تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات تربوية في السيرة النبوية


عازف الليل مونامور
11-11-2018, 12:44 AM
كلنا ذو خطأ، ولسوف نُوَفَّى قصاص أخطائنا يوم القيامة بين يدي الله الحكمِ العدلِ، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (البقرة: 281)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ضَرَب بسوط ظلما، اقتُصَّ منه يوم القيامة) رواه الطبراني وصححه الألباني. والعاقل هو من يتخلص من تبعات أخطائه، ويتحلل من آثار ظلمه في الدنيا، وذلك باسترضاء أصحاب هذه المظالم، وطلب عفوهم ومسامحتهم، أو بتمكينهم من القود (القصاص) من نفسه، والأخذِ منه بقدر مظلمته أو خطئه معهم، فهذا خير له من أن يأتي يوم القيامة مع المفلسين، الذين أضاعوا حسناتهم وأعمالهم الصالحة بظلمهم وأخطائهم مع غيرهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: (إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار) رواه مسلم.

ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخوف الناس لربه وأخشاهم له، وأحرصهم على أن يلقى الله عز وجل، وليس لأحد عنده مظلمة له، ومن ثم كان الإنصاف والقود (القصاص) من النفس خُلُق تحلى به صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أمر واضح وجلي لمن تأمل أحواله ومواقفه في سيرته صلى الله عليه وسلم.

روى ابن هشام وابن كثير وغيرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مُستَنْتِلٌ (متقدم) من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استوِ يا سواد) فقال: يا رسول الله! أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني (مكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: (استقد) (أي: اقتص)، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟) قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له: (استو يا سواد!) حسَّنه الألباني. فلم يتردَّد النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء سواد رضي الله عنه حقه في القصاص حين طالب به، مع أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يكن يقصِد إيذاءه وإيجاعه، ليَضرب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً رائعاً للعدل والقود من النفس.

وعن عبد الله بن جبير الخزاعي رضي الله عنه قال: (طعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في بطنه إما بقضيب وإما بسواك، فقال: أوجعتني فأقدني، فأعطاه العود الذي كان معه، فقال: (استقد) (أي: اقتص مني)، فقبَّل بطنه، ثم قال: بل أعفو، لعلك أن تشفع لي بها يوم القيامة) رواه الطبراني.

وفي موطن آخر وبينما النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أُسَيْدَ بن حضير، طعنه في خاصرته بعود، فقال أُسَيْد: (أصبِرني (أقدني من نفسك)، فقال: (اصطبرْ) (استقد)، قال: إنَّ عليك قميصاً وليس عليَّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبِّل كشحَه (ما بين الخاصرة إلى الضلع)، قال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله) رواه أبوداود وصححه الألباني.

ولا شك أن من أعطى العدل والقود من نفسه فهو من باب أولى يعطيه من أهله وأصحابه وقومه، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة عاملاً للصدقة، فنازعه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم، فجرح رأسه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: القصاص يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكم كذا وكذا) فلم يرضوا، فقال: (لكم كذا وكذا) فلم يرضوا، فقال: (لكم كذا وكذا) فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم) فقالوا: نعم، فخطب رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟) قالوا: لا، فهمَّ المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: (أرضيتم؟) فقالوا: نعم، قال: (إني خاطب على الناس، ومخبرهم برضاكم) قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أرضيتم؟) قالوا: نعم) رواه أبو داود وصححه الألباني.

وعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام فاختطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري. قال ابن عثيمين: "وهذا العدل غاية في عدل البشر، لا يوجد عدل يصدر من أي بشرٍ كان، مثل هذا العدل من النبي صلى الله عليه وسلم، ليقطع كل الحجج والوساطات والشفاعات، وهذا يدل على كمال عدله صلى الله عليه وسلم".

إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مدرسة زاخرة بالمواقف التربوية، التي يستلهم منها المسلمون الأخلاق الفاضلة، والأحكام العادلة، التي تصل بهم إلى السعادة في الدنيا الآخرة، ومنها مواقفه المشرقة في إعطاء القصاص من نفسه، وهو النبي المُصْطَفى والرسول المُجْتَبَى، وإمام الأنبياء والمرسلين، ومن ثم فالعاقل من يطلب السلامة والنجاة في آخرته، فيتحلل في الدنيا من المظالم والأخطاء في حق الغير؛ خشية أن يُحاسَبَ عليها يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه مِن عرضه، أو مِن شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه) رواه البخاري.

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـوقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخرـ لا يرى بأساً ولا حرجاً أن يُقْتص منه في سبيل طلب السلامة في الآخرة، فهل تُرَانا نحن نصنع هذا مع من نخطئ معهم في حياتنا؟! ثم أوَلسْنا أحوج إلى هذا من نبينا صلى الله عليه وسلم؟!

عاشق اميرة
11-11-2018, 01:06 AM
بارك الله فيك ونفع بك
وجزيتي خير الدارين

غـُـلايےّ
11-11-2018, 01:21 AM
طررح يفوق آلجمآل ,
‎كعآدتك إبدآع في صفحآتك ,
‎يعطيك آلعآفيـه يَ رب ,
‎وبِ إنتظآر المزيد من هذآ الفيض ,
‎لقلبك السعآده والفـرح ..
‎ودي

sham
11-11-2018, 01:56 AM
احسنت الإنتقاء
جزاك الله خير الجزاء .

,:241:

شموخ الغلا
11-11-2018, 04:17 AM
جزَآك آللَه خَيِرآ علىَ طَرْحِكْ الرٍآَئع وَآلقيَم
وًجعلهآ فيِ ميِزآن حسًنآتكْ
دمتِ. .

أبو علياء
11-11-2018, 02:23 PM
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
على الموضوع الرائع والمميز
وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم
لكم مني ارق المنى
وخالص التقدير والاحترام

روحي تبيك
11-11-2018, 05:09 PM
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

عازف الليل مونامور
11-11-2018, 08:11 PM
كل الامتنان وخالص التقدير
لجمال متابعتكم وحضوركم الدائم
الذي انار سطوري دمتم بخالص الود
واكاليل المحبة والامنيات تحيتي لاشراقتكم

انثى برائحة الورد
11-11-2018, 10:46 PM
جزاك الله خيرا
وبارك الله فيك

عازف الليل مونامور
11-11-2018, 11:30 PM
كل الامتنان وخالص التقدير
لجمال متابعتكم وحضوركم الدائم
الذي انار سطوري دمتم بخالص الود
واكاليل المحبة والامنيات تحيتي لاشراقتكم

ريُـ‘ـُآحُـ‘ـُ آلُـ‘ـُشُـ‘ـُۅقُـ‘ـُ
11-12-2018, 07:25 AM
إختيار موفق ..وطرح مميز
لا يليق إلا بمن أتينا لنرى مايقدمه لنا ذوقه الراقي
عافاك الله واجزل لك الأجر

عازف الليل مونامور
11-12-2018, 01:46 PM
كل الامتنان وخالص التقدير
لجمال متابعتكم وحضوركم الدائم
الذي انار سطوري دمتم بخالص الود
واكاليل المحبة والامنيات تحيتي لاشراقتكم

نور القمر
11-12-2018, 09:17 PM
جزاك الله خيرا

عازف الليل مونامور
11-12-2018, 10:04 PM
كل الامتنان وخالص التقدير
لجمال متابعتكم وحضوركم الدائم
الذي انار سطوري دمتم بخالص الود
واكاليل المحبة والامنيات تحيتي لاشراقتكم

خالد
11-13-2018, 10:53 AM
بارك الله فيك
وجعل ما تقدمه من موضوعات
في ميزان حسناتك
ويجمعنا بك والمسلمين
في جنات النعيم
دمت بخير

شيخة رواية
11-13-2018, 10:49 PM
موضوع في قمة الخيااال
طرحت فابدعت
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك الشيق
لك خالص تقديري وأشواقي
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك

الياقوتة
11-15-2018, 09:11 AM
جزاك الله كل خير
وجعل طرحك في
موازين حسناتك
ولا حرمك الاجر
اسعدك المولى

بٰٰقايٰا روحہٰ
11-16-2018, 04:19 PM
جزآك الله جنآتٍ عرضهآ
كـ عرض السمآوات والأرض
بوركت يمينك على الطرح القيم والرآئع
جزيت خيراً
ودمت بحفظ الله ورعآيته :241:

بٰٰقايٰا روحہٰ
11-16-2018, 04:20 PM
جزآك الله جنآتٍ عرضهآ
كـ عرض السمآوات والأرض
بوركت يمينك على الطرح القيم والرآئع
جزيت خيراً
ودمت بحفظ الله ورعآيته :241:

الوسيم
11-16-2018, 08:32 PM
*,
جزاك الله خير
وجعله الله فى ميزان حسناتك
وانار الله دربك بالايمان
*,

مي محمد
11-17-2018, 02:10 AM
جزاك الله خيرا
ونفع بك
وجعله في موازين حسناتك

لذة مطر ..!
11-19-2018, 09:56 PM
__
جزاك الله خير ع طرحك ..
وجعله الله في موازين حسناتك .. :34:

raneem
11-20-2018, 05:22 PM
جزاك الله خيرا
وبارك الله فيك
وانار قلبك بطاعه الرحمن
مودتي

ذآتَ حُسن♔
11-21-2018, 07:18 PM
جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض ..
بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ..
آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمت بحفظ الله ورعآيته ..
لِ روحك

نسر الشام
12-12-2018, 03:40 PM
صفحات متوهجه بحروف الأبداع وروعة الأختيار
تقديري لعطاءك وتألق قلمك الماسي
بالتوفيق دوما لمزيد من التميز
نــ الشام ـسر

دلوعة عشق
06-04-2019, 10:01 AM
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري

Şøķåŕą
09-17-2023, 01:32 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

نور القمر
07-31-2024, 12:27 PM
يِعَطُيّك العإأآفِيـــةْ ..
‏عْطائكَ ممُـيزٌورائعَ
بَآقَآتْ مِنْ ألجُورِي
تُعطِر أنفَآسكْ..~~

Şøķåŕą
09-23-2024, 02:52 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير