المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عنوسة في ريعان الشباب !!


زمردة ❥
02-26-2025, 03:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

كانت كل الأحاديث حولي لا حديث لها إلا عن تفوقي الدراسي وهمتي الفريدة في مساعدة والدتي في شئون المنزل ومهارتي في الطبخ حتى أن أمي كانت تتباهى بي في كل محفل وعند كل وليمة نعدها بالمنزل للضيوف من الأقارب والأحباب، واتسمت من بواكير شبابي بسداد الرأي فكان كل من بالبيت والعائلة يحرص دوما على مشورتي في مجريات الأحداث وتلمس رأي الشخصي، بل أذكر أن والدي لما كبرت صار يعمل لي ألف حساب عندما ينشب الشجار بينه وبين والدتي تقديرا لشخصي واحتراما لمشاعري فهو يحاول أن يجذبني لصفه، ولا يصعد المشكلة لو تحاملت عليه ولمته على انفعاله، فلقد كنت دلوعته الحبيبة وبنته الوحيدة وموضع فخره واعتزازه، وتوطدت الصداقة بيننا لما نجحت في الثانوية العامة ودخلت كلية من كليات القمة التي تقاصرت قامات كثير من شباب العائلة والجيران عن الالتحاق بها وفاتهم ما ظفرت أنا به بسبب درجة أو درجتين لا أكثر ولا أقل، وكان حتما عليهم لتدارك ما فات أن يدخلوا الجامعات الخاصة بلهيب أسعارها الذي يثقل كاهل أغنى الأسر.
كانت الدنيا كلها ملكي، وكنت أعيش بمعادلة واحدة «من جد وجد ومن زرع حصد» .. لكن مع دخولي في سن الزواج بدأت الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن .. حتى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي رغم أن رفيقاتي وقريباتي بدأن في دخول القفص الذهبي الواحدة تلو الأخرى، وانتبهت لأمور لم تخطر على بالي يوما .. إني سمراء في مجتمع يعشق شبابه الشقراوات! والمجتمع يعاني من أزمة بطالة استعصت معها أمور الزواج وتكاليفه من شقة وشغلة ومهر وميزانية تثقل كاهل أي شاب حديث العهد بمسئوليات الحياة.
جرت السنون سراعا ودخلت على أعتاب الثلاثين وبدأت كلمة «عانس» ترن في أذني وترد مرارا على خاطري .. معقولة أنا عانس!! .. يا إلهي .. بأي ذنب وجريرة.
وليت الأمر اقتصر على ذلك بل أجدني فريسة مستباحة في المجتمع لأني بدون رجل، ووصل الأمر إلى خوف بعض المتزوجات مني على أزواجهم!! .. إن الأرض تكاد تمور من تحت قدمي وأوشك أن أفقد توازني واستقراري النفسي الذي كنت أتمتع به.
لقد بدأت المعادلة التي كنت أعيش بها تهتز وأيقنت مع تجارب الأيام أن ليس بحتم أن كل من جد وجد وليس كل من زرع حصد! وكم في السجن من مظاليم، وكم في الحياة من مساكين، بلا جريرة تذكر ولا خطيئة تؤثر ولكنها الأقدار.
كانت مناسبات الزواج السعيدة من حولي أشبه بمأتم شخصي يذكرني بزوجي وفقيدي الذي لم يأت، وكانت تهنئة «عقبالك» كسكين يغرز في قلبي ووجداني، وأتمنى ساعتها لو انشقت الأرض وابتلعتني من شدة الإحراج الذي أحاول أن أدفعه بكل ما أوتيت من إرادة وعزيمة كي لا يبدو على قسمات وجهي.
كنت أحس بالغربة عندما أرى زوجة قد تعلقت بيد زوجها في الطريق وأمامهما طفلين جميلين أشبه بالعصفورين، وكنت كالصماء بين السيدات اللاتي يتحدثن عن أزواجهن وغيرتهم أو غضبهم أو حنانهم.
إن العنوسة عالم غريب دخلته رغما عن أنفي، وأغرب ما فيها أنني ما تصورتها بحياتي يوما، ولا تخيلت أنني سأعيش كالمتهمة تلاحقني نظرات الشفقة حينا ونظرات التهمة حينا آخر.
ولقد دفعني الفضول لأن أغوص في هذا العالم وأتعرف على مكنوناته وأسراره، فوجدت أن المختصين قالوا أن العانس قد تعاني من بعض السلوكيات النفسية الغريبة كالانطوائية، أو الميل للعدوانية نحو النساء المتزوجات كنوع من التعبير عن الحقد عليهن، أو التعلق الزائد بالوالد (عقدة الكترا) لإرواء الحاجة بوجود رجل في حياتها، أو السخط على المجتمع عامة وأفراد الأسرة خاصة وبالذات لو كان قرار الأب أو الأم عائقا في تزويجها كغلاء المهر أو الانتماء القبلي أو تزويج الكبرى أولا أو غيرها من الآفات الاجتماعية التي توقع البنت المسكينة في شراك العنوسة بلا ذنب ولا جريرة.
وقالوا أيضا أن العانس تكون غارقة في أحلام اليقظة عن فتى الأحلام الذي تصبو نفسها إليه، مع النزعة التشاؤمية وفقدان المعنى من الحياة.
أما الفقهاء الإسلاميين فتناولوا الآفات الاجتماعية التي تعرقل الزيجاب بما يعرف باسم «العضل»، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: 19]
والطامة الكبرى «الطفولة» التي حرمت منها ولفظة (أمي) التي طالما حلمت بها .. إن حبي للأطفال لا يصفه وصف ولا يحده حد، وكم كنت أتمنى أن يكون لي طفل أحتضنه وأشتمه وأقبله وألاعبه، وأملئ به دنياي، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
لكني اليوم ومع طول خبرة في أيام العنوسة أدركت أنني كنت خاطئة بهذه المشاعر المبالغ فيها .. إنني اليوم أكثر نضجا مما مضى، وأكثر تفهما لطبيعة الحياة، فبعد استيعاب الصدمة وهدوء المشاعر والتفكير بواقعية وعقلانية أكثر تبين لي أن العنوسة لا تعدو كونها قدر وابتلاء ومحنة كسائر المحن، ومن منا استقامت له الحياة دوما على دروب السعادة والهناء .. إن لكل منا أزمته ومحنته مع اختلاف الصور والأشكال لا أكثر ولا أقل.
فكم من معاق أغلى أمانيه أن يرد الله له صحته، وكم من فقير تمنى أن يسد الله فاقته، وكم من سجين تمنى أن يفك الله حبسته، وكم من خائف تمنى أن يؤمن الله روعته، وكم من غريب تمنى أن ينهي الله غربته. وكم من مدين وتعيس وجاهل ومكروب ومأزوم .. والقائمة تطول.
وهل كل من تزوج فهو سعيد، حتى لو اختار الزوجة الجميلة وعنده الطفل البريء والمسكن الهنيء .. كلا وألف كلا، فأين الزوج البخيل والشكاك وضعيف الشخصية والفاشل والمدمن والسلبي والحقود والغيور .. وأين الزوج الثرثارة والغير نظيفة والمتهورة والغبية والخائنة .. أليست كلها مشكلات تعشش في القفص الذهبي .. أليس من الأزواج من يتحسر على أيام الشباب والانطلاق ويسخط على أيام زواجه وعظيم مسئولياته .. أليس من الزوجات من تصبح كل يوم على أمل أن يقبض الله روح زوجها لتستريح من ضربه المبرح أو إدمانه أو نزواته أو ألفاظه الجارحة وتصرفاته الخشنة.
إن المؤمن يعيش بين قضاء وقدر ووفق مخطوط قلم سبق، ومن العباد من إن أغناه الله فسد حاله، ومنهم من إن أفقره الله صلح حاله، ورسالة الإنسان الجوهرية ليست في الزواج وحسب، بل رسالته في أن يقيم العبودية، والصبر على الأقدار أحد مقاماتها بل من أشرفها على الإطلاق، وهذا ما يميز المؤمن عن غيره، حتى صار مضرب المثل ومكمن العجب، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، فسبحان من يبتلي عباده ليكرمهم ويعظم أجرهم، فتلمس عوض الجليل والنعيم المقيم يهون كل بلاء وييسر كل عسير، ومن يرد الله به خيرا يصب منه، ويبتلى المرء على قدر دينه.
فاللهم ارزقنا الرضا في السراء والضراء، وارزقنا شكر نعمك العديدة ومنحك المديدة، واجعل عاقبتنا في الأمور كلها إلى خير، ولا تكلنا إلى أنفسنا فنزل ونشقى، أنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت المستعان على الكثير والقيل والجليل والحقير.

مثلي قليل
02-26-2025, 03:20 PM
يسلمو على الطرح الرائع
يسعدك ربي ض2

نور القمر
02-26-2025, 06:25 PM
سلمت الأيَادي وَ يعطيك العَافية
لرُّوحك إكليل الوَرد https://a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif.

ترانيم الشجن
02-26-2025, 08:29 PM
سلمت انــــاَملك على جمال ما شــآهدت
لآ حرمنا الله من جديدك المفعم بِــ الجمال و الإبدآع
لِــ روحك أعذب التحايا

شوق العتيبي
02-26-2025, 11:28 PM
تتسسسلم الايـآدي
بانتظـآر جــديدك القــآدم
ودي وشذى الورد:615:

حاء
02-28-2025, 03:28 AM
_



إنتقآء شدني كثيراً
فـ سلمت على ذوقك الرفيع
ولك كل الود والإحترآم ض2

نبضها مطيري
03-02-2025, 10:44 AM
سلمت يداك على روعة الطرح
وسلم لنا ذوقك الراقي على جمال الاختيار ..
لك ولحضورك الجميل كل الشكر والتقدير

المتمرد
03-03-2025, 02:37 AM
اجتباء في ذروة الاتقان والاجاده
شكرا على هذا الانتخاب الفذ
والاختيار الاستثنائي
مودتي لك

نبضها جهني
03-06-2025, 06:19 AM
شكرا لاناملك ع الانتقاء الرائع والممتع
يعطيك العافيه
ويسلم ذوقك في الإختيار
عســاك ع القـــوة

نور القمر
03-08-2025, 11:53 PM
سلمت الأيَادي وَ يعطيك العَافية
لرُّوحك إكليل الوَرد https://a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1%20(6).gif.

تهاني
03-10-2025, 07:10 PM
-

يعطيك العافيه
سلمت الايادي ع الانتقاء :241:

Şøķåŕą
03-15-2025, 11:12 PM
شكرا لك
في انتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

الدكتور على حسن
03-23-2025, 07:05 PM
https://img-fotki.yandex.ru/get/63971/102699435.c55/0_11029c_6df3ee1b_S.png
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ومفيـد جدا بما يحوى ن معلومات قيمة
واكثر من رائعة
ربنا يبارك فيك ويسعدك
ويحقق كل امانيك وامنياتك
يااااااااااااااااااااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى
الدكتور علـى حسـن
https://img-fotki.yandex.ru/get/6501/102699435.c55/0_110298_31e9e8e4_S.pnghttps://img-fotki.yandex.ru/get/6501/102699435.c55/0_110298_31e9e8e4_S.png

Şøķåŕą
03-29-2025, 12:08 AM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

زمردة ❥
04-23-2025, 12:27 AM
حضُور مزهر بِ الجمآل في فضاء يعبق بالياسمين
كل الشكر على أطلالتكم المشرقه
إمتناني لكم./:52::kf1:

Şøķåŕą
04-24-2025, 12:02 AM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

غـرام الشوق
05-06-2025, 08:30 PM
وجدت هنا موضوع وطرح شيق
ورائع اعجبني ورآق لي
شكراً جزيلاً لك .