سمارا
03-10-2019, 12:57 PM
أمطار التوت
http://esyria.sy/sites/images/qunaytra/misc/118604_2010_07_29_23_04_04.jpg
«أخذتْ تقفز تحت شجرت التوت المثمرة، تُمنّى نفسها بشهى ثمارها، تلك السوداء الصغيرة، التى ما إن تمسكها حتى تترك أثرا على أصابعك، وكأنها تريد أن تخبرك أنه لا حلاوة بلا ثمن!
المذاق الحلو سرعان ما ننساه! أما تلك الصبغة فتبقى وقتا!!
■ ■ ■
وها هى ذا تستعيد مذاق الطفولة. تشب على أطراف قدميها، تثب، تحاول جاهدة أن تصل لهذا الفرع الذى يبدو قريبا ولكنها برغم ذلك لا تتمكن أن تدركه!
عجبا لها. كبرتْ. طالتْ. فهمت العالم. أنضجها الحزن، وبرغم ذلك لا تريد أن تفهم أنه ليس كل ما يبدو قريبا هو قريب بالفعل! وكل ما يبدو بعيدا ليس بالضرورة بعيدا.
وإلا فمن كان يستطيع أن يتصور أن يحدث لها ما حدث!!
■ ■ ■
أغمضت عينيها بسرعة وكأنها تريد أن تتجاهل الذكرى. وعادت تمد يديها إلى أعلى، وتحاول بلا جدوى. تمنت لو تملك جناحين لتصل إلى ثمرات التوت السوداء اللذيذة.
ولكن من يدري! ربما لو امتلكتهما ستتجاوز الفروع المثقلة بالحبات الشهية وتجاوز الشجرة. بل ربما الكوكب والسماء والمجرة، ترحل خارج حدود الزمان والمكان، بعيدا عن الكون نفسه.
■ ■ ■
وفجأة انتبهت– أثناء محاولاتها الطفولية- لامرأتين يقفان على جنب وينظران إليها متهامستين. نظراتهما تنم عن التعجب والاستهجان. وبرغم أنها لم تسمعهما فإنها على الفور أدركت فيم تتحدثان.
تقلصت ملامح وجهها الجميل ثم تمالكت نفسها وأشاحت بعيدا، وعادت فى تصميم تعاود المحاولة.
■ ■ ■
تجمع حولها أطفال صغار، لم يتعجبوا مما تفعله، وإنما كانوا يشاركونها الاهتمام بثمرات السوداء القريبة البعيدة.
قال أحدهم: «هل لديك ملاءة سرير قديمة يمكنك الاستغناء عنها؟».
فهمت مقصده وبسرعة أحضرت الملاءة، فطرحها الولد تحت الشجرة. ثم سرعان ما شرع يتسلق جذعها توطئة لأن يمسك بالفرع ويهزه بقوة.
تنهمر حبات التوت مثل المطر.
ينتقل الولد من فرع لفرع، وفى كل مرة يهز الفرع بقوة. ينهمر المطر الأسود. يواصل التوت انهماره. فتنهمر دموعها دون وعى، التوت ينهمر، ودموعها تنهمر!
■ ■ ■
أسندت ظهرها المتعب إلى جذع شجرة التوت العجوز وانخرطت فى نحيب متواصل.
أتراهما سعيدتين الآن؟ أتراهما أدركا أنها لم تنس صغيرتها التى واراها التراب منذ أيام! وأنها لن تنساها ما عاشت.
كل ما هنالك أنها تحاول ألا تستسلم لهذا الحزن القاتل الذى يقوّض الظهر ويسقم البدن! كل ما هنالك تحاول أن تقاوم ذلك الفراغ الكامن فى حشاها الباحث عن فقيدتها الصغيرة التى شغلته يوما!
كل ما هنالك أنها تحاول ألا تنهار وترضى بقضاء الله وقدره.
ما أقسى البشر ماذا يريدون؟ لسنا مطالبين طيلة الوقت بإظهار أحزاننا وكآبتنا! لا يشعر بالجمر إلا الكف التى تقبض عليه، ولا تعنى محاولة علاج الجرح أن الألم قد زال والجرح قد برأ.
■ ■ ■
وبينما هى فى ذروة انهيارها أتت إليها طفلة صغيرة. فى صمت دست بعض ثمرات التوت فى فمها، بينما راحت تربت على كتفها بيدها الأخرى.
الدمع مالح! والتوت مسكر!
نظرت إليها من بين دموعها، وكأنها ملاكها المنقذ. فما كان من الصغيرة إلا مدت أصابع رقيقة صغيرة إلى خدها وراحت تجفف دموعها وتحتضنها بقوة.
http://esyria.sy/sites/images/qunaytra/misc/118604_2010_07_29_23_04_04.jpg
«أخذتْ تقفز تحت شجرت التوت المثمرة، تُمنّى نفسها بشهى ثمارها، تلك السوداء الصغيرة، التى ما إن تمسكها حتى تترك أثرا على أصابعك، وكأنها تريد أن تخبرك أنه لا حلاوة بلا ثمن!
المذاق الحلو سرعان ما ننساه! أما تلك الصبغة فتبقى وقتا!!
■ ■ ■
وها هى ذا تستعيد مذاق الطفولة. تشب على أطراف قدميها، تثب، تحاول جاهدة أن تصل لهذا الفرع الذى يبدو قريبا ولكنها برغم ذلك لا تتمكن أن تدركه!
عجبا لها. كبرتْ. طالتْ. فهمت العالم. أنضجها الحزن، وبرغم ذلك لا تريد أن تفهم أنه ليس كل ما يبدو قريبا هو قريب بالفعل! وكل ما يبدو بعيدا ليس بالضرورة بعيدا.
وإلا فمن كان يستطيع أن يتصور أن يحدث لها ما حدث!!
■ ■ ■
أغمضت عينيها بسرعة وكأنها تريد أن تتجاهل الذكرى. وعادت تمد يديها إلى أعلى، وتحاول بلا جدوى. تمنت لو تملك جناحين لتصل إلى ثمرات التوت السوداء اللذيذة.
ولكن من يدري! ربما لو امتلكتهما ستتجاوز الفروع المثقلة بالحبات الشهية وتجاوز الشجرة. بل ربما الكوكب والسماء والمجرة، ترحل خارج حدود الزمان والمكان، بعيدا عن الكون نفسه.
■ ■ ■
وفجأة انتبهت– أثناء محاولاتها الطفولية- لامرأتين يقفان على جنب وينظران إليها متهامستين. نظراتهما تنم عن التعجب والاستهجان. وبرغم أنها لم تسمعهما فإنها على الفور أدركت فيم تتحدثان.
تقلصت ملامح وجهها الجميل ثم تمالكت نفسها وأشاحت بعيدا، وعادت فى تصميم تعاود المحاولة.
■ ■ ■
تجمع حولها أطفال صغار، لم يتعجبوا مما تفعله، وإنما كانوا يشاركونها الاهتمام بثمرات السوداء القريبة البعيدة.
قال أحدهم: «هل لديك ملاءة سرير قديمة يمكنك الاستغناء عنها؟».
فهمت مقصده وبسرعة أحضرت الملاءة، فطرحها الولد تحت الشجرة. ثم سرعان ما شرع يتسلق جذعها توطئة لأن يمسك بالفرع ويهزه بقوة.
تنهمر حبات التوت مثل المطر.
ينتقل الولد من فرع لفرع، وفى كل مرة يهز الفرع بقوة. ينهمر المطر الأسود. يواصل التوت انهماره. فتنهمر دموعها دون وعى، التوت ينهمر، ودموعها تنهمر!
■ ■ ■
أسندت ظهرها المتعب إلى جذع شجرة التوت العجوز وانخرطت فى نحيب متواصل.
أتراهما سعيدتين الآن؟ أتراهما أدركا أنها لم تنس صغيرتها التى واراها التراب منذ أيام! وأنها لن تنساها ما عاشت.
كل ما هنالك أنها تحاول ألا تستسلم لهذا الحزن القاتل الذى يقوّض الظهر ويسقم البدن! كل ما هنالك تحاول أن تقاوم ذلك الفراغ الكامن فى حشاها الباحث عن فقيدتها الصغيرة التى شغلته يوما!
كل ما هنالك أنها تحاول ألا تنهار وترضى بقضاء الله وقدره.
ما أقسى البشر ماذا يريدون؟ لسنا مطالبين طيلة الوقت بإظهار أحزاننا وكآبتنا! لا يشعر بالجمر إلا الكف التى تقبض عليه، ولا تعنى محاولة علاج الجرح أن الألم قد زال والجرح قد برأ.
■ ■ ■
وبينما هى فى ذروة انهيارها أتت إليها طفلة صغيرة. فى صمت دست بعض ثمرات التوت فى فمها، بينما راحت تربت على كتفها بيدها الأخرى.
الدمع مالح! والتوت مسكر!
نظرت إليها من بين دموعها، وكأنها ملاكها المنقذ. فما كان من الصغيرة إلا مدت أصابع رقيقة صغيرة إلى خدها وراحت تجفف دموعها وتحتضنها بقوة.