رحيل
01-12-2025, 12:11 AM
فائدة في قاعدة إبدال الصحابي بصحابيٍّ آخرَ لا يضُرُّ الرواية
أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
الحمد لله.
قاعدة "إبدال الصحابي بصحابي آخر لا يضر الرواية" هي قاعدة أصولية وحديثية تُفيد أن تبديل أحد الصحابة بآخر في سند الحديث لا يؤثِّر في صحة الرواية أو قبولها، والسبب في ذلك يعود إلى مكانة الصحابة وعدالتهم في نقل الحديث؛ فالقاعدة الأساسية في علم الحديث هي أن جميع الصحابة عُدُولٌ؛ أي: إن نقلهم للروايات يكون مأخوذًا على سبيل القبول دون طعن في عدالتهم، ولأن الصحابة لا يكذبون في نقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن إبدالَ أحدِهم بآخرَ لا يؤثِّر في مضمون الحديث؛ لذلك إذا وُجِدَ في بعض الأسانيد أن الراويَ قد خلط بين أسماء الصحابة، فهذا لا يُعَدُّ ضعفًا في السند؛ لأنه لا يؤثِّر في الثقة بالحديث ذاته.
إلا أن هناك حالاتٍ لا تنطبق فيها هذه القاعدة، وذلك لا علاقةَ له بالصحابة، إنما علاقة ذلك فيمن يروي عن الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك ما تدارسناه بفضل الله في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم في مجالس الشيخ الدكتور خالد الحايك حفظه الله، وجاء فيه الآتي بتصريف يسير:
أخرج أحمد في "مسنده ط الرسالة" (1 /186 /7) قال: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مَطهرةٌ للفم، مرضاة للربِّ))، وسأل ابن أبي حاتم في كتابه "العلل" سؤال رقم (6) عن هذا الحديث وفيه: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب))، قالا: هذا خطأ، إنما هو: ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، قال أبو زرعة: أخطأ فيه حماد، وقال أبي: الخطأ من حماد، أو من ابن أبي عتيق".
قلت: الظاهر في هذا الإسناد أن إبدال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يضر الإسناد، إلا أنه في الواقع يضره.
ابن أبي عتيق في إسناد أحمد، هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، وهو الذي يروي عنه حماد بن سلمة، من السابعة عند ابن حجر، من كبار أتباع التابعين، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وكذا قال محققو علل ابن أبي حاتم بإشراف وعناية د/ سعد بن عبدالله الحميد، ود/ خالد بن عبدالرحمن الجريسي حفظهم الله في حاشية (1 /398)، قالوا هو: محمد بن عبدالله بن أبي عتيق.
فيكون أبو عتيق هنا هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التَّيمي المدني، أبا بكر، والد محمد الذي يروي عنه حماد بن سلمة، ووالد عبدالرحمن كذلك.
فلو ثبت هذا الإسناد من طريق أبي عتيق كما عند أحمد، عن أبي بكر رضي الله عنه، لكان في الإسناد انقطاعٌ؛ لعدم سماع أبي عتيق في هذا الإسناد من أبي بكر رضي الله عنه، والمنقطع من أنواع الضعيف، ولو ثبت الإسناد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لكان الإسناد بين ابن أبي عتيق وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مُتَّصلًا؛ لثبوت روايته عنها، وهنا تبرز أهمية تحقيق الصحابي صاحب الرواية في بعض الأحيان، وتأثير ذلك على صحة الرواية أحيانًا.
ولإتمام الفائدة، ولبيان جزء يسير من صيانة الله عز وجل وحفظه لهذا الدين، ولبيان بعض من فحولة أهل الحديث وعلمائهم بالعلل، أسأل الله عز وجل أن يجزيهم خير الجزاء، فإن هناك علةً خفِيَّةً في هذا الإسناد، أبرزها ابن أبي حاتم، وأبو زرعة؛ ألَا وهي الخلط في تعيين ابن أبي عتيق في الإسناد، فكما ذكرنا سابقًا أن ابن أبي عتيق الذي يروي عنه حماد بن سلمة هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق.
ذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى - ط دار صادر" (5 /195)، ومن طريقه مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (8 /175 /3178)، أسماء أبناء عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: وَلَدَ عبدالله: محمدًا، وأبا بكر، وعثمان، وعبدالرحمن، وعمرَ، وعاتكة، وعائشة، وزينب، وأم كلثوم، وآمِنَة.
أخرج ابن حبان في "صحيحه" (1076) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني، حدثنا روح بن عبدالمؤمن المقرئ، حدثنا يزيد بن زريع، عن عبدالرحمن بن أبي عتيق، سمعت أبي، سمعت عائشة تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مَطْهَرةٌ للفم، مَرضاةٌ للرب)).
قال ابن حبان في "صحيحه" عقب هذا الحديث (1067): "قال أبو حاتم: أبو عتيق هذا اسمه: محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، له من النبي صلى الله عليه وسلم رؤية، وهؤلاء أربعة في نسق واحد، لهم كلهم رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم: أبو قحافة، وابنه أبو بكر الصديق، وابنه عبدالرحمن، وابنه أبو عتيق، وليس هذا لأحدٍ في هذه الأمة غيرهم".
وعلى قول ابن أبي حاتم هنا - وهو الراجح الصواب - يكون ابن أبي عتيق هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي المدني، أبا بكر، المعروف بابن أبي عتيق، من الثالثة عند ابن حجر، الوسطى من التابعين، روى له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه؛ قال ابن حجر: صدوق فيه مزاح، ووثَّقه الذهبي، والد محمد الذي يروي عنه حماد بن سلمة، ويكون أبو عتيق هنا هو محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويكون الظاهر - والله أعلم - أن الراجح قول أبي زرعة في أن الوهم من حماد بن سلمة، في تعيين ابن أبي عتيق، والإسناد عنه.
وعلى قول أبي حاتم هنا - وهو الصواب الراجح - في أبي عتيق، سواء ثبتت الرواية عن أبي بكر أو عن أم المؤمنين عائشة، لا ينقطع الإسناد، ولكن تبقى في العموم فائدة أهمية التدقيق في تحقيق الصحابي قائمة، لبحث الانقطاع وغيره، والله أعلم.
أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
الحمد لله.
قاعدة "إبدال الصحابي بصحابي آخر لا يضر الرواية" هي قاعدة أصولية وحديثية تُفيد أن تبديل أحد الصحابة بآخر في سند الحديث لا يؤثِّر في صحة الرواية أو قبولها، والسبب في ذلك يعود إلى مكانة الصحابة وعدالتهم في نقل الحديث؛ فالقاعدة الأساسية في علم الحديث هي أن جميع الصحابة عُدُولٌ؛ أي: إن نقلهم للروايات يكون مأخوذًا على سبيل القبول دون طعن في عدالتهم، ولأن الصحابة لا يكذبون في نقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن إبدالَ أحدِهم بآخرَ لا يؤثِّر في مضمون الحديث؛ لذلك إذا وُجِدَ في بعض الأسانيد أن الراويَ قد خلط بين أسماء الصحابة، فهذا لا يُعَدُّ ضعفًا في السند؛ لأنه لا يؤثِّر في الثقة بالحديث ذاته.
إلا أن هناك حالاتٍ لا تنطبق فيها هذه القاعدة، وذلك لا علاقةَ له بالصحابة، إنما علاقة ذلك فيمن يروي عن الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك ما تدارسناه بفضل الله في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم في مجالس الشيخ الدكتور خالد الحايك حفظه الله، وجاء فيه الآتي بتصريف يسير:
أخرج أحمد في "مسنده ط الرسالة" (1 /186 /7) قال: حدثنا أبو كامل، قال: حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مَطهرةٌ للفم، مرضاة للربِّ))، وسأل ابن أبي حاتم في كتابه "العلل" سؤال رقم (6) عن هذا الحديث وفيه: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب))، قالا: هذا خطأ، إنما هو: ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، قال أبو زرعة: أخطأ فيه حماد، وقال أبي: الخطأ من حماد، أو من ابن أبي عتيق".
قلت: الظاهر في هذا الإسناد أن إبدال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يضر الإسناد، إلا أنه في الواقع يضره.
ابن أبي عتيق في إسناد أحمد، هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، وهو الذي يروي عنه حماد بن سلمة، من السابعة عند ابن حجر، من كبار أتباع التابعين، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وكذا قال محققو علل ابن أبي حاتم بإشراف وعناية د/ سعد بن عبدالله الحميد، ود/ خالد بن عبدالرحمن الجريسي حفظهم الله في حاشية (1 /398)، قالوا هو: محمد بن عبدالله بن أبي عتيق.
فيكون أبو عتيق هنا هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التَّيمي المدني، أبا بكر، والد محمد الذي يروي عنه حماد بن سلمة، ووالد عبدالرحمن كذلك.
فلو ثبت هذا الإسناد من طريق أبي عتيق كما عند أحمد، عن أبي بكر رضي الله عنه، لكان في الإسناد انقطاعٌ؛ لعدم سماع أبي عتيق في هذا الإسناد من أبي بكر رضي الله عنه، والمنقطع من أنواع الضعيف، ولو ثبت الإسناد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لكان الإسناد بين ابن أبي عتيق وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مُتَّصلًا؛ لثبوت روايته عنها، وهنا تبرز أهمية تحقيق الصحابي صاحب الرواية في بعض الأحيان، وتأثير ذلك على صحة الرواية أحيانًا.
ولإتمام الفائدة، ولبيان جزء يسير من صيانة الله عز وجل وحفظه لهذا الدين، ولبيان بعض من فحولة أهل الحديث وعلمائهم بالعلل، أسأل الله عز وجل أن يجزيهم خير الجزاء، فإن هناك علةً خفِيَّةً في هذا الإسناد، أبرزها ابن أبي حاتم، وأبو زرعة؛ ألَا وهي الخلط في تعيين ابن أبي عتيق في الإسناد، فكما ذكرنا سابقًا أن ابن أبي عتيق الذي يروي عنه حماد بن سلمة هو محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق.
ذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى - ط دار صادر" (5 /195)، ومن طريقه مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (8 /175 /3178)، أسماء أبناء عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: وَلَدَ عبدالله: محمدًا، وأبا بكر، وعثمان، وعبدالرحمن، وعمرَ، وعاتكة، وعائشة، وزينب، وأم كلثوم، وآمِنَة.
أخرج ابن حبان في "صحيحه" (1076) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني، حدثنا روح بن عبدالمؤمن المقرئ، حدثنا يزيد بن زريع، عن عبدالرحمن بن أبي عتيق، سمعت أبي، سمعت عائشة تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((السواك مَطْهَرةٌ للفم، مَرضاةٌ للرب)).
قال ابن حبان في "صحيحه" عقب هذا الحديث (1067): "قال أبو حاتم: أبو عتيق هذا اسمه: محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، له من النبي صلى الله عليه وسلم رؤية، وهؤلاء أربعة في نسق واحد، لهم كلهم رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم: أبو قحافة، وابنه أبو بكر الصديق، وابنه عبدالرحمن، وابنه أبو عتيق، وليس هذا لأحدٍ في هذه الأمة غيرهم".
وعلى قول ابن أبي حاتم هنا - وهو الراجح الصواب - يكون ابن أبي عتيق هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي المدني، أبا بكر، المعروف بابن أبي عتيق، من الثالثة عند ابن حجر، الوسطى من التابعين، روى له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه؛ قال ابن حجر: صدوق فيه مزاح، ووثَّقه الذهبي، والد محمد الذي يروي عنه حماد بن سلمة، ويكون أبو عتيق هنا هو محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويكون الظاهر - والله أعلم - أن الراجح قول أبي زرعة في أن الوهم من حماد بن سلمة، في تعيين ابن أبي عتيق، والإسناد عنه.
وعلى قول أبي حاتم هنا - وهو الصواب الراجح - في أبي عتيق، سواء ثبتت الرواية عن أبي بكر أو عن أم المؤمنين عائشة، لا ينقطع الإسناد، ولكن تبقى في العموم فائدة أهمية التدقيق في تحقيق الصحابي قائمة، لبحث الانقطاع وغيره، والله أعلم.