تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جدلية الكأس الفارغ نصفها


نسر الشام
04-09-2019, 01:18 AM
جدلية الكأس الفارغ نصفها




انظر إلى الجزء المليء من الكأس، ولا تنظر للجزء الفارغ منها، فالتفاؤل والأمل رؤية ما تبقى في الكأس، وليس في التحسر على ما شُرب أو أريق منها فائدةٌ، والناس يُصنَّفون إلى فريقين: أولئك الذين يرون ويحمدون المتبقي فيها، والآخرون الذين لا يرون إلا الخواء في أعلاها، وما مهمة الفريق الأول إلا تصحيح نظرة الثاني ودعوتهم لفُسْطاطِه الحق.

أضحت جدلية الكأس - ولها بعض الصحة - من المصطلحات الفكرية العالمية، التي تتعدى حدود المِلل والنِّحل واللغات.

وهي حكمة موافِقة لما حثَّ عليه ديننا الإسلامي من حب الفأل، وشكر النعمة ولو قلّت، وشكر رازقنا ورزقه لنا بالنظر إلى من هم دوننا، والثقة في حكمة الله المنعم وسَعة علمه، والرضا بتقديره أمورنا كلها، والنظر في أقداره بعين العارف والعالم بالله وأسمائه وصفاته، معرفة واضحة جليَّة ترسخ في شغاف قلوبنا جميعًا؛ حتى يستوي في ميزان الرضا كل قدر الله فينا، عطاءً ومنعًا، حلوًا ومرًّا، بسطًا وقبضًا، خفضًا ورفعًا، ذُلاًّ وعِزًّا.

وأذكر في هذا السياق مقولة إيمانية جميلة، أظنها ذُكرت في مصنَّف: "مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين"، وهأنذا أذكرها معنًى لا نصًّا لمزيد الإيضاح: مما أخبرني شيخي أنه ينبغي على المؤمن العارف بالله أن يعُدَّ - حتى - منْع الله له عطاءً وتكرُّمًا، فالله لم يمنعه بخلاً، وحاشا لله أن يكون بخيلاً، تقدست أسماؤه وصفاته، وتنزه عن كل عيب ونقص، فهو أكرم الأكرمين، إنما منعه لطفًا ورحمة، فهو بواسع علمه أعلم بما يصلح لنا وبما لا يصلح، ولعل ما يصلح لغيرنا لا يصلح لنا، وكما علمتنا التجارِب أنّ كُرهَنا أو حبنا للشيء ليس ميزانًا لخيره وصلاحه أو شره، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟

وليسمح لي القراء بعد هذه المقدمة التأصيلية الجادّة والمهمة أن ألطف الحديث قليلاً، وأنتقل إلى زوايا رمزية وفلسفية مُغْفَلَة من جدلية الكأس المملوء نصفه، ولسوف أحذِّر من مغبَّة الوقوع في الغلوِّ والمبالغة، فلقد اشتد وغلا الحديث عن هذه الجدلية في بعض الأوساط إلى درجة دفعت البعض لغلوٍّ مقابل، فأعلن بعضهم على الملأ بأنه كسر الكأس كله، ولن يقبل حديثًا عن كأس أو قدر أو وعاء مملوء أو فارغ.

لا يزعم عاقل أن ما يراه الناظر في كأس حديثنا منحصر في قدر ملئه أو فراغه، فلعله يرى - بعد إرجاع النظر وتوسيع مجال الرؤية - أمورًا أخرى غفل عنها البعض ممن أسَرَهم المنظورُ السابق ذكره، فهنالك كأس، وما تحويه الكأس من سائل وهواء، وهنالك شارب للكأس، وأمور أخرى حرِيٌّ بنا تأملها لزيادة الإفادة من هذه الصورة الرمزية الحكيمة.

كيف ترى الكأس؟ أهي نصف ملأى أم نصف فارغة؟ إن إجابة هذا السؤال الجدلي القديم لتنعتق وتتحرر من محاصرة الجوابين الفريدين إلى جواب ثالث ورابع وخامس إذا وسعنا مجال رؤيتنا وأعمقنا التأمل، فلو تأملنا - قبل الجواب - في الكأس مثلاً، فلعل بعضنا يكتشف إشكالية جديدة، وكما أجاب البعض: إن العلة ليست في ملء الكأس من فراغه، بل هي كامنة في الكأس ذاتها، فمن كانت كأسه - الكأس صورة رمزية تعني مقدار الرغبة أو مستوى الرضا - كبيرة جدًّا أو متمددة، فلن تمتلئَ أبدًا، وبذا لن يرضى صاحبها وستدوم شكواه، ولن يهنأ له بال ويرتاح إلا إذا غيَّر كأسه بأخرى أصغر ولها حجم معقول وممكن، دون التخلي عن طموح المرء وأحلامه، فالجواب الثالث - غير المتوقع -: أرى كأسًا ضخمة لا تناسب صاحبها، ولا مفر له من إبدالها كما ذكرنا، وقد يكون العكس صحيحًا في أحيان أخرى، فيجيب أحدهم: الكأس صغيرة، ولا ترقى لطموح صاحبها، وقد تُوهِمه عند ملئها المتسارع ببلوغ الغاية وإدراك النهاية، ويشير على صاحبها باستبدالها بكأس أكبر، تُناسب همَّته، وترقى لرغبته.

إذا نظرنا في جزئيات أخرى لهذه الصورة الرمزية الغنية، تتولد أجوبة تباغتنا - بلا شك - ونحن مأسورون في ذاك المنظور القديم بجدليته الثنائية الموهِمة، فمن قائل يقول: يا قوم، أفيقوا فالكأس ملأى، وما منع الناظر من معرفة حالها إلا سماكة البلور المصنوعة منه، ومن آخر يقول: العلة في بصر الناظر، فعينه مريضة لا تبصر إبصارًا صحيحًا، فأنى له أن يرى الكأس بهذه العين العليلة الكليلة؟ فننصحه أن يستشير من هو أقوى منها بصرًا وأجلى بصيرة، وثالث يقول: تمهَّلوا ولا تعجلوا على من ينظر إلى ما خلا منها، فلعله مصدوم حين عرف أنه أسرف في شربه، فهو ندمان على سابق فعله، ومشفق على باقي أجله، ورابع يقول: لا تلوموه؛ فالمنظور السائد حوله في كؤوس قومه هو التحسر على الماضي والعيش فيه والبكاء عليه، فننصح أمثال هذا المتباكي على ماضيه أن يكفكف دمعه، ويهدئ روعه، ويتعلم من ماضيه ما يعينه في مستقبله، وأن يتعلق بحبل الأمل وحسن الظن بالله.

ولعل النقاش حول جدلية الكأس برمزيته الواسعة يذكرنا بأهمية إرجاع النظر، وتوسيع دائرة التأمل للإفادة من أمثال هذه الصورة إفادة تتجاوز الحدود المتوهمة للكأس وما حولها، وفي هذا المبحث كما لا يخفاكم بعض الطرافة والظرافة، والإسقاطات العميقة، وللناس منذ بداية الخليقة مشارب متنوعة وكؤوس تناسبها وأخرى لا تناسبها، والحسَن ليس ما حسنته عقولنا في كل حال، بل هو ما حسَّنه الله ورسوله، والعزيز من أعزه الله، ولقد أصاب الكؤوسَ ما أصاب غيرها في دنيانا، فلم تخْلُ من نفر يدّعون زورًا وبهتانًا احتكار كأس الحقيقة، و"يُشيْطِنون" ويُشنِّعون على كل من يشرب من غير كأسهم، فهم لا يرون الصفاء والنقاء والحلاوة إلا في كأسهم المشبوهة، ويصمُّون آذانهم عن أولئك الناصحين الذين اكتشفوا حقيقة كأسهم المذِلّة، وقالوا بجرأة وشجاعة: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، فلما غلظ الجواب، وعري من ضابط نقل صحيح وعقل سليم وخلق قويم، صاح أولئك الذين لا يستقون إلا من نبع السماء صيحة عمّار وسُميَّة وبلال، صيحةً عنتريةً أصيلةً هذَّبَها وارتقى بها وحي السماء:
لا تَسقِني ماء الحياة بِذِلَّة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بل فاسقِني بالعِزِّ كأسَ الحنظلِ

الياقوتة
04-09-2019, 07:59 AM
انتقاء مميز
يعطيك العافية
أمتناني العميق
لـ روحك السعادة

شيخة رواية
04-09-2019, 09:48 AM
عطاء مميز وحضور انيق ووفاء لكيان روايه

التمسه في متصفح الوفاء

راقني ماكان هنا وانتظر مزيدك

فكل الشكر والامتنان لهكذا هطل


دمت بكل الخير

الوسيم
04-09-2019, 12:13 PM
يعطيك العافية..
دام التالق .. دام التميز ..
مدائن من الشكر وجنائن الجوري
لهـذآالطرح الأكثر من رآئع
والعطاء..الرآقي

لَـحًـــنِ ♫
04-09-2019, 01:44 PM
سِلمَت يَدآكُ عِلىُ روَعِة الِطرُح
وسَلمٌ لنآِ ذوُقِكْ الَراقيُ
عْلىَ جَمِالُ الاخِتيًارُ
لِكٌ ولُحٍضٌورَكٌ الجٌميِلْ
كُلً الشٍكُرٌ وَالِتقٌديُر
لِ رُوحِكْ سَعَادَةٌ تَملأ الكُونْ..~
*/ http://vb.skon-s.com/images/smile_files/er-12.pnghttp://vb.skon-s.com/images/smile_files/340.gif

sham
04-09-2019, 04:53 PM
يَنسَكب مِن أنآملك الألقْ
مُمتنَة ل ِعِطآءك المُفعَم
ب العِطر وَ يعطِيك ألعَآفِيةَ عَلى الطرح ألجَميلْ
شُكراً لك ب عِبق ألسُوسن
مَآ نَنحرمْ :20:,’

أبو علياء
04-09-2019, 05:59 PM
أشرقت شمس إبداعكم
فعكست في أفق سماء الموضوع
أجمل ابتسامه كأنها الوان الطيف
في شذى ربيعها فقد جذبتني سطوركم
سلمت الايادي الطيبة
في الابداع والتواصل المستمر
في نشر الجديد والمفيد
أُحييكم على اختياركم الرائع والمميز
تحيتي لكم مع اجمل باقة ورد

ذكرى ❀
04-10-2019, 01:12 AM
-



-


سلمت يداك
بآقآت الشكر والتقدير :241:

سمارا
04-10-2019, 01:17 PM
تسلم الأيادي على ما قدمت
ننتظر جديدك بكل شوق
تقبل مني أعطر التحايا

سمأأأأأرا

صاحبة السمو
04-15-2019, 03:23 PM
سلمت انآملك على الطرح المميز
يعطيك العافية على مجهودك
ننتظر منك المزيد
لقلبك الجوري :20:

نهار
04-21-2019, 10:21 AM
طرحَ عَذب ..!!
أختيآر أنيق وحضور صآخب
اجد الابداع والتواصل الجميل
في اختياركم الراقي
ليس بغريب عليك هذا التألق المميز
سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك

لذة مطر ..!
05-12-2019, 01:55 PM
سلمت الايادي /يعطيك العافيه ..:20:

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
06-10-2019, 09:36 AM
إختيار موفق ..وطرح مميز
لا يليق إلا بمن أتينا لنرى مايقدمه لنا ذوقه الراقي
عافاك الله واجزل لك الأجر

روحي تبيك
06-13-2019, 09:42 PM
سطور نالت الإعجاب برقي هذا الطرح
وهذا سَّــر إبداعك وذائقتك المُتميزه
سوف آظل أترقب الجديد بكل شوق
لك كل الود والاحترام

Şøķåŕą
12-13-2022, 12:07 PM
_



سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

نور القمر
10-05-2024, 10:38 AM
يعطيك العافية على
الطرح الأكثر من رائع
وَ سلمت يمناك على الانتقاء الراقي
شكراً جزيلاً لك

Şøķåŕą
10-05-2024, 01:21 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير