تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير الربع الأول من سورة مريم


- جَف عطَرگـ .
01-07-2025, 08:06 PM
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
تفسير الربع الأول من سورة مريم

من الآية 1 إلى الآية 7: ﴿ كهيعص ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، (واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: كاف ها يا عَيْن صاد).

♦ هذا الذي نتلوه عليك أيها الرسول هو ﴿ ذِكْرُ ﴾ أي خبر ﴿ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾، فقد رَحِمَ اللهُ نبيَّه زكريا عليه السلام ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾: أي حين دعا ربه سِرًّا (ليكون أكمل، وأتَمّ إخلاصًا للهِ تعالى، وأرجَى للإجابة)، فـ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾ يعني إني كَبرتُ، وضَعُفَ عظمي ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾: أي انتشر الشيب في رأسي ﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾: يعني ولم أكن مِن قَبُل محرومًا من إجابتك لدعائي، فلا تحرمني اليوم مما أدعوك به.

﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ﴾: يعني وإني خِفتُ من أقاربي أن يُضيِّعوا الدين ﴿ مِنْ وَرَائِي ﴾ أي مِن بعد موتي (فلا يدعوا الناس إلى توحيدك وعبادتك)، ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾ أي عقيماً لا تلد، ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾: أي فارزقني مِن عندك ولدًا مُعِينًا يتولى أمْر هذه الدعوة مِن بعدي، و ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ ﴾: أي يَرث نُبُوَّتي ونُبُوة آل جَدِّي يعقوب، (لأنّ الأنبياء لا يُوَرِّثون إلا النُبُوّة والعلم والحكمة، وما يتركونه من متاع الدنيا فهو صدقة)، ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾: أي واجعل هذا الولد عبداً صالحاً، ترضاه لِحَمل رسالتك والدعوة إليك.

♦ فاستجاب اللهُ دعائه، وقال له - بواسطة الملائكة -: ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾أي: لم نُسَمِّ أحدًا قبله بهذا الاسم.

الآية 8: ﴿ قَالَ ﴾ زكريا فَرِحاً مُتعجبًا: ﴿ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾: يعني كيف يكون لي غلام، وامرأتي عقيم لا تلد ﴿ وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ يعني وقد بلغتُ النهاية في الكِبَر وضَعف العظم؟!

الآية 9: ﴿ قَالَ ﴾ المَلَك مُجيبًا زكريا عمَّا تعجَّبَ منه: ﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ ﴾: يعني هكذا الأمر كما تصف - مِن كَوْن امرأتك لا تلد، وبلوغك سن الشيخوخة - ولكنَّ ربك قال: ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ يعني: خَلْقُ يحيى - على هذه الحالة - هو أمْرٌ يسيرٌ عليَّ ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي وقد خلقتك أنت مِن قبل يحيى ﴿ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ (فكما قدَرَ سبحانه على خَلْقك ولم تكن شيئاً، فهو قادر أيضاً على أن يرزقك الولد رغم ضَعفك وعُقم امرأتك).

الآية 10: ﴿ قَالَ ﴾ زكريا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً ﴾: أي اجعل لي علامةً، تدلني على وقت حَمْل امرأتي بالولد، ليَحصل لي السرور والاستبشار، ﴿ قَالَ آَيَتُكَ ﴾ التي طلبتَها هي ﴿ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ يعني إنك لن تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيامٍ ولياليهنّ - إلا بالإشارةِ إليهم - مع أنك سَوِيٌّ مُعافَى، ليس بك خَرَس ولا مرض يَمنعك من الكلام.

من الآية 11 إلى الآية 15: ﴿ فَخَرَجَ ﴾ زكريا ﴿ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ﴾ (وهو المكان الذي يصلي فيه، وهو أيضاً المكان الذي بُشِّرَ فيه بالولد)، ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾: أي فأشار إلى قومه - أو كتب لهم -: أنْ سَبِّحوا اللهَ صباحًا ومساءً، (والظاهر أنه كان يأمرهم بالتسبيح - كل يومٍ - صباحًا ومساءً، أو أنه أمَرَهم بالتسبيح شكراً للهِ تعالى، لأنّ البشارة بيحيى - وبنُبُوَّته - هي مَصلحة دينية في حق الجميع)، وعندما لم يَقدر زكريا على الكلام: عَلِمَ بحَمل امرأته.

♦ فلمّا وُلِدَ يحيى وأصبح يَفهم الخطاب المُوَجَّه إليه، قال اللهُ له - بواسطة الوحي -: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ أي خذ التوراة بجد واجتهاد (وذلك بحفظ ألفاظها، وفَهم معانيها، والعمل بها)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾: يعني وأعطيناه الحِكمة وفَهم التوراة (وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام)، ﴿ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ يعني وأعطيناه رحمةً مِنّا في قلبه، جعلته يَعطف على غيره، ﴿ وَزَكَاةً ﴾ أي: وجعلناه ولداً طاهراً - لا يَتلوث بذنبٍ قَطّ طُوالَ حياته - بل يَستعمل بَدَنه فيما يُرضي ربه، ﴿ وَكَانَ تَقِيًّا ﴾ أي: وكان يحيى خائفًا من اللهِ تعالى (فلم يَعصِهِ بتَرْك فريضة، ولا بفِعل حرام)، ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ ﴾ أي: وكان بارًّا بوالديه مُطيعًا لهما ﴿ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾: أي لم يكن متكبرًا عن طاعتهما، ولا عاصيًا لأمْرهما، بل كانَ عليه السلام متواضعاً يَقبل الحق، وطائعاً لأمْر ربه وأمْر والديه.

﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ ﴾ أي أمانٌ مِن اللهِ تعالى ليحيى ﴿ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ - مِن أن يُصِيبه الشيطان بسُوء - ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ أمانٌ له مِن فتنة القبر، ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ أمانٌ له من الفزع الأكبر يوم القيامة (فيكون من الآمنين السعداء، في الجنةِ دار السلام).

الآية 16، والآية 17: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ يعني: واذكر - أيها الرسول - في هذا القرآن قصة مريم ﴿ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ أي حين اعتزلتْ أهلها، فاتَّخذتْ ﴿ مَكَانًا ﴾ خاصاً، تَخلو فيه بنفسها لعبادة ربها، ﴿ شَرْقِيًّا ﴾ أي شرق الدار التي بها أهلها (أو شرق بيت المَقدس)، ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾: أي فجعلتْ لها ساترًا يَسترها عن أهلها وعن الناس، ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾: أي فأرسلنا إليها الملَك جبريل (الذي قال اللهُ تعالى عنه: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)) ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾: أي فتمثَّل لها جبريل في صورة إنسان تامّ الخَلْق (حتى لا تَفزع منه إذا ظَهَرَ لها بصورةٍ أخرى).

الآية 18: ﴿ قَالَتْ ﴾ له مريم: ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ﴾: يعني إني أحتمي بالرحمن - الذي يَرحم الضَعيفات مِثلي - مِن أن تصيبني بسوء ﴿ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾: يعني إن كنتَ مؤمناً تتقي اللهَ تعالى.

الآية 19: ﴿ قَالَ ﴾ لها جبريل عليه السلام: ﴿ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ وقد بَعَثني إليك ﴿ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ أي ولداً طاهراً، لا يَتلوث بذنبٍ قَطّ طُوالَ حياته.

الآية 20: ﴿ قَالَتْ ﴾ له مريم: ﴿ أَنَّى ﴾ يعني كيفَ ﴿ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ بنكاحٍ حلال، ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ يعني ولم أكُن زانية؟!

الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿ قَالَ ﴾ لها جبريل عليه السلام: ﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ﴾: أي هكذا الأمر كما تَصِفين - مِن أنه لم يَمْسَسكِ بشر، ولم تكوني زانية - ولكنّ ربك قال: ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ يعني: خَلْقُ هذا الغلام مِن غير أب هو أمْرٌ يسيرٌ عليَّ، ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾ يَستَدِلُّوا بها على قدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾ بمن آمَنَ به واتَّبَعَ ما جاءَ به من التوحيد والاستقامة، ﴿ وَكَانَ ﴾ وجود عيسى على هذه الحالة ﴿ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾: أي قضاءً مُقدَّرًا، لابد مِن نفوذه.

♦ فنَفخ جبريل في جَيْب ثيابها- وهو المكان الذي عند الرقبة - فوصلتْ النفخة إلى رَحِمِها ﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾: أي فحملتْ مريم بالغلام ﴿ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾: أي فتباعدتْ به إلى مكان بعيد عن الناس (خوفاً من اتِّهامها بالزنا)، ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ﴾: أي فألجأها طَلْقُ الحمل، واضطَّرها ألم الولادة ﴿ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ لتعتمد عليه أثناء الولادة، فلمَّا وضعته: ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ أي قبل هذا اليوم ﴿ وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾أي شيئًا لا يُعْرَف ولا يُذْكَر، (وذلك لأنها خافت أن يَظُنّ الناسُ بها شرّاً).

الآية 24، والآية 25، والآية 26: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ - وفي أحد القِراءات: (فناداها مَن تَحتَها) أي الذي تحتها (وهو عيسى عليه السلام)، حيثُ أنطقه اللهُ تعالى بعدما وضعته، ليُخَفِّف عنها حُزنها بسبب ولادتها وهي بِكْر، فناداها عليه السلام ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي ﴾، وكذلك بَشَّرها وأرشدها قائلاً: ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ أي جَعَلَ اللهُ تحتك نهراً صغيراً من الماء، ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾: أي حَرِّكي جذع النخلة نَحْوَكِ: يَتَساقَطْ عليك رُطَبٌ - أي "بلح" - قد طابَ وأصبح صالحاً للحصاد، ﴿ فَكُلِي ﴾ من الرُطَب، ﴿ وَاشْرَبِي ﴾ من الماء، ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾: أي اطمئني وافرحي بولدك، ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا ﴾: يعني فإن رأيتِ أحدًا من الناس فسألك عن ولدك: ﴿ فَقُولِي ﴾ له - بالإشارة -: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾: يعني إني أَوْجَبْتُ على نفسي إمساكاً عن الكلام وصمتاً للهِ تعالى ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ (وقد كان السكوت عبادةً في شَرْعهم، ولكنّ الإسلام نَسَخَ ذلك، فلم يَجعل الصمت عبادةً في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم).

الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ﴾: يعني فجاءت مريم - من المكان البعيد - إلى قومها، وهي تَحمل ولدها في يدها، فلمَّا رأوها كذلك ﴿ قَالُوا ﴾ لها: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾: أي لقد جئتِ أمرًا عظيمًا (يقصدون بذلك: الزنا والعياذ بالله)، وقالوا لها: ﴿ يَا أُخْتَ ﴾ الرجل الصالح ﴿ هَارُونَ ﴾﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ﴾: يعني لم يكن أبوكِ رجلاً يأتي الفواحش، ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾: يعني وما كانت أمك زانية، بل كانت عفيفة طاهرة، فكيف حَصَلَ لك هذا؟، ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾: أي فأشارت مريم إلى ولدها الرضيع ليسألوه ويُكَلِّموه، (لأنها علمتْ أنه يَتكلم عندما ناداها مِن تحتها)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ - مُنكِرينَ عليها -: ﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾: يعني كيف نُكَلِّم مَن لا يزال طفلاً رضيعًا في مَهده؟

من الآية 30 إلى الآية 33: ﴿ قَالَ ﴾ عيسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ (فألقى اللهُ سبحانه على لسان عيسى إقراره بعبوديته للهِ تعالى - رغم أنّه كان من المتوقع أنْ يُبرئ أُمَّه من الزنا أولاً - وذلك لأنّ اللهَ تعالى عَلِمَ أنّ قوماً سيَزعمونَ أنه ابن الله، وحتى لا يُفتَن أحدٌ بنُطقه وهو رضيع، فيَزعم أنه إله أو ابن إله)، تعالى اللهُ عن قول النصارى الذين يُخالفونَ عيسى عليه السلام في قوله: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)، ثم يَدَّعونَ اتِّباعه.

♦ وقال عليه السلام: ﴿ آَتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾: أي قَضَى ربي بإعطائي الكتاب - وهو الإنجيل - ﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾، (وكذلك أخبرهم عليه السلام بما كتبه اللهُ له مُستقبَلاً)، فقال: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ أي جعلني عظيمَ الخير والنفع حيثما كنت، ﴿‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ﴾: أي وجعلني بارًّا بوالدتي، مُطِيعاً لها، لا يَنالها مِنّي أذى، ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾: أي لم يَجعلني متكبرًا عن طاعة والدتي، ولا عاصيًا لأمْر ربي، (واعلم أن الجبّار هو المتكبر على الناس، الغليظ في معاملتهم، واعلم أيضاً أنّ الشَقي هو الضال الخائب في مَسعاه)، ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ ﴾ يعني: والأمان عليَّ مِن اللهِ تعالى ﴿ يَوْمَ وُلِدْتُ ﴾ - من أن يُصيبني الشيطان بسُوء -، ﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ ﴾ أمانٌ لي من فتنة القبر، ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ أمانٌ لي من الفزع الأكبر يوم القيامة (فأكون من الآمنين السعداء، في الجنةِ دار السلام).

♦ وللرد على مَن أنكر نُطق عيسى عليه السلام في المهد: نقول لهم بأنّ شريعة اليهود كانت تقتضي رَجْم الزانية، فلمَّا اتَّهموا مريم عليها السلام بالزنا، ثم لم يَرجموها، تبَيَّنَ أنّ هناك شيئاً عجيباً قد حدث، مَنَعهم مِن فِعل ذلك وأثبَتَ برائتها (وهو نُطق عيسى عليه السلام في المَهد).

الآية 34: ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي قَصَصنا عليك خبرَه - أيها الرسول - هو ﴿ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾، وقد قالَ ﴿ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ أي قالَ عن نفسه قول الحق الذي شك فيه اليهود والنصارى (حيثُ اعترف بأنه عبد الله ورسوله).

الآية 35، والآية 36: ﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ﴾: أي لا يَليق باللهِ تعالى أن يتخذ ولدًا مِن عباده وخَلْقه (وذلك لِغِناهُ تعالى عنهم)، ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾: أي تنزَّه وتقدَّس عن ذلك، فإنه ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا ﴾: يعني إذا قدَّرَ أمرًا، وأرادَ إيجاد شيء: ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ﴾﴿ فَيَكُونُ ﴾ أي فيكونُ كما شاءه وأراده، (فكذلك كانَ وجود عيسى عليه السلام بكلمة: (كُن)، مِن غير أب).

♦ وقال عيسى لقومه: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ ﴾ - الذي أدعوكم إليه - هو ﴿ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾ (فأنا وأنتم سواءٌ في العُبودية والخضوع للهِ تبارك وتعالى)، ﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ يعني: هذا - أي عبادة اللهِ وحده - هو الطريق الصحيح المُوصل إلى السعادة الأبدية في جنات النعيم.

الآية 37، والآية 38، والآية 39: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾: أي فاختلفتْ الفِرَق - مِن أهل الكتاب - في أمْر عيسى عليه السلام، فمنهم مَن جاوَزَهُ قدْرَهُ (كالنصارى)، حيث قال بعضهم: هو الله، وقال بعضهم: هو ابن الله، وقال بعضهم: ثالث ثلاثة - تعالى اللهُ عمَّا يقولونَ عُلُواً كبيراً -، ومنهم مَن كَفَرَ برسالته (كاليهود) حيث قالوا: ساحر، وقالوا: ابن يوسف النجار، واتَّهموا أمّه كذباً بالزنا، ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾: أي فهلاكٌ للذين كفروا - بنسبَتِهم الولد والشريك للهِ تعالى - مِن شهود يومٍ عظيم الهَول (وهو يوم القيامة)، ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ أي: ما أشدَّ سمعَهم وبَصَرَهم يوم القيامة، يوم يأتونَ إلى اللهِ تعالى ويُعاينونَ عذابه (وذلك حين لا يَنفعهم السمع والبصر)، إذ كانوا في الدنيا لا يريدونَ أن يُبصِروا الحق، ولا يريدونَ أن يَسمعوا حُجَجَه وبراهينه، ولذلك قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ ﴾ أي في هذه الدنيا: ﴿ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي في ضلالٍ واضح.

﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾: أي خوِّفهم بما يقع يوم القيامة من الحسرة والندامة لأهل الشِرك والضَلال ﴿ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ أي عندما يُشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها، وهم قد ورثوا منازل أهل الجنة في النار، فحينئذٍ تَعظُم الحسرة ويَشتد الندم، ﴿ وَهُمْ ﴾ - في هذه الدنيا - ﴿ فِي غَفْلَةٍ ﴾ عمَّا أُنذِروا به، ﴿ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ باليوم الآخر، ولا يعملون العمل الصالح الذي يُنجيهم من عذاب جهنم.

الآية 40: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ - وذلك بعد فناء الخلق، وبقاء الخالق سبحانه - ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ يومَ القيامة، فنُجازيهم على أعمالهم، (إذاً فلا تَحزن أيها الرسول على ما تَلقاهُ من أذى قومك، وامْضِ في دعوتك إلى توحيد ربك، ولا يَضرك تكذيب المُكَذِّبين، ولا شِرك المشركين)، (واعلم أنّ كلمة (نحن) - المذكورة في الآية - للتأكيد).

[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

ترانيم الشجن
01-07-2025, 08:41 PM
بارك الله فيــــــــــك
أنار الله قلبك ودربك ورزقك برد عفوه وحلاوة حبه ..
ورفع قدرك في أعلى عليين ...
حفظك المولى ورعاك وسدد بالخير خطاك ..
احتــــرامي وتــقديري...

إيلين
01-07-2025, 09:18 PM
-

:x42:





كالعادة إبداع رائع.. :96:
وطرح يستحق المتابعة.. :em11::438:
شكراً لك ، بانتظار الجديد القادم ..:h102::x30:
دمت بكل خير ، لروحك السعادة ..:r-q2::x41:

мя Зάмояч
01-07-2025, 09:55 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

الحقيقي
01-07-2025, 10:56 PM
جَزاك اللهِ خُيرِ الجَزاء
ونفِعُ بكٌ وبطِرحكَ القيَيم
ولاَ حَرمُك الاًجَر
بُارك الله فيُك

وجود
01-07-2025, 11:01 PM
جَزاك اللهِ خُيرِ الجَزاء
ونفِعُ بكٌ وبطِرحكَ القيَيم
ولاَ حَرمُك الاًجَر
بُارك الله فيُك

زمردة ❥
01-08-2025, 03:13 AM
بارك الله فيك

حاء
01-08-2025, 07:27 AM
_



أثابك الله الأجر ..
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
دمت بحفظ الرحمن ض2

نور القمر
01-08-2025, 11:37 AM
سلمت كفوفك ..
لطيب الجهد وَ تمُيز العطاء
لاحرمنا الله روائِع مجهوداتك
لقلبك الفرح.

مثلي قليل
01-08-2025, 10:43 PM
جزاك الله خير
بارك الله فيك

KFN
01-08-2025, 10:44 PM
جزاك الله خيرا

إِيزآبَيل♡
01-09-2025, 04:03 AM
-







إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.ض2

تهاني
01-09-2025, 09:39 AM

جزاك الله خير / وجعله في موازين حسناتك ..:241:

الدكتور على حسن
01-10-2025, 07:43 PM
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
ومفيـد جدا بما يحوى ن معلومات قيمة
واكثر من رائعة
ربنا يبارك فيك ويسعدك
ويحقق كل امانيك وامنياتك
يااااااااااااااااااااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى
الدكتور علـى حسـن
:kf1::kf1::nay1::kf1::kf1:

وطن عُمري
01-11-2025, 09:27 PM
حَفْنَة إِبْدَاعٍ بسماء روايه
لَك اَلتَّحَايَا عَاطِرَةً بِرَبِيعْ جُورِي لَا يَبُورُ . . !

Şøķåŕą
01-11-2025, 11:34 PM
شكراً لك
بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

البرنس مديح آل قطب
01-16-2025, 12:18 PM
[ALIGN=CENTER]
https://www.raed.net/img?id=1021979
https://www.raed.net/img?id=1021981
https://www.raed.net/img?id=1021981
https://www.raed.net/img?id=1021981

جزاكم الله خير الجزاء .. وبارك فيكم :mh51:
‏طرحكم للموضوع راق لي كثيراً :20:
‏طرحكم كشفق القمر في شفق الليل :ho11:
يعطيكم العافية وسلمت يداكم :fr-5:
لروعة ماطرحتم من مواضيع مفيدة :64:
كل الشكر والتقدير لكم :r77:
لكم منا :x10:
باقات جاسمين :em10:
يسلمواااااااااااااااااااااا :kl8:






https://www.raed.net/img?id=1022010


القيصر العاشق :mh51:


البـ مديح:RH1: آل قطب:RH1: ــــــرنس:ho10:
https://www.raed.net/img?id=1022022

إِيزآبَيل♡
01-25-2025, 05:46 AM
-







إنُتقِآءَ يُعآنِقَ السُمآءَ تُميزِاً’..
طُرحَ رآُقيَ كـ رُقيَكّ’,.
دُمتَ نهُِراً جُآرفَاً يُروُينَآ بُروآئَعكّ’,,
,.ض2

نور القمر
02-06-2025, 04:44 PM
سلمت كفوفك ..
لطيب الجهد وَ تمُيز العطاء
لاحرمنا الله روائِع مجهوداتك
لقلبك الفرح.

زمردة ❥
06-08-2025, 09:14 AM
جزاكم الله خير الجزاء .