غـرام الشوق
05-31-2025, 07:09 PM
ــ “أينَ أنتَ؟”
سَألتُ الفَراغَ الّذي تَركتَهُ في الرُّوحِ،
فَمَا رَدَّ إِلَّا نَشيجُ الصَّمتِ يُقَطِّعُ أوتارَ المَسَاء.
كُنتَ هُنا…
كَما كانتِ الشَّمسُ تَطُلُّ كُلَّ يَومٍ،
كَما كانَ المَطرُ يَطرُقُ الشُّرْفَةَ مُبَاغِتًا،
كَما كانَ للصَّوتِ مَعْنَى، ولِلكَلِمَاتِ حَيَاة…
واليَوم؟
اليَومَ كُلُّ شيءٍ يُشبهُكَ،
ولَا يَكونُ أَنتَ!
الصُّوَرُ جامِدةٌ كَجُثَثٍ تُحدِّقُ فِيَّ بِعَينَيْنِ خامِدَتَيْن،
الأَصواتُ صَدىً يُشْبِهُكَ، لَكِنَّهُ لَا يُخاطِبُني،
الطَّرِيقُ الَّذِي كُنتَ تَسِيرُ فِيهِ، أَراهُ كَالجُرْحِ العَميقِ،
يَتَّسِعُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ تَخْطُوها ذَاكِرَتي إِلَيْهِ.
أُحاوِرُ الغِيابَ كَأَنَّهُ كَائِنٌ يَسكُنُ المَكانَ الَّذِي كُنتَ فِيهِ، فَأَسْأَلُهُ:
ــ “لِماذا يَتَغَيَّرُ النَّاسُ بَعدَ الفِراقِ؟”
فَيَضحَكُ سُخْرِيَةً ويَهمِسُ:
ــ “لِأنَّك أَحْبَبتَ وَجهًا واحِدًا لَهُم، فَلمَّا سَقَطَ القِناعُ، رَأَيْتَ وَجْهًا آخَرَ لَمْ تَكُنْ تَعرِفُه…”
الغِيابُ يَكشِفُ، يَجلِدُ، يُعرِّي الأَوجُهَ مِن أَقنِعَتِها،
وَيُلقِي بِالأَحْلَامِ فِي قَعْرِ السُّؤال
كُنتَ أَقُولُ:
ــ “مَنْ يَرحَلُ يَشْتَاقُ…”
فَضَحِكَتِ الأَيَّامُ وَقَالَتْ:
ــ “لَا تَكونُوا سُذَّجًا! مَنْ يَرحَلُ يَنسَى، وَمَنْ يَبْقَى هُوَ مَنْ يَحْمِلُ الوَجَعَ كَأَثْقَلِ الأَحْمَالِ.”
أَتُراهُم يَذكرُونَنَا كَمَا نَذكرُهُم؟
أَتُراهُم يَمُرُّونَ بِالأَماكِنِ
الَّتي جَمَعَتنَا فَيَشعُرُونَ بِالوَحْشَةِ كَما نَشعُرُ؟
أَم أَنَّ المَاضِي قَد أَفلَ،
ولم يَبقَ سِوَانَا نَنتَظِرُ طَيفًا لَا يَعودُ؟
بَينَ الوَهْمِ والحَقِيقَة،
بَينَ المَحَبَّةِ الخَالِصَةِ وَالمَشاعِرِ المُزيَّفَة
، بَينَ مَنْ كَانَتْ خُطَاهُ نَحوَكَ صَادِقَةً
، وَمَنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ خُطَواتٍ تَقْطَعُ المَسَافَةَ وَحَسْب.
ــ “أَلَا تَعودُ؟”
قُلتُهَا أَلفَ مَرَّة،
فَلم يَرُدَّ إِلَّا صَوتُ الرِّيحِ يَدفُنُ
الصَّدى فِي قَبرِ السُّكُون…
أَلَا تَعودُ؟”
قُلتُهَا مَرَاتٍ وَمَرَات،
فَلم يَرُدَّ إِلَّا
بقلم
ميسـاء
سَألتُ الفَراغَ الّذي تَركتَهُ في الرُّوحِ،
فَمَا رَدَّ إِلَّا نَشيجُ الصَّمتِ يُقَطِّعُ أوتارَ المَسَاء.
كُنتَ هُنا…
كَما كانتِ الشَّمسُ تَطُلُّ كُلَّ يَومٍ،
كَما كانَ المَطرُ يَطرُقُ الشُّرْفَةَ مُبَاغِتًا،
كَما كانَ للصَّوتِ مَعْنَى، ولِلكَلِمَاتِ حَيَاة…
واليَوم؟
اليَومَ كُلُّ شيءٍ يُشبهُكَ،
ولَا يَكونُ أَنتَ!
الصُّوَرُ جامِدةٌ كَجُثَثٍ تُحدِّقُ فِيَّ بِعَينَيْنِ خامِدَتَيْن،
الأَصواتُ صَدىً يُشْبِهُكَ، لَكِنَّهُ لَا يُخاطِبُني،
الطَّرِيقُ الَّذِي كُنتَ تَسِيرُ فِيهِ، أَراهُ كَالجُرْحِ العَميقِ،
يَتَّسِعُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ تَخْطُوها ذَاكِرَتي إِلَيْهِ.
أُحاوِرُ الغِيابَ كَأَنَّهُ كَائِنٌ يَسكُنُ المَكانَ الَّذِي كُنتَ فِيهِ، فَأَسْأَلُهُ:
ــ “لِماذا يَتَغَيَّرُ النَّاسُ بَعدَ الفِراقِ؟”
فَيَضحَكُ سُخْرِيَةً ويَهمِسُ:
ــ “لِأنَّك أَحْبَبتَ وَجهًا واحِدًا لَهُم، فَلمَّا سَقَطَ القِناعُ، رَأَيْتَ وَجْهًا آخَرَ لَمْ تَكُنْ تَعرِفُه…”
الغِيابُ يَكشِفُ، يَجلِدُ، يُعرِّي الأَوجُهَ مِن أَقنِعَتِها،
وَيُلقِي بِالأَحْلَامِ فِي قَعْرِ السُّؤال
كُنتَ أَقُولُ:
ــ “مَنْ يَرحَلُ يَشْتَاقُ…”
فَضَحِكَتِ الأَيَّامُ وَقَالَتْ:
ــ “لَا تَكونُوا سُذَّجًا! مَنْ يَرحَلُ يَنسَى، وَمَنْ يَبْقَى هُوَ مَنْ يَحْمِلُ الوَجَعَ كَأَثْقَلِ الأَحْمَالِ.”
أَتُراهُم يَذكرُونَنَا كَمَا نَذكرُهُم؟
أَتُراهُم يَمُرُّونَ بِالأَماكِنِ
الَّتي جَمَعَتنَا فَيَشعُرُونَ بِالوَحْشَةِ كَما نَشعُرُ؟
أَم أَنَّ المَاضِي قَد أَفلَ،
ولم يَبقَ سِوَانَا نَنتَظِرُ طَيفًا لَا يَعودُ؟
بَينَ الوَهْمِ والحَقِيقَة،
بَينَ المَحَبَّةِ الخَالِصَةِ وَالمَشاعِرِ المُزيَّفَة
، بَينَ مَنْ كَانَتْ خُطَاهُ نَحوَكَ صَادِقَةً
، وَمَنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ خُطَواتٍ تَقْطَعُ المَسَافَةَ وَحَسْب.
ــ “أَلَا تَعودُ؟”
قُلتُهَا أَلفَ مَرَّة،
فَلم يَرُدَّ إِلَّا صَوتُ الرِّيحِ يَدفُنُ
الصَّدى فِي قَبرِ السُّكُون…
أَلَا تَعودُ؟”
قُلتُهَا مَرَاتٍ وَمَرَات،
فَلم يَرُدَّ إِلَّا
بقلم
ميسـاء