نسر الشام
12-05-2018, 03:17 PM
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gifفضل لا إله إلا الله
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، تفرد بالجلال والكمال، وتنزه عن النظراء والأمثال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتعبد الموحدون بذكره، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله حتى يقرر أن لا إله إلا الله؛ فأقام الدين، ونشر التوحيد، وأوضح الشريعة، حتى توفاه الله تعالى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، وأنوار الدجى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
فيا أيها الناس:
اتقوا الله حق تقواه، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، واعلموا أنّ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أقام في مكة عشر سنين بعد البعثة وقبل الهجرة يدعو إلى التوحيد وينذر عن الشرك بالله، ويدعوا الأمة إلى طاعة الله وينهاهم عن معصية الله، وبين لأمته أركان الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه.
فقال في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم المتفق على صحته وعلى فهم لفظه ومعناه، قال: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام".
فشهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي أصل الأصول، وعلى صحتها مدار القبول وبها توزن الأعمال، في مفتاح الجنة وعنوان السعادة، وكلن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فلا تصح الأعمال إلا بوجودها ولا يسعد صاحبها بدون الأعمال.
ولها ركنان، هما النفي والإثبات.
ولها أيضًا سبعة شروط ذكرها العلماء الأعلام وهي: العلم، واليقين، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، القبول.
فالعلم ضد الجهل. واليقين ضد الشك. والإخلاص ضد الشرك. والصدق ضد الكذب. والمحبة ضد الكراهية.
والانقياد ضد التوقف. والقبول ضد الرد.
فلا ينفع قول "لا إله إلا الله" صاحبه إلا بوجود هذه الشروط السبعة، كما في حديث صاحب البطاقة الذي رجحت بسيئاته لما قالها وأتى بها بكامل شروطها. وأما إذا لم توجد هذه الشروط السبعة أو فقد بعضها فإنه لا ينفع قول "لا إله إلا الله" شيئًا، كالمنافقين فإنهم يقولونها ولكن لا تنفعهم عند الله، لأنهم ما قالوها عن صدق ومحبة، ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار لأنهم كذبوا على الله فأعمى الله قلوبهم.
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
فإنْ أختلت شهادة أن لا إله إلا الله من العبد كان مشركًا، وإن أختلت منه متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مبتدعًا، فلا بد للعمل أن يكون لله ولابد أيضًا أن يكون على وفق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنّ للعمل ميزانًا في باطنه وهو أن يكون لله، وميزانًا في ظاهره وهو أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسم، وهذا هو الإخلاص والمتابعة.
أيها المؤمنون:
كلمةٌ التقوى هي كلمةُ الإخلاص والتوحيد، لا إله إلا الله، وهي شهادةُ الحق ودعوةُ الحق، وبراءةٌ من الشرك. لأجلها خُلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].
قال سفيان بن عيينه - رحمه الله تعالى -: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله". لأجل هذه الكلمة أعدت دارُ الثواب ودارُ العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد؛ فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر.
هي مفتاحُ الجنة وثمنها، وهي دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحًا، ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي موجبةٌ للمغفرة، ومنجاةٌ من النار. سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: "خرج من النار" أخرجه مسلم، وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: قلت يا رسول الله، كلمني بعملٍ يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: "إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشرُ أمثالها"، قلت: يا رسول الله، لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: "هي أحسن الحسنات" أخرجه أحمد.
لا إله إلا لله تمحو الذنوب والخطايا، وتجدد ما درس من الإيمان في القلب، وهي أفضل الذكر، وأثقل شيء في الميزان، كما روى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن نوحًا قال لابنه عند موته: "آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كنّ في حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله" أخرجه أحمد بسند صحيح.
إن هذه الكلمة العظيمة إذا قالها المسلم صعدت إلى السماء، وخرقت الحجب؛ حتى تصل إلى الله تعالى، أخرج الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما قال عبدٌ لا إله إلا الله مخلصًا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش، ما اجْتُنبت الكبائر".
هذه الكلمةُ أفضلُ الأعمال، وأكثرها تضعيفًا، تحفظ العبد من الشيطان، وتعدل عتق الرقاب؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه" متفق عليه.
وهي التي تفتح أبواب الجنة؛ كما جاء في حديث عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". أخرجه مسلم.
تحرم النار على من قالها مخلصًا؛ كما في حديث عتبان بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" أخرجه الشيخان، وعندهما أيضًا أن الله تعالى يقول: "وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله"، ولهذا السبب فهي تقطع ظهر إبليس، كما قال سفيان الثوري: "ليس شيء أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله".
أيها الأخوة:
هذا بعض من فضل لا إله إلا الله؛ ولكن هل ينال فضلها وبركتها من قالها بلسانه فقط؟ كلا؛ حتى يستيقن بها قلبه كما جاء في بعض الأحاديث" مستيقنا"، وفي آخر "خالصًا من قبل نفسه"، وفي آخر "مخلصًا" وفي آخر "يبتغي بذلك وجه الله"، وفي آخر "يقولها حقًا من قبله"؛ إذ تفيد هذه الأحاديث أنه لا يكفي قول اللسان.
نعم يكفي قول اللسان في حقن دمه وماله، ومعاملته في الدنيا كمسلم ما لم يأت بناقص لها، كما ثبت أن أسامة - رضي الله عنه - قتل رجلًا بعد أن قال: لا إله إلا الله فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أسامة، قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟" قال: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح! قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟"، وفي رواية "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: "وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟" قال أسامة - رضي الله عنه -: "فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ". أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم.
أما في الآخرة فلا تكون سببًا في دخول الجنة والنجاة من النار إلا باستكمال شروطها، وانتفاء موانعها، كما تواترت بذلك النصوص، قيل للحسن -رحمه الله-: "إن ناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة". ولما سئل وهب بن منبه رحمه الله: " أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك". وقال الحسنُ للفرزدق وهو يدفن امرأته: "ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نعم العُدَّة! لكن، لـ "لا إله إلا الله" شروط، فإياك وقذفَ المحصنات!.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -:
"وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غيرُ الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك؛ ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجاؤه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله"
فمن ظن أن مجرد النطق بهذه الكلمة ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولو لم يستيقن بها قلبه، وتعمل بهذا اليقين جوارحه، فقد أخطأ في ظنه؛ لأن كثيرًا ممن يقعون في نواقض الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام وأهله من المنافقين يقولونها، ومنافقو عهد الرسالة الذين مردوا على النفاق كانوا يقولونها بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حقنًا لدمائهم وأموالهم! ومع ذلك أخبر الله أن المنافقين بفعلهم هذا يخادعون الله وهو خادعهم؛ فكان جزاؤهم أنهم في الدرك الأسفل من النار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآية والذكر الحكيم.
الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، تفرد بالجلال والكمال، وتنزه عن النظراء والأمثال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتعبد الموحدون بذكره، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله حتى يقرر أن لا إله إلا الله؛ فأقام الدين، ونشر التوحيد، وأوضح الشريعة، حتى توفاه الله تعالى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، وأنوار الدجى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
فيا أيها الناس:
اتقوا الله حق تقواه، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، واعلموا أنّ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أقام في مكة عشر سنين بعد البعثة وقبل الهجرة يدعو إلى التوحيد وينذر عن الشرك بالله، ويدعوا الأمة إلى طاعة الله وينهاهم عن معصية الله، وبين لأمته أركان الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه.
فقال في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم المتفق على صحته وعلى فهم لفظه ومعناه، قال: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام".
فشهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي أصل الأصول، وعلى صحتها مدار القبول وبها توزن الأعمال، في مفتاح الجنة وعنوان السعادة، وكلن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فلا تصح الأعمال إلا بوجودها ولا يسعد صاحبها بدون الأعمال.
ولها ركنان، هما النفي والإثبات.
ولها أيضًا سبعة شروط ذكرها العلماء الأعلام وهي: العلم، واليقين، والإخلاص، والصدق، والمحبة، والانقياد، القبول.
فالعلم ضد الجهل. واليقين ضد الشك. والإخلاص ضد الشرك. والصدق ضد الكذب. والمحبة ضد الكراهية.
والانقياد ضد التوقف. والقبول ضد الرد.
فلا ينفع قول "لا إله إلا الله" صاحبه إلا بوجود هذه الشروط السبعة، كما في حديث صاحب البطاقة الذي رجحت بسيئاته لما قالها وأتى بها بكامل شروطها. وأما إذا لم توجد هذه الشروط السبعة أو فقد بعضها فإنه لا ينفع قول "لا إله إلا الله" شيئًا، كالمنافقين فإنهم يقولونها ولكن لا تنفعهم عند الله، لأنهم ما قالوها عن صدق ومحبة، ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار لأنهم كذبوا على الله فأعمى الله قلوبهم.
نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
فإنْ أختلت شهادة أن لا إله إلا الله من العبد كان مشركًا، وإن أختلت منه متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مبتدعًا، فلا بد للعمل أن يكون لله ولابد أيضًا أن يكون على وفق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنّ للعمل ميزانًا في باطنه وهو أن يكون لله، وميزانًا في ظاهره وهو أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسم، وهذا هو الإخلاص والمتابعة.
أيها المؤمنون:
كلمةٌ التقوى هي كلمةُ الإخلاص والتوحيد، لا إله إلا الله، وهي شهادةُ الحق ودعوةُ الحق، وبراءةٌ من الشرك. لأجلها خُلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].
قال سفيان بن عيينه - رحمه الله تعالى -: "ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله". لأجل هذه الكلمة أعدت دارُ الثواب ودارُ العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد؛ فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر.
هي مفتاحُ الجنة وثمنها، وهي دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحًا، ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي موجبةٌ للمغفرة، ومنجاةٌ من النار. سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذنًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: "خرج من النار" أخرجه مسلم، وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: قلت يا رسول الله، كلمني بعملٍ يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: "إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشرُ أمثالها"، قلت: يا رسول الله، لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: "هي أحسن الحسنات" أخرجه أحمد.
لا إله إلا لله تمحو الذنوب والخطايا، وتجدد ما درس من الإيمان في القلب، وهي أفضل الذكر، وأثقل شيء في الميزان، كما روى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن نوحًا قال لابنه عند موته: "آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كنّ في حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله" أخرجه أحمد بسند صحيح.
إن هذه الكلمة العظيمة إذا قالها المسلم صعدت إلى السماء، وخرقت الحجب؛ حتى تصل إلى الله تعالى، أخرج الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما قال عبدٌ لا إله إلا الله مخلصًا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش، ما اجْتُنبت الكبائر".
هذه الكلمةُ أفضلُ الأعمال، وأكثرها تضعيفًا، تحفظ العبد من الشيطان، وتعدل عتق الرقاب؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه" متفق عليه.
وهي التي تفتح أبواب الجنة؛ كما جاء في حديث عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". أخرجه مسلم.
تحرم النار على من قالها مخلصًا؛ كما في حديث عتبان بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" أخرجه الشيخان، وعندهما أيضًا أن الله تعالى يقول: "وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله"، ولهذا السبب فهي تقطع ظهر إبليس، كما قال سفيان الثوري: "ليس شيء أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله".
أيها الأخوة:
هذا بعض من فضل لا إله إلا الله؛ ولكن هل ينال فضلها وبركتها من قالها بلسانه فقط؟ كلا؛ حتى يستيقن بها قلبه كما جاء في بعض الأحاديث" مستيقنا"، وفي آخر "خالصًا من قبل نفسه"، وفي آخر "مخلصًا" وفي آخر "يبتغي بذلك وجه الله"، وفي آخر "يقولها حقًا من قبله"؛ إذ تفيد هذه الأحاديث أنه لا يكفي قول اللسان.
نعم يكفي قول اللسان في حقن دمه وماله، ومعاملته في الدنيا كمسلم ما لم يأت بناقص لها، كما ثبت أن أسامة - رضي الله عنه - قتل رجلًا بعد أن قال: لا إله إلا الله فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أسامة، قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟" قال: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح! قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟"، وفي رواية "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: "وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟" قال أسامة - رضي الله عنه -: "فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ". أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم.
أما في الآخرة فلا تكون سببًا في دخول الجنة والنجاة من النار إلا باستكمال شروطها، وانتفاء موانعها، كما تواترت بذلك النصوص، قيل للحسن -رحمه الله-: "إن ناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة". ولما سئل وهب بن منبه رحمه الله: " أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك". وقال الحسنُ للفرزدق وهو يدفن امرأته: "ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نعم العُدَّة! لكن، لـ "لا إله إلا الله" شروط، فإياك وقذفَ المحصنات!.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله تعالى -:
"وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غيرُ الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك؛ ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجاؤه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله"
فمن ظن أن مجرد النطق بهذه الكلمة ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولو لم يستيقن بها قلبه، وتعمل بهذا اليقين جوارحه، فقد أخطأ في ظنه؛ لأن كثيرًا ممن يقعون في نواقض الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام وأهله من المنافقين يقولونها، ومنافقو عهد الرسالة الذين مردوا على النفاق كانوا يقولونها بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حقنًا لدمائهم وأموالهم! ومع ذلك أخبر الله أن المنافقين بفعلهم هذا يخادعون الله وهو خادعهم؛ فكان جزاؤهم أنهم في الدرك الأسفل من النار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآية والذكر الحكيم.