرة زمن الحديبية ، عمرة من العام المقبل , وعمرة من جعرانة حين قسم غنائم غزوة حنين .
الأذان بالحج :
وقد مكث رسول الله تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في السنة العاشرة ، أن رسول الله حاج .
فصلَى رسول الله بالمدينة ظهرا أربعا ، ثم صلى العصر بذي الحليفة وهو العقيق ركعتين ، ثم بات حتى أصبح ، فقال : أتاني الليلة آت من ربي أن صلَ في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة .
وقد طاف رسول الله في نسائه ثم أصبح محرما ، وقد طيبته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عند إحرامه ، ثم انطلق النبي الكريم من المدينة ، حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه بالحج وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، حتى استوت برسول الله ناقته القصواء على البيداء وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملوا به .
إهلالــــــــــه :
فأهل رسول الله بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ن إن الحمد والنعمة والملك لك ، فقال جبريل عليه السلام ، فقال : إن الله يأمرك تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والإهلال .
ثم بات رسول الله بذي طوي حتى أصبح واغتسل ثم دخل مكة من كداء من الثنية العليا بالبطحاء لأربع ليال خلون من ذي الحجة .
دخـــــوله رسول الله المسجد الحرام :
فأتي النبي الكريم باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ، فطاف رسول الله بالبيت مضطبعا وعليه برد ورمل ثلاثا ومشي ومشي أربعا وكان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه ، ثم نفذ إلي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فقرأ : ((" واتخذوا من مقام إبراهيم مصلَي ")) { من سورة البقرة } ، فجعل المقام بينه وبين البيت الحرام ، وكان يقرأ في الركعتين : ((" قل يا أيها الكافرون ")) { من سورة الكافرون } , ((" قل هو الله أحد ")) { من سورة الإخلاص } ثم رجع إلي الركن فاستلمه .
خروجه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم إلي الصفا والمروة :
ثم خرج من الباب إلي الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله ")) ، أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتي رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبَر وقال : لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك – فقال مثل هذا ثلاث مرات .
ثم نزل إلي المروة وهو يقول لأصحابه : اسعوا ، إن الله كتب عليكم السعي ، حتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى آخر طوافه على المروة .
دخـــــــول العمـــــــرة في الحـــــــج
ولم يحل رسول الله من أجل بدنه لأنه قلدها ، وأمر الناس أن يجعلوها عمرة وأن يحلوا إلي نسائهم ، فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج ، دخلت العمرة في الحج لا بل لأبد أبدا .
فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة ، ومن كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فأمر أصحابه من لم يكن معه بدنة قلدها أن يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا ومن كانت امرأته فهي له حلال والطيب والثياب .
فأحل الناس بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم طافوا طوافا واحدا وهم ممن كان معه الهدى ، فكان الهدى مع النبي الكريم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة .
وكان رسول الله قد نزل بأعلى مكة ثم الحجون وهو مهَل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه حتى رجع من عرفة ، ثم خرج بلال – رضي الله عنه – بوضوء ليصبه على رسول الله فابتدره الناس فمن ناضح ونائل ، ومن لم يجد منه شيئا اخذ من بلل يد صاحبه ، فجاء ابو جحيفة فأخذ يد رسول الله فوضعها على وجهه ، فإذا هي أبرد الثلج وأطيب ريحا من المسك . ثم أذن بلال ورسول الله في قبة له حمراء من آدم ، فخر بلال بين يديه بالعنزة فركزها ، فصلَى رسول الله بالهاجرة بالبطحاء الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، ثم لم يصلي ركعتين حتى أتى المدينة .
فلما كان يوم التروية أمر النبي الكريم من أحل أن يحرَم إذا توجه إلي منى ، فأهلوا من الأبطح ثم توجهوا غلي منى وركب رسول الله فصلَى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .
وقـــــــــوفه في عرفـــــــات
ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ثم سار من منى غلي عرفات فكان يهل المهل منهم فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منهم فلا ينكر عليه ، وأمر بقية من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله حتى أتي عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها .
خطبته رسول الله بالناس يوم عرفة :
حتى إذا زاغت الشمس امر بالقصواء فرحلت له ، فاتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا في بلدكم هذا . ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا : دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ، ربا عباس بن عباس عبد المطلب فإنه موضوع كله .واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتهم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئهن فرشكم احدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وانتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟
قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت .
فقال رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – بأصبعه السبابة يرفعها وينكتها إلي الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ُثم أذن ثم أقام فصلي الظهر ، ثم أقام فصلَى العصر ولم يصل بينهما شيئا . وقال النبي الكريم : خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
ثم سأل رجل رسول الله عن الحج بعرفة ؟
فقال رسول الله : الحج عرفة ومن أدرك ليلة جمع قبل الصبح فقد تم حجه ، وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه .
فلم يزل رسول الله واقفا بعرفة حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وقد جاء رجل من اليهود في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .
فقال الرجل : (( " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ))
فقال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه علي النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – وهو قائم بعرفة يوم جمعة .
نـــــــــزوله الكريم في المزدلفة :
فركب رسول الله حتى أتى المزدلفة فنزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة فصلَي المغرب ، ثم أقيمت العشاء فصلَي ، فصلى الرسول المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يصل بينهما ثم اضطجع حتى طلوع الفجر ، ثم صلي رسول الله الفجر حيت تبين له الصبح بأذان وإقامة ، فقال رسول الله : من شهد معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا تم وقضى تفئه .
إتيانه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم المشعر الحرام :
ثم ركب رسول الله القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده ،وقال : وقفت ههنا بجمع ، وجمع كلها موقف ،فلم يزل رسول الله واقفا حتى أسفر جدا ، وقد أردف رسول الله منصرفة من المزدلفة الفضل بن عباس – رضي الله عنه – فلما استفته جارية رسول الله من جثعم ، فقالت : إن أبي شيخ كبير ، قد أدركته فريضة الله الحج ، أفيجزىء أن أحج عنه ؟
فقال رسول الله : حجي عن أبيك .
رمــــــــي الجمــــــــرات
فلم يزل رسول الله يسير سيرا كسيره بالأمس حتى أتى على وادي محسَر فدفع فيه حتى استوت به الأرض ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج علي الجميرة الكبرى .
فلم يزل رسول الله يلبي حتي أتي الجمرة التي عند الشجرة ، وخلفه الفضل بن العباس يستره وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة – رضي الله عنهما - ، حتى رمى رسول الله جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ولم يقف ، يكبر مع كل حصاة ، وهو يقول : يا أيها الناس ، لا يقتل بعضكم بعضا ، وإذا رميتم الجمرة فارموها بمثل حصى الحذف .
يـــــــــــوم النحــــــــــر
وخطب رسول الله الناس يوم النحر بمنى علي ناقته ، فقال بأعلى صوته : ألا تسمعون ؟ فقال رجل من طوائف الناس : يا رسول الله ، ماذا تعهد إلينا ؟
فقال رسول الله : اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم .
وقال رسول الله قولا كثيرا ، ثم قال : إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله ، فاسمعوا وأطيعوا .
وكان رسول الله يقول : لتأخذوا مناسككم ،فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه .
ثم انصرف رسول الله غلي المنحر ، فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة بعدد سني عمره ، وقال : نحرت ههنا ومني كلها منحر ، فانحروا في رحالكم .
ثم أمر رسول الله عليا أن يقوم علي بدنه ، وأمره أن يقسم بدنة كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين وان لا يعطي الجزار منها ، وقال : نحن نعطيه من عندنا .
فنحر علي وأشركه في هديه ،فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم حلق رسول الله ، وحلق طائفة من أصحابه ، وقصر بعضهم ، فقال رسول الله :" اللهم ارحم المحلقين" . قالوا: يارسول الله والمقصرين ؟ فقال رسول الله :" اللهم ارحم المقصرين ".
ثم أتى رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – زمزم وبنو عبد المطلب يسقون ويعملون فيها ، فقال رسول الله : "انزعوا بني عبد المطلب فإنكم علي عمل صالح ، فلولا أن يغلبكم الناس علي سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه" .
وفي يوم النحر : طهرت السيدة عائشة ، فأمرها رسول الله فأفاضت ، وأتى بلحم بقر ، فقالت عائشة : ما هذا ؟ فقالوا : أهدى رسول الله عن نسائه البقر .
الرجــــــوع إلي مني أيام التشـــــريق :
ثم رجع رسول الله إلي منى فمكث بها ليالي التشريق ، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس : كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ،وخطب النبي الكريم الناس بمنى ، ونزلهم منازلهم وقال : لينزل الهاجرون ههنا ، وأشار إلي جهة ميمنة القبلة ، والأنصار ههنا ، وأشار جهة ميسرة القبلة ، ثم لينزل الناس حولهم وعلمَهم مناسكهم ، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم ، وقال رسول الله :" إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منهم أربعة أشهر حرم ن ثلاث متتاليات : ذو القعدة ، ذو الحجة والمحرم ، ورجب شهر مضر – الذي بين جمادي وشعبان ".
فقال رسول الله : أليس يوم النحر ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله . فقال رسول الله :" فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ،كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم , فيسألكم عن أعمالكم ، فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعضا ".
وقال رسول الله : "إنما هن أربع : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرَم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ." وقال رسول الله : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، وحسابهم على الله ومن ادعى إلي غير أبيه ، أو انتمى إلي غير مواليه ، فعليه لعنة الله التابعة إلي يوم القيامة ، فلا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها ". فقيل : يا رسول الله ، ولا طعام ؟ فقال رسول الله : " ذلك أفضل أموالنا " وقال رسول الله : " العارية مؤداة ، والمنحة مردودة والدَين مقضي والزعيم غارم . ألا يبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ، ألا هل بلغت ؟ اللهًم أشهد .
وداع الرسول – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم –
وودع رسول الله الناس ن وقال : هذا يوم الحج الأكبر . فقالوا : هذه حجة الوداع .واستأذن العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه – رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له . وأرخص رسول الله لرعاء الإبل في البيتونة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في يوم النفر .
ثم نفر النبي الكريم من مني ونزل بالمحصب ليكون اسمح لخروجه وصلي الظهر و العصر والمغرب والعشاء ، فأذن رسول الله في أصحابه بالرحيل فارتحل ثم ركب إلي البيت فطاف به ، وأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض . وطاف النبي طواف الوداع حول الكعبة على بعيره ، ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن ، فقالت أم سلمة : فطفت مع رسول الله حينئذ يصلي إلي جنب البيت ، وهو يقرأ (( " والطور {1} وكتاب مسطور ")) { من سورة الطور }
عودة النبي صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم إلي المدينة :
ثم خرج رسول الله من مكة من الثنية السفلى ، وكان دخلها من الثنية العليا وحمل ماء زمزم . وقفل رسول الله من حجه ، وكان يكبر على كل شرف شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .ولما بلغ رسول الله غدير – واقعة بين مكة والمدينة – ، قال الناس :" أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ فقالوا : نعم يا رسول الله . فقال رسول الله :" من كنت مولاه ، فإن عليَا مولاه ن اللهَم وال من ولاه وعاد من عاداه .
مرضه عليه الصلاة والسلام ووفاته :
وألقى النبي الكريم عصى الترحال بعد قدومه من حج بيت الله الحرام ، ليلقي في آخرالليالي والأيام سكرات الموت وكربات الحمام . وذلك أن النفوس قد تنفست واستشعرت قرب رحيل النبي الكريم وانتقاله للملك القدوس ، ما جاء في التنزيل : ((" إنك ميت وإنهم ميتون {30} ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ")) { من سورة الزمر } .
اعتكاف النبي الكريم آخر رمضان صامه ومقابلته القرآن مع جبريل – عليه السلام :
وكان النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم – يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما ، وكان الملك جبريل – عليه السلام – يعارضه بالقرآن الكريم كل عام مرة ، وإنه عارضه به في العام الذي قبض فيه مرتين . لذا نزلت هذه الآية الكريمة : ((" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ")) { من سورة المائدة } . قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – كان النبي يقول في ركوعه وسجوده بعد فتح مكة: "سبحانك اللهًم ربنا وبحمدك ، اللهًم اغفر لي ."
وقول النبي – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم لنسائه :" إنما هي هذه الحجة ، ثم الزمن ظهور الحصر .
مرضه صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم ودنو أجله :
وقد كان رسول الله يعرض لأصحابه بدنو أجله ، فقال :" إن عبدا خيَره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده ،فاختار ما عنده ."
زيارته البقيع قبل وفاته عليه الصلاة والسلام
لم يشمل وداع خيرالبشر لمن حضر بل شمل وداعه من مات وغبر . تقول أم المؤمنين عائشة لما كانت ليلتي التي كان النبي عندي :فقال رسول الله : " فإن،إن جبريل أتاني حين رأيت ، فناداه فأخفاه منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ، وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي ، فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ." فقلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإن شاء الله بكم لاحقون ".
قالت السيدة عائشة فما رأيت الوجع على أحد أشد منه علي رسول الله – صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فلما ثقل رسول الله واشتد مرضه قال : إني وقد اشتكيت ، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فأذَن لي فلا أكن عند عائشة أو صفية . فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة – رضي الله عنها – حتى مات عندها .
قالت عائشة : ولم أمرَض أحدا قبله . قال النبي بعد أن دخل بيت عائشة : " هريقوا علَي من سبع لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلي الناس . قالت عائشة ، كان النبي الكريم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخبير ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم . وكان رسول الله إذا اشتكي نفث علي نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده ، فلما اشتكي وجعه الذي توفي فيه طفقت عائشة – رضي الله عنها- تنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث وتمسح بيد النبي الكريم عنه .
بعثه النبي الكريم لأسامة بن زيد – رضي الله عنه – أميرا للجيش ، وأمرً عليهم أسامة فطعن الناس في إمارته .
فقال النبي : قد بلغني أنكم قلتم في أسامة وإن تطعنوا في إمارته فقد تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، و ايم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليَ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَ بعده .
وصيته قبل وفاته :
وأوصاهم رسول الله بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة أو قال عبد الله : فنسيتها .
تحذيره من اتخاذ القبور مساجد :
لما نزل بالنبي مرضه الذي لم يقم منه : طفق يطرح خميصة له على وجهه إذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك ، يقول : لعنة الله علي اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
قال جابر بن عبد الله الانصاري – رضي الله عنهما – سمعت رسول الله قبل موته بثلاث أيام يقول :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل "
حديثه عليه الصلاة والسلام مع فاطمة رضي الله عنها قبل وفاته :
واجتمع نساء النبي عنده ، فلم يغادر منهن فجاءت فاطمة تمشي – كأن مشيتها رسول الله فقال : مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه او شماله .
ثم أسر إليها حديثا فبكت بكاء شديدا ، فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك . فقالت عائشة وسألتها عما قال ؟ فقالت فاطمة الزهراء : ما كنت لافشي سرً رسول الله
حتى إذا قبض ، قالت لها عائشة – رضي الله عنها - : عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني.قالت فاطمة الزهراء : أما الآن فنعم ، إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن مرة وأنه عارضه به في العام مرتين ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، إنك أول أهلي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك .فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأي جزعي ، سارني الثانية ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟ فضحكت لذلك .
أمره النبي الكريم أبا بكر رضي الله عنه بالصلاة بالناس ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذن رسول الله بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقال أبو بكر لعمر : يا عمر صل بالناس ، فقال عمر : أنت أحق بالناس .
فصلَى بهم أبو بكر تلك الأيام .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كانت عامة وصية رسول الله حين حضره الموت : الصلاة وما ملكت أيمانكم ، حتى جعل رسول الله يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها صدره .
بيعة أبي بكر – رضي الله عنه - :
وجلس عمر بن الخطاب علي المنبر الغد من يوم توفى النبي الكريم ، فتشهد وأبو بكر رضي الله عنه صامت لا يتكلم ، فقال عمر : كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا ، فإن يك محمد عليه الصلاة والسلام قد مات ، فإن الله تعالي قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله، ثاني اثنين وهو شيبة المسلمين ، فإنه أولى المسلمين بأموركم ، ألستم تعلمون أن رسول الله أمر أبا بكر أن يؤم بالناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقال عمر : نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلي رسول الله ، فأخذ عمر بيده فبايعه ، وبايعه الناس عامة .
غسله وكفنه : فلما أرادوا غسل النبي الكريم قالوا : والله ما ندري ، أنجرد النبي الكريم من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا : ألقى الله عليهم النوم ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت –لا يدرون من هو – إن اغسلوا النبي الكريم وعليه ثيابه ، فقاموا إلي النبي الكريم فغسلوه وعليه قميصه ، قالت عائشة رضي الله عنه – لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله إلا نساؤه ، وكفن رسول الله في ثلاثة أثواب يمانية بيضاء .
اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له ، فقال قائلون : يدفن في مسجده ، وقال قائلون : يدفن مع أصحابه ن فقال أبو بكر : ادفنوه في موضع فراشه ، ثم دفن رسول الله وكان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس – رضي الله عنهما – وكان قبر النبي مسنمَا – كهيئة السنام . قال أنس بن مالك – رضي الله عنه - : لما كان اليوم الذي دخل فيها رسول الله المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ، فلما دفن رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم قالت فاطمة الزهراء : يا أنس ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟!
قالت عائشة – رضي الله عنها - : توفى النبي الكريم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء .وهو ابن ثلاث وستين سنة ، توفى ودرعه مرهونة عند يهودي ، مات وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة .
قال رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا عليً من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَ ، فقالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – بليت ؟ فقال رسول الله : إن الله عز وجل حرَم على الأرض أجساد الأنبياء . اللهم صلي علي محمد وعلى آل محمد ، كما صليت علي إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعل آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد .